جاءتني دعوة من «طوني نبيه» مخرج فيلم بنت من دار السلام، بطولة الفنانة رندا البحيري، ولكني لم أعتاد قبول مثل هذه الدعوات، لانشغالي الدائم وكل علاقتي بالسينما تقتصر علي الذهاب مع زوجتي وأبنائي لمشاهدة «فيلمًا كوميديًا» أفرج به عن أهل بيتي وأعوضهم عن معاناة إنشغالي بأعمالي عنهم. ولكني توقفت للحظات مع نفسي، فيلم «بنت من دار السلام» وبطلته رندا البحيري ومخرجه «طوني نبيه» الذي يفتخر إنه تلميذ «خالد يوسف».. قولت لا بقى ألحق أتفرج عليه قبل ما يلقي مصير «حلاوة روح». فور وصولي للسينما قاعة فاخرة مكيفة، ولكن كانت المفاجأة حضور بعض الشخصيات العامة والوزراء السابقين وزوجاتهم لمشاهدة الفيلم.. قولت أكيد مجاملة لأحد المشاركين في الفيلم. بداية يجب أن نتفق إنني ليس بناقد سينمائي ولا أتكلم علي البناء الدرامي والسلوك «اللي مش عارف آيه».. أنا هنقل إحساسي ورؤيتي للفيلم بعين المواطن العادي. أستوقفني أولًا وضع لافتة «للكبار فقط»، وهنا قولت حلو قوي يبقي الفيلم من البداية «سخن»، وسنشاهد العديد من المشاهد الساخنة، ولاسيما قيام إدارة السينما بإخراج جميع الأطفال تحت سن 16 عامًا. وانطفئت الأنوار، وبدء تتر البداية بصورة من منطقة دار السلام بمحافظة القاهرة، حي من أحياء القاهرة الشعبية والتكدس السكني والبناء العشوائي.. جاء التعليق مبهرا بإلقاء الضوء علي معاناة من يعيشون في مثل هذه المناطق بإلقاء سؤال «ماذا لو حدث حريق بأحد هذه المساكن؟».. وجاءت الإجابة «سيذوب لحمنا مع لحم البيوت في الحريق». وهنا أتوجه بالسؤال هل هذه المناطق مصطنعة أو اختلقها مخرج الفيلم ؟.. أليس هذا الواقع الأليم الذي يتعايش معه مجتمع كامل يحلم أن يعيش حياه نظيفة آدمية ؟ .. هل تريد الدولة أن نغض البصر عن معاناتهم ؟ .. أليس من دور الإعلام الهادف إلقاء إلقاء الضوء علي سلبيات المجتمع حتي يتسني للمسئولين معالجتها ؟ ولكن وعلي مدار ساعة وأربعون دقيقة كاملة مدة عرض الفيلم «بنت من دار السلام»، لم أشاهد قبلة واحدة أو مشهد ساخن، ولكني خرجت من الفيلم بعدة «ملاحظات» أهمها ما يلي: معاناه أهالي المناطق العشوائية وكيف تستغلها الدراما والسينما المصرية كمادة دسمة لبناء فيلم سينمائي، وكيفية إستغلال الظروف الإنسانية السيئة لصناعة فيلم لتوصيل رسالة ما لمن يهمه أمر هؤلاء، وهذا ليس بجديد لأنها مسئولية الدولة التي توفر هذه المواد لصناع السينما وتجلس في الصفوف الأولي بدور عرض السينمات لمشاهدتها دون معالجتها، وينتهي الأمر بمهاجمة الفيلم والقائمين عليه، وتوجيه الإساءة للمجتمع.. عذرا لقد ضغط علي الجرح ؟ لم يسئ الفيلم لأهالي دار السلام لأنها نموذج للمناطق الشعبية الكثيرة المنتشرة في مصر مثل الدويقة ومنشية ناصر والمعصرة وطره البلد، ولكن كيف عالج مخرج ومؤلف الفيلم حياة الأسرة في هذه المناطق وكيفية مواجهتهم للظروف المعيشية الصعبة التي لا يتحملها بشر، وبالرغم من ذلك نري تمسكهم بقيمهم وأخلاقهم المصرية بشدة في الوقت الذي يفتقد هذه الأخلاق القليل من المناطق التي يطلق عليها راقية. كيف تعاملت أسرة بطلة الفيلم في الموافقة علي زواجها من شخص يكبر عنها بما لا يقل عن عشرين عاما وأكثر لسترتها وضمان حياة كريمة لها وللأسرة، وكيف ضحت «بنت دار السلام» بأحلامها، كأحلام أي فتاة في سنها تتمنى أن تتزوج من شاب تبدأ معه حياة كريمة.. ولكنها «الظروف» كالعادة، وهي ليست بجديدة ولكن الجديد في الفيلم حفاظ بنت دار السلام علي زوجها وصيانته وتحمل فارق السن الكبير وإحسان وعطف زوجها عليها والإستجابة لمعظم طلبتها. النقطة الفاصلة في الفيلم والمحورية وأهم رسالة اعتقد هي «العمود الفقري» للفيلم وهي رواية بطلة الفيلم لأبنه عمها وصديقة عمرها خوفها من زوجها ومطالبته لها في أوقات كثيرة مطالب غريبة أن تعامله بعنف نتيجة مرضه النفسي الذي لم تعلم به قبل الزواج، والمقصود هنا ليس العنف أثناء مباشرة العلاقة الزوجية، ولكن تعنيفه ومعاقبته في التعامل، كما تعاقب الأم ابنها، واستغلت صديقتها ذلك وملأت رغبة الزوج المريض وخانت صديقة عمرها من أجل المال.. وهنا تحول البيت الهادئ لجحيم، وعزف الزوج عن بطلة الفيلم رغم محاولتها معرفة أسباب ذلك، لكنها لم تعلم أن الضربة جاءت من أعز أصدقائها. الملحوظة الأخيرة هي حال «الرجل المصري الشرقي» الذي يريد أن تفعل زوجته كل ما يعجبه في الآخرين دون إخطارها بهن طبعا لأنه لو أخطرها هيكون وقعه أبوه «....». وهنا جاءت المعالجة الدرامية من الفيلم بعبارة من أحد أبطال الفيلم «لو كل راجل يقول لمراته اللي هو عايزة علي طول ماكنش أتخربت بيوت كتير». وأخيرا رسالة للحاكم القادم رئيس مصر سيدي الرئيس لقد أصدر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أخر إحصائية عن عدد سكان مصر، والتى تقول إن 65% من سكان مصر تحت سن 40 سنة، وأن 60% من العاطلين فى مصر تحت سن 35 عامًا، وأن 35% من العاطلين من حاملى المؤهلات العليا.. فيجب أن نجد حلولا حتي لا نعتب علي الدراما في طرح مشاكلهم. كل التحية والتقدير لمخرج الفيلم طوني نبيه وأبطال الفيلم، وأدعو أن يلقي هذا الفيلم النجاح الذي يليق به.