ارتكب المجلس الأعلى السابق للقوات المسلحة بقيادة المشير طنطاوى جريمة فى حق البلاد عندما وضع يده فى يد جماعة الإخوان والتيار السلفى وسلّمهم مهمة تعديل دستور 1971، فمنح رئاسة اللجنة للمستشار طاق البشرى وفى عضويتها صبحى صالح. كانت مهمة اللجنة فتح الطريق أمام شرعنة تأسيس الأحزاب على أساس دينى، وهو ما تحقق لهم بالفعل فظهرت أحزاب دينية منها «الحرية والعدالة» لجماعة الإخوان وحزب النور للجبهة السلفية وغيرهما من الأحزاب التى نشأت على أساس دينى. وتواطأ المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع تيار الإسلام السياسى مرة ثانية من خلال ترك أحزاب التيار تقوم بتديين المجال العام فى البلاد وتستخدم المساجد فى الحشد للانتخابات، وترتكب عشرات المخالفات خلال العملية الانتخابية دون محاسبة. كانت النتيجة المنطقية لكل ذلك فوز تيار الإسلام السياسى بنحو ثلاثة أرباع مقاعد البرلمان الجديد، وهيمنوا على البرلمان بمجلسيه وسيطروا على كل لجانه وبدؤوا فى تدشين بنية قانونية لدولة دينية. وقد اكتملت حلقات الجريمة بتواطؤ المجلس الأعلى للقوات المسلحة مرة ثالثة مع تيار الإسلام السياسى عندما سمح بترشح محمد مرسى الذى كان هاربا من السجن، ولم يحقق المجلس فى المخالفات التى ارتُكبت فى جولة الإعادة سواء بالتحقيق فى بطاقات «المطابع الأميرية» أو منع قرى قبطية بالكامل فى صعيد مصر من التصويت بقوة السلاح. عمومًا هيمن تيار الإسلام السياسى على مجلسى الشعب والشورى، وحصد مقعد رئيس الجمهورية، وبدأ فى تنفيذ مخططه للهيمنة على المنطقة بالكامل. ثار الشعب المصرى دفاعا عن هويته الوطنية، وخرج فى ثورة عارمة وتمكن بمساندة القوات المسلحة من استرداد ثورته وبدأ مرحلة انتقالية جديدة على نحو منظم ومنضبط. وتشكلت جمعية تأسيسية جديدة لتعديل دستور البلاد، أو لكتابة دستور جديد، ضمَّت كل ألوان الطيف فى المجتمع المصرى بما فيها التيار السلفى، وانتهى الأمر بالعودة إلى الوضع الذى كان قائما قبل تعديلات مارس 2011 بخصوص إنشاء الأحزاب السياسية حيث تم شطب الفقرة التى تسمح بقيام الأحزاب على أساس دينى، وتم إقرار الدستور الجديد للبلاد. وبقى الوضع على ما هو عليه من الناحية الواقعية: دستور يمنع تأسيس الأحزاب على أساس دينى، وأحزاب دينية موجودة فى الواقع المصرى. هذا الوضع ينطوى على مخالفة صريحة للدستور، والأحزاب الدينية القائمة تتحايل على النص الدستورى تارةً عبر الحديث عن أنها ليست أحزابا دينية، وتارة أخرى عبر سياسة المواءمة التى تتبعها هذه الأحزاب وعلى رأسها حزب النور، الذى حرص على أن يكون موجودا فى مشهد الثالث من يوليو، ويمثل جزءا من خارطة المستقبل، يشارك فى الجمعية التأسيسية لكتابة دستور البلاد الجديد، ويقبل بتمرير مادة تمنع قيام الأحزاب على أساس دينى، تجتمع هيئته العليا وتقرر تأييد المشير عبد الفتاح السيسى فى الانتخابات الرئاسية. نعلم أن هناك ضرورات عملية فرضت استمرار حزب النور وعدم تطبيق نصوص الدستور الجديد عليه وعلى غيره من الأحزاب الدينية، وهو أمر لا بد من وضع حد له، فإما يجرى حل وإعادة تشكيل هذه الأحزاب على نحو يتوافق والدستور الجديد، وإما تكيِّف هذه الأحزاب نفسها مع الدستور الجديد عبر إعادة صياغة ميثاقها الأساسى وبرنامج عملها لتكون أحزابا مدنية تفصل العمل الدينى/ الدعوى عن العمل السياسى.