فى بداية عملى التطوعى مع المرضى -أى قبل سنوات طويلة- انتبهت إلى آية فى سورة «آل عمران» تقول «لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم». تأملتها كثيرا وحاولت أن أثبتها فى وجدانى حتى تصبح محركة لردود أفعالى التلقائية دون أن أذكر نفسى أو يذكرنى أحد بها، فالفعل الذى يعاقب عليه الله بالعذاب الأليم فعل بسيط جدا يمكن أن نقع فيه جميعا يوميا. بالنسبة لى يمكن أن أقع فى هذا الفخ مرات عديده فى اليوم. أن أحمد وأشكر وأكرم على أشياء لم أفعلها، وأحيانا لا تعطى لى الفرصة لأشرح أننى لم أفعلها، لكن على الأقل أستطيع دائما أن لا أحب ذلك على الأقل لأنجو من العذاب. أهل المرضى الذين فرض علىّ التعامل معهم يحتاجون نفسيا إلى شخص يعرفونه ليحمّلوه ذنب ما يحدث لمريضهم ويخرجون طاقتهم السلبية فى الهجوم عليه حتى فى عدم وجوده، وغالبا يكون هذا الشخص هو الطبيب أو أحد الأطباء، ويحتاجون أيضا نفسيا إلى شخص يعرفونه ليفعلون معه العكس ليحدثوا التوازن النفسى، يحكون عن كرمه وطيبته وضميره وأحيانا عبقريته ويحمدون الله لأنه أوقف فى طريقهم ابن الحلال والذى أحيانا ما يكون طبيبا، لكن ما إن أدخل أنا فى القصة حتى أتحول عند الكثيرين إلى هذا الابن حلال (ما عدا قصص قليلة تورطت تماما فى دور الظالم وتلقيت الغضب، وفى الحالتين لا علاقة لهذا بالقيمة الحقيقية لما أفعل). بعيدا عن أهل المرضى يحتاج الكثير من الناس -وأنا منهم- إلى شخصية يلبسونها ثوب الخير ويطمئنون بوجودها بينهم. لاحظت من تعليقات القراء والأصدقاء والزملاء على مقالاتى الأخيرة أننى على وشك أن أصبح هذه الشخصية لديهم، فقد اعتقد البعض أننى أعرف جميع المصابين وأهالى الشهداء وأننى أرعى الكثير منهم، وهذا ليس حقيقيا، فأنا تعرفت على عدد قليل جدا من المصابين وعدد أقل من أهالى الشهداء وقدمت المساعدة لواحد أو اثنين منهم، فى حين أنه توجد سيدات وبنات يقدمن المساعدات الحقيقية لمئات المصابين وأسر الشهداء، دون أن يعرفهم أحد، كتبت أنا عن اثنتين منهن وأنوى أن أكتب عن أخريات، لكن لا يمكن أن أتمكن من حصرهن لأنهن بالفعل مختفيات. كتبت عن المصابين والشهداء لأننى لم أجد شيئا آخر يسيطر على تفكيرى، وهذا طبيعى ولو وجد أى منكم نفسه فى علاقه مباشرة بهم بالتأكيد لن يستطيع أن يفكر فى شىء آخر. وهذا ينقلنى إلى التعليق على التعليق الثانى فى الترتيب بعد الشكر والمدح، وهو الشكوى من الحزن والإحباط، بل واليأس الذى قد تحدثه كلماتى فى نفوس القراء. حقا أنا أكتب حزنا لأننى بالفعل حزينة، وليس لدى أى مانع من أن تحزنوا معى ما دمتم اخترتم القراءة. الحزن فى هذه الأيام شىء إنسانى جدا، أما أن تحبطوا أو تيأسوا فهذا شأنكم، أنا لا أكتب يأسا، لأننى بالفعل لست كذلك. (ويأسك وصبرك بين أيديك وأنت حر). الطف تعليق جاءنى من قارئ يقول «أنا ملاحظ أن حضرتك كل ما تزورى مصاب يصبح شهيد فربنا يستر ويشفى المصاب الجديد مصطفى، وحاولى تخفّى من زيارة المصابين الفترة ديه». بس على فكرة ده مش حقيقى خالص مصطفى الحمد لله كويس، وعندى واحد خرج من المستشفى بالسلامة اسمه شريف هلال واتصل بى يوم الجمعة وقالى خلى بالك من نفسك لو كنتى هتنزلى التحرير.