كانت إحدى صدمات الجريمة الإرهابية فى جوار كلية الهندسة جامعة القاهرة أن كاميرات المراقبة أعلى المبانى اكتفت فقط بتسجيل زرع القنابل فى حينه ولكنها لم تنقله على الهواء مباشرة إلى غرفة متابعة مركزية يمكنها أن تساعد على وأد الجريمة فى مهدها! وكأن صاحب القرار ليس معنياً إلا بتوفير الأدلة لجهات التحقيق وللمحكمة فى حالة إذا ما تمكنت أجهزة الأمن من اقتفاء أثر المجرمين بعد هروبهم وإلقاء القبض عليهم! وكأنه ليس هنالك طموح إلى منع الجريمة من المنبع وإلى إلقاء القبض على المجرمين متلبسين فى مسرح الجريمة قبل أن يفلتوا بفعلتهم ويصبح القاء القبض عليهم مسألة إحتمالية تحتاج إلى جهد عظيم فى التخطيط والتحرى والرصد..إلخ! ينبغى بداية إنصاف رجال الشرطة الميدانيين الذين يعملون فى ظروف صعبة بإمكانيات محدودة فى مواجهة عدو مسعور يخوض معركة حياة أو موت لديه تمويلات بالمليارات ومدعوم من قوى عالمية من المؤكد أن مواقفها تشكل ضغطاً إضافياً على هؤلاء الرجال، وهم مكبلون فوق كل هذا بضغوط مِمَن يجحدون حقهم فى الحياة الذى ينتهكه الإرهاب يومياً، ويدينون كل تصرفاتهم فى التصدى للإرهابيين حتى ما كان منها يراعى القانون والقواعد، بل ويصدرون بياناً تلو بيان فى الدفاع عن حقوق الإنسان الخاصة بالإرهابيين!! وينبغى الاعتراف لهذا الجيل من رجال الشرطة، خاصة الشباب منهم، أنهم قد ورثوا تركة مثقلة كانت وراء إفساد العلاقة بين الشرطة والشعب، كان المتسبب فيها قيادات الشرطة عبر عقود فى دفاعهم المستميت عن نظم حكم استبدادية فاسدة، وكانوا يصدرون الأوامر إلى أجهزة الأمن باستهداف المعارضين السلميين وكأنهم من أعداء الوطن، وقد ساهم أيضًا فى تطليخ الصورة الموروثة جرائم بعض رجال الشرطة فى تعذيب المواطنين وانتهاك كرامتهم! ولكن، ليس من العدل أن يجرى تعميم الإدانة على هذا الجيل من أبناء الشرطة الذين يواجهون الموت غيلة كل يوم بصدور مفتوحة، بسبب أنهم يتولون عملياً الدفاع عن اختيار الشعب فى الإطاحة بحكم الإخوان وحلفائهم، وينبغى أن يدخل فى الإدراك العام أن القيام بهذا الدور يحتاج أن تُعتمَد له بنود مالية كبيرة من الميزانية العامة، لجلب الأجهزة المتطورة ولتعيين الكفاءات، فى كل التخصصات الأمنية والقانونية وفى كل المجالات ذات الصلة، وتدريبها على أعلى مستوى ومتابعة تطوير المهارات لمواكبة كل جديد، خاصة أن إمكانيات الإرهابيين ضخمة كما أنها تزداد ضخامة كلما أدركوا أن خسارتهم محققة! وعلى ذكر الكاميرات، فالمفتَرَض أنها فى نظم الأمن المتطورة مجرد حلقة واحدة تُشكِّل مع مجموعة حلقات أخرى منظومة أمنية متكاملة تتصل جميعها ببعضها البعض بأحدث أجهزة الاتصالات وتعمل بإيقاع متزامن. وهذا مَثَل واحد يبين الفوائد الجمة لهذه الكاميرات إذا كانت تعمل فى هذا الإطار، ففى أحد شرائط الفيديو المرفوعة على اليوتيوب تسجيل لحادثة فى إحدى المدن الإنجليزية، حيث يظهر بعض المراهقين يلهون فى الشارع بعد منتصف الليل، ولسبب ما غير مفهوم قرروا أن تكون لعبتهم أن يقلبوا صناديق القمامة وأن يلقوا بمحتوياتها على الرصيف وفى عرض الطريق! كل هذا وهم يتضاحكون! ولكنهم فوجئوا بعد دقيقة واحدة بسيارتى شرطة أحكمتا الحصار عليهم من الاتجاهين، ونزل رجال الشرطة وقد بدا عليهم أنهم يعرفون ما كان يحدث، وأجبروا المراهقين على جمع القمامة بأيديهم وإعادتها إلى الصناديق كما كانت، ويبدو فى الفيديو أنهم اكتفوا بالتوبيخ الذى وجهوه إلى العابثين بعد أن امتثلوا لإصلاح الخطأ!! لأن الشرطة غادرت بعد هذا وتركتهم وهم لا يزالون تحت تأثير الخوف من ترحيلهم إلى قسم الشرطة. معنى هذا أن الكاميرات نقلت الواقعة على الهواء مباشرة إلى غرفة مركزية، التى أجاد خبراؤها قراءة الحدث، فأخطروا بدورهم أقرب دورية متحركة فى الجوار وحددوا لها المكان بالضبط مع شرح وافٍ للموضوع، فتوجهت الدورية إلى مسرح الحدث فى دقيقة واحدة وقامت بمهمتها على أكمل وجه. واضح أن قيادة جهاز الشرطة عندهم على درجة من الإدراك والانتباه للمسؤولية المهنية والحضارية الملقاة على كاهلهم، التى من أهم بنودها أن يصل للجميع أن الدولة حاضرة فى كل مكان وأنها على أتم استعداد للتصدى لأى خطأ وبأسرع مما يتخيل من ينتهك القواعد، ثم إن من صلاحيات رجل الشرطة إبداء المرونة وعدم التصعيد بإجراءات عقابية شديدة فى الأخطاء التى من الممكن تداركها بأيدى المخطئين إذا أذعنوا وصوّبوا أخطاءهم. أما إذا كان الفعل أكبر من هذا، وأما إذا حدثت مقاومة، فهناك وجه آخر لرجال الشرطة المدربين أيضًا على التصدى للعنف بل وتكبيل المتهم وشل حركته بأسرع الطرق، ثم ترحيله إلى قسم الشرطة والتحقيق معه، وقد يجرى عرضه على النيابة الليلية والقضاء السهران. لقد اتخذ الشعب المصرى قراره بالإطاحة بحكم الإخوان، ومن الظلم أن يُترَك رجالُ الشرطة فريسة مكشوفة وهم يحمون هذا القرار!