أنا من المؤمنين إيمانا لا ريب فيه أنه لا أمل فى اتحاد الكرة الحالى وأن الحديث عنهم أو معهم أو لهم مضيعة للوقت وإهدار للجهد. مشكلتى معهم اليوم ليست فى فساد مالى، فالملايين التى أهدروها أو مرروها أو تربحوها يمكن أن تعوض، فإن لم تعوض فسوف يحاسبون عليها يوم الحساب لأنه فى الوقت المنظور وحتى بعد 25 يناير لا حساب للفاسدين والمفسدين، بل هناك عقاب لمن ثاروا عليهم، فغياب الأمن وانفلات الوضع الاقتصادى والسياسى الذى نراه فى الشارع الآن جزء من هذا العقاب حتى نرجع إلى رشدنا ونتوب عن ثورتنا ونعتذر إلى الفاسدين. وما يفعله اتحاد الكرة فى أيامه الأخيرة هو إفساد للسيستم وتدمير للنظام وإعادتنا إلى عصر تجارة العبيد.. والعبيد هنا هم اللاعبون، والتجار هم الأندية الكبيرة التى تملك المال أو الصيت أو الاثنين معا. فلائحة شؤون اللاعبين الجديدة التى تفتق عنها ذهن فيلسوف عصر الانحطاط الكروى الكابتن مجدى مقشة تقضى بحق النادى فى قيد ثلاثين لاعبا يحق له إعارة خمسة منهم مع رفعهم من القائمة وحقه فى التعاقد مع خمسة آخرين دون قيدهم فى القائمة، وذلك لإعارتهم أو إبقائهم للتدريب فى إسطبل اللاعبين. وحتى أفك لكم لوغاريتم هذه اللائحة فالغرض منها والخلاصة من إصدارها هى إعطاء الأندية الحق فى الاتجار بعشر اللاعبين فى الموسم، أى التجارة فى البشر، فاللاعب قد يتعاقد مع الأهلى أو الزمالك وتنتقل للنادى ملكيته على الورق ليؤجره أو يبيعه أو يجمده فى الثلاجة دون أن يمر حتى بجوار البوابة، والسلبيات التى أراها فى هذا النظام المنحط واللائحة المبتذلة هى: 1-أنها ضد القيم الإنسانية واحترام الآدمية ومواثيق الإنسان، فلائحة تصنف اللاعب كعبد يقوم النادى بشرائه والاتجار فيه بغرض الاستفادة المالية فقط تعنى خروجنا من إطار الرياضة والأخلاق والقيم والمبادئ إلى سوق النخاسة. 2- تؤسس هذه اللائحة للمبادئ الاحتكارية للأندية الكبيرة والغنية، فالنادى الذى يملك الفلوس مثل الأهلى والمقاصة ووادى دجلة والجونة يستطيع أن يشترى عشرة لاعبين ليحفظهم فى الثلاجة ويحرم المنافس الأقل قدرة مالية -وهم الغالبية العظمى من الأندية- من الاستفادة بهم. 3-قتل المنافسة على البطولة، فالأندية الغنية ستملك جميع اللاعبين بينما الأندية الفقيرة لن تجد لاعبين تستكمل بهم قائمة الفريق فى مباراة واحدة، فالغنى سيزداد قوة أما الفقير فسيموت، وقد تندثر اللعبة فى الأندية الشعبية مثل الإسماعيلى والمصرى والاتحاد السكندرى. وهنا سيرد بعض أنصار التجارة فى البشر بالقول إن هذا النظام لا يتعارض ولائحة الاتحاد الدولى. والرد هو أن الفيفا أعطت للاتحادات الوطنية الحق فى وضع لوائحها بما يتوافق مع ظروفها، ناهيك بأن الدول الأوروبية الراقية لم تصل مؤسساتها الرأسمالية إلى هذا الانحطاط فى التعامل مع البشر، فالأندية لا تتاجر فى اللاعبين بقدر ما تختار المميزين والواعدين لدعم صفوفها فى المستقبل، كما أن قاعدة اللاعبين فى هذه الدول كبيرة جدا، على عكس مصر حيث القاعدة ضيقة ومحدودة والإمكانيات ضعيفة ومعدومة ولا يوجد أى ضوابط أخلاقية أو رقابية يمكن أن تحكم مثل هذا النظام الفاسد. وأذكر هنا موقف اللواء حرب الدهشورى من هذا النظام، فعندما كان رئيسا لاتحاد الكرة مارس الأهلى ضغوطه الرسمية والإعلامية واستمال بعض أعضاء مجلسه كى يمرر هذه اللائحة الاحتكارية، إلا أن الرجل كان له موقف صارم وقاطع ووقف ضد تيار جارف قادته هذه المؤسسة وتمسك بتحديد قائمة الفريق بخمسة وعشرين لاعبا، وبالمناسبة هذا هو الرقم الأكثر مناسبة والأفضل، فبعد دراسة إحصائية أجريت على أغلب فرق الدورى المصرى خرجت النتيجة أن أى فريق لا يزيد عدد مشاركات اللاعبين المقيدين فى قائمته على 22 لاعبا طوال الموسم، وكشفت أيضا الإحصائية عن أن عددا كبيرا من اللاعبين فى الأندية الكبيرة خصوصا الأهلى والزمالك يدخلون ويخرجون من القائمة ولا يشاركون مع فريقهم إلا دقائق معدودة. والواقعة تكشف الفارق بين اتحاد يحترم البشر واتحاد يتاجر فى دم البشر.