أفرجت أمريكا عن عشرات الطائرات «آباتشى» لم تسلِّمها لمصر بعد ثورة 30 يونيو، وأعلنت الإدارة هناك أنها ستطلب من الكونجرس الإفراج عن جزء من المساعدات التى كانت قد أوقفت صرفها بعد الثورة. بوادر قد تكون إيجابية على تطور الموقف الأمريكى فى طريق أقل عداءً لمصر الثورة، لكنه لا تخفى حقيقة أن الموقف الأمريكى ما زال حتى الآن فى الوضع الخاطئ الذى لم يعترف بالثورة، ولم يقف مع حق شعب مصر فى تقرير مصيره بنفسه وبعيدًا عن أى ضغوط أو تهديدات. ما تفعله واشنطن الآن هو محاولة الخروج من موقف قادتها إليه سياساتها الخاطئة تجاه مصر، حتى وجدت نفسها فى صف واحد مع تحالف الإرهاب، الذى يضم «الإخوان» و«القاعدة» وغيرهما من المنظمات الإجرامية، واللذين أعلنا الحرب على شعب مصر وجيشها، بينما كانت الإدارة الأمريكية تحاصر ثورة مصر وتعلن وقف تزويدها بالسلاح، وتطلب الإفراج عن الإرهابيين الذين يرتبكون أحط الجرائم ضد الإنسانية، وتعتبر مشاركتهم فى حكم مصر (أو استئثارهم بالحكم كما حدث مع الإخوان) هدفًا للسياسة الأمريكية! كان الموقف الأمريكى من ثورة شعب مصر -وما زال- موقفًا شائنًا ومشينًا. ومع ذلك فقد كان يقيننا منذ اللحظة الأولى أن القرار سيظل فى يد شعب مصر وحده، وأنه هو القادر على تغيير المعادلة وفرض الإرادة الحرة لمصر الثورة على العالم كله.. بالسير فى الطريق الصحيح الذى يقاتِل فيه الإرهاب حتى يتم اجتثاثه، فى نفس الوقت الذى يمضى فيه فى إرساء قواعد النظام الجديد عبر إقرار الدستور والانتخابات الرئاسية والبرلمانية وفقًا لخريطة المستقبل التى حددتها مصر لنفسها.. وبنفسها. لعبة توزيع الأدوار التى لجأت إليها الإدارة الأمريكية (ما بين الخارجية والدفاع والبيت الأبيض وغيرها) لم تفلح فى إخفاء الموقف الأساسى لواشنطن من ثورة مصر، ولم تنجح فى التعامل مع الأزمة التى دخلت فيها السياسة الأمريكية فى المنطقة حين دعمت وصول «الإخوان» إلى حكم مصر، واعتمدتهم حليفًا أساسيًّا فى تنفيذ مخططاتها لإعادة رسم خريطة المنطقة على هوى أمريكا ولمصلحتها هى وحلفائها!! بعد ثورة يونيو وسقوط حكم الإخوان الفاشى، أصرت واشنطن على السير فى الطريق الخطأ، وبدلا من الاعتراف بسقوط رهانها الخاطئ على «الإخوان»، استمرت فى دعمهم وهم يمارسون الإرهاب ضد الدولة، ويحاولون معاقبة الشعب لأنه أسقط حكمهم الفاشى!! وفى الوقت الذى حاولت فيه واشنطن محاصرة مصر، وجدت نفسها هى المحاصرة بعواصف الكراهية من شعوب المنطقة، ووجدت نفسها تفقد أقرب الحلفاء لها، بعد اكتشاف دول الخليج العربى ل«المؤامرة» على مصر، والرهان الأمريكى الجديد على تقاسم النفوذ مع القوى الإقليمية غير العربية.. من إيران إلى تركيا إلى إسرائيل!! وفى الوقت الذى تصورت فيه واشنطن أن تحالف «الإخوان» مع «القاعدة» وتفرعاتها من المنظمات الإرهابية سينجح فى استنزاف جيش مصر، كان الرد هو الضرب بشدة وبحسم لإنهاء المعركة واستئصال الإرهاب. وبينما تصورت واشنطن أن وقف التسليح بمعدات ضرورية للحرب ضد الإرهاب مثل «الآباتشى » سيحد من قوة ضربات الجيش المصرى، كان الانفتاح على موسكو ضربة قاصمة لهذه السياسة، وكان إعلان موسكو -منذ اللحظة الأولى- عن وقوفها إلى جانب مصر واستعدادها لمدها بما تحتاجه من سلاح متقدم، صفعة أيقظت واشنطن وأعادت إليها ذكريات أخطاء مماثلة ارتكبتها تجاه ثورة يوليو قبل ستين عاما، ودفعت ثمنها غاليًا حين واجهت هى وحليفتها الأساسية إسرائيل جيش مصر فى حرب أكتوبر التى تحقق فيها النصر العربى بسلاح روسى!!. الآن.. تحاول واشنطن الهروب من عار أنها وقفت مع إرهاب «الإخوان» و«القاعدة» وغيرهما من المنظمات الإجرامية ضد شعب مصر وضد الشعوب كلها، تقول إنها ستفرج عن طائرات «الآباتشى » وعن بعض المعونة للمساهمة فى الحرب ضد الإرهاب الذى دعمته حين دعمت «الإخوان» ووقفت ضد شعب مصر وجيشها!! لا بأس بذلك كله، ولكن على الإدارة الأمريكية أن تدرك أن الأمر تجاوز ذلك بكثير!! لم يعد ممكنًا إقناع أحد بالجمع بين الكلام عن الحرب ضد الإرهاب، والدعم المباشر وغير المباشر للإخوان وحلفائهم من جماعات الإرهاب!! ولم يعد ممكنًا أن تترافق خطوات التراجع عن تسليم الطائرات مثلا، مع الاستمرار فى تحريض الدول الإفريقية والأوروبية.. وحتى العربية ضد مصر!! ولم يعد ممكنًا إقناع طفل صغير بأن ما يفعله الحكام الصغار فى دول مثل قطروتركيا ضد مصر يزيد على لعبة «عجين الفلاحة» حيث تنتظر فيها النسانيس الصغيرة الأوامر الصادرة من السيد الأمريكى الذى يفرج الآن عن «الآباتشى » ولكنه يعرف أن الرجوع للحق يقتضى ما هو أكثر من «الآباتشى » بكثير