قامت أرواحنا الغاضبه من فرط كثرة سنوات الخداع والبجاحه بالثوره.. ثم التحقت بها عقولنا.. وليس العكس.. ربما كانت تلك هى ميزة الثوره المصريه وعيبها القاتل فى الوقت نفسه.. أن العقل لم يستوعب إمكانية حدوث ما حدث قبل حدوثه.. وإنما بعد حدوثه بالفعل.. وجدنا أنفسنا قد فعلنا ما كنا نظن فى الماضى أننا لن نفعله.. قمنا بثوره.. ثم بدأت عقولنا فى إستيعاب أننا قد قمنا بثوره.. ثم أخذنا بعد ذلك نبحث عن الإطار الذى قد يكون مناسبا لتلك الثوره.. وهو أشبه ما يكون بالفنكوش الشهير الذى أذيعت إعلاناته عن طريق الخطأ فى التليفزيون فى فيلم «واحده بواحده» ليبدأ الناس بعدها فى التساؤل حول ماهية هذا الفنكوش.. مما إضطر عادل إمام للذهاب إلى معمل الدكتور «عبد الجواد أيوب» صاحب فضيحة شوربة فراخ أم مرسى الشهيره ليخترع له فنكوشا بسرعه! الفارق بيننا وبين عادل إمام اننا لم يسمح لنا بالذهاب إلى أى دكاتره للوصول إلى ماهية ثورتنا بالظبط.. وهذا طبعا من منطلق أنها ليست إختراع وإنما ثوره.. وهكذا قرر الرئيس السابق الذى لم يعد يمتلك سلطه حقيقيه إعطاؤها للمجلس العسكرى ليتصرف فيها براحته.. وبما أن المجلس العسكرى مش بتاع ثورات.. وإنما بتاع أوامر صارمه وتعليمات غير قابله للنقاش واستمرار للوضع على ما هو عليه.. لهذا.. ها نحن فى أول يناير 2012.. ننتظر إعلان براءة مبارك الرسميه.. هذا الإعلان الذى سوف يتبعه الإعلان عن براءة جميع المتهمين أيا كان موقعهم أو أيا كانت جريمتهم.. حيث أن ما لم يضعه أحد فى حسبانه فى خضم تلك الأحداث الثوريه هو قانون الصداقه.. ذلك القانون الذى يجعل كل صاحب له عند صاحبه عدة أشياء.. قد تكون جميعها أشياء خاطئه.. إلا أن تلك هى الصداقه وهذا هو قانونها.. القانون الذى قد يجعلك تكذب من أجل إنقاذ صديقك بينما تتردد فى عقلك تلك الكلمات الشعبيه لإشعارك بأنك لم تكذب وإنما عملت الأصول.. « وهو الصاحب له عند صاحبه إيه «؟! إذن.. هذا ما حدث.. قمنا بثوره عظيمه وتلقائيه وصادقه وحقيقيه.. ولكننا وجدنا أنفسنا بعدها نتوقف ونسأل أنفسنا ونسأل بعضنا البعض.. « طب إيه «؟!.. وبات لزاما علينا أن نجيب عن هذا السؤال الملتبس ونضع إطارا لتلك الثوره العظيمه والعجيبه فى آن.. ولما كثرت الإجابات وتداخلت فى بعضها البعض أصبح لزاما على مدرس الفصل أن يخبط بالعصايه على الترابيزه أمامه ليصمت الجميع مبدئيا.. وعلى الرغم من معرفة المدرس الواقف أمام الفصل من هو التلميذ صاحب الإجابه الأكثر منطقيه عن هذا السؤال بين باقى التلامذه.. وهو شأنه شأن باقى الشطار عموما.. بيتهته ولكنه الأذكى وسط زمايله.. إلا أنه لم يعطه الفرصه لكى يجيب.. وأخذ فى الإستماع إلى إجابات باقى التلامذه.. حتى انتهت الحصه وضرب جرس المرواح.. وانصرف الجميع وهم لا يعلمون على وجه التحديد.. ما هى إجابة السؤال! الآن.. وبينما نحن لا نزال لا نعلم إيه اللى حيحصل بكره.. من منطلق أننا لم نحصل على الإجابه الصحيحه حتى الآن.. ومن منطلق إصرار المجلس العسكرى على عدم إعطاء الفرصه للشطار بجد لكى يجيبوا على السؤال.. وإعطاؤه الفرصه بدلا من ذلك للطلبه الحافظين ( مش الفاهمين ) لكى يجيبوا.. هل ينبغى علينا أن نتشائم ونيأس من تلك الشقلبه غير المنطقيه؟!.. للإجابه على ذلك السؤال عودوا معى إلى أيام زمان قليلا.. أيام المدرسه.. وتذكروا معى هؤلاء البلدا الحافظين الذين كانوا المدرسين يحبونهم لأنهم لا يتناقشون معهم كثيرا ولأنهم بيسمعوا الكلام بإستمرار.. وأخبرونى.. هل سمعتم أن أحدا منهم قد نبغ فى أى شىء؟!.. هل سمعتم أن أحدا منهم قد حقق أى حاجه فى حياته؟!.. إنهم لا يستطيعون تحقيق أى شىء فى أى مجال فى غياب من يتملقونه.. وهذا الذى يتملقونه قد يكون مدرس فى مدرسه أو مدير فى عمل أو مجلس عسكرى فى بلد.. بمجرد رحيله سوف تعود الأمور إلى نصابها.. وسوف يصعد من يستحق الصعود بالفعل.. حتى لو كان طالب بيتهته وزمايله ببيكرهوه لأنه الأشطر والأذكى! و حتى يحدث ذلك.. دعونا نرفض الفنضام الذى قدمه لنا المجلس العسكرى على أساس أنه.. هو دا الفنكوش يا جماعه!