رسالة الكويت- كارم محمود وسط أجواء متأزمة لم تُفلح المصافحات البروتوكولية فى تخفيفها، افتتح أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمس، الدورة العادية الخامسة والعشرين للقمة العربية، التى تستضيفها بلاده، بحضور 14 رئيسا وقائدا عربيا، يناقشون خلال يومى القمة عددا من الملفات، أبرزها القضية الفلسطينية وتطورات المفاوضات الأخيرة مع الجانب الإسرائيلى برعاية أمريكية، والملف السورى، وتطوير الجامعة العربية، إضافة إلى ملف «الإرهاب» الذى تتعرض له أكثر من دولة عربية، والذى نجحت مصر فى إضافته على أجندة القمة فى اللحظات الأخيرة، بدعم من السعودية والبحرين والإمارات وليبيا وتونس. ورغم الجهود الكويتية الحثيثة فى الخروج بالحد الأدنى من تنقية الأجواء العربية، فشلت تلك الجهود فى الجمع بين ولى العهد السعودى الأمير سلمان بن عبد العزيز، وأمير قطر تميم بن حمد، من جانب، وبين الأخير والرئيس المصرى عدلى منصور من جانب آخر، مما قضى نهائيا على أى تكهنات بمصالحات عربية-عربية، على هامش القمة، خصوصا بعد أن غادر الأمير سلمان بن عبد العزيز الكويت عائدا إلى الرياض، عقب رفع الجلسة الافتتاحية للقمة، رغم أنه كان آخر القادة العرب الذين وصلوا إلى الكويت، حيث هبطت طائرته فى مطار الكويت الدولى قبل دقائق من بدء الجلسة الافتتاحية أمس، وتوجه مباشرة إلى «قصر بيان» الذى عُقدت فيه القمة. واكتفى متابعو القمة العربية فقط بالمصافحات «البروتوكولية» بين أمير قطر مع الرئيس المصرى، وكذلك مصافحة تميم للأمير سلمان، وذلك فى صالون الاستقبال الملحق بقاعة المؤتمرات بقصر بيان، قبل بدء الجلسة الافتتاحية. «المخاطر التى تحيط بنا كبيرة، ولن نستطيع المضى قدما إلا إذا توحدنا، وأنحينا خلافاتنا جانبا». بهذه الكلمات المعبرة بصدق عن الواقع العربى المأزوم، استهل أمير الكويت كلمته الافتتاحية أمام القادة والزعماء ورؤساء الوفود المشاركين فى القمة. ولم يشر الأمير إلى بلد محدد، ولكن كان واضحا أنه يلمح إلى احتدام الجدل بين عدد من الدول العربية، حول دور الإسلاميين، خصوصا جماعة «الإخوان»، فى المشهد السياسى فى المنطقة، وما تعتبره دول خليجية تدخلا فى شؤونها. ودعا صباح الأحمد، الذى تستضيف بلاده القمة العربية للمرة الأولى، منذ انضمام الكويت رسميا للجامعة العربية فى عام 1961، القادة العرب إلى «وقفة صادقة لوضع حد للخلافات»، ومشددا على ضرورة تعزيز العمل العربى المشترك «عبر النأى عن الخلاف والاختلاف، والعمل الجاد على وحدة الصف». ولفت إلى أن «مساحة الاتفاق أكبر من مساحة الاختلاف»، مطالبا القادة العرب بضرورة «استثمار مساحة الاتفاق لرسم فضاء عربى حافل بالأمل والإنجاز، لتحقيق الانطلاقة المنشودة». وتطرق أمير الكويت إلى انتشار ظاهرة الإرهاب، وقال إنها «تتطلب مضاعفة جهود الدول العربية بالتعاون مع المجتمع الدولى، بهدف وأد هذه الظاهرة الخطيرة». وحول الوضع فى سوريا دعا صباح الأحمد مجلس الأمن إلى أن «يُعيد للعالم مصداقيته لحفظ الأمن والسلم الدوليين، وأن يسعى إلى وضع حد للكارثة الإنسانية فى سوريا». وبشأن القضية الفلسطينية، أكد أن السلام العادل والشامل «لن يتحقق إلا من خلال إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس»، مشددا على أن الانتهاكات الإسرائيلية تقف عائقا أمام تحقيق السلام. كما دعا طهران إلى «تبديد قلق دول المنطقة» إزاء برنامجها النووى، ومواصلة تنفيذ التعهدات التى التزمت بها سابقا خلال اجتماعات مجموعة «5+1»، تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وخص أمير الكويت مصر بجانب من كلمته مهنئا الشعب المصرى «على المضىّ قدُمًا فى تنفيذ خطوات خارطة الطريق» متمنيا أن تعود مصر إلى «ممارسة دورها الرائد فى المنطقة». وقبل تسليمه رئاسة القمة إلى أمير الكويت، جدد أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد الدعوة إلى عقد «قمة عربية مصغرة، بهدف التوصل إلى مصالحة بين الفصائل الفلسطينية». وكانت قطر تترأس القمة العربية السابقة، فى دورتها العادية الرابعة والعشرين، التى عقدت فى الدوحة فى مارس من العام الماضى. وتعد هذه المرة الأولى الذى يشارك فيها تميم بن حمد فى القمة العربية، بوصفه أميرا لبلاده، بعد توليه مقاليد الحكم فى يونيو الماضى. وقال تميم، فى كلمته أمام القمة، إن القضية الفلسطينية «لا تزال تشكل أهم التحديات التى تواجه الأمة»، مشددا على أن تنصل إسرائيل من التزاماتها «يبقى عقبة أمام التوصل إلى تسوية سلمية عادلة». ووصف تميم موافقة النظام السورى على الحل السلمى بأنه «تمويه مكشوف، للاستمرار فى إبادة الشعب السورى». وبدا حديث أمير قطر متناقضا بشأن مصر، إذ شدد على «العلاقة الأخوية» بين بلاده ومصر، وقال «نؤكد علاقة الأخوة بمصر الشقيقة الكبرى، التى نتمنى لها الاستقرار السياسى وكل الخير لشعبها، الذى اختار طريقه بإرادته، ونتمنى أن يتحقق ذلك عن طريق الحوار الشامل». إلا أنه قال فى موضع آخر من كلمته «لا يليق أن يتهم كل من لا ينجح فى الحفاظ على الوحدة الوطنية، دولا عربية أخرى بدعم الإرهاب فى بلده»، فى إشارة واضحة إلى الاتهامات المصرية لقطر بدعم جماعة «الإخوان» التى اعتبرتها كل من مصر والسعودية جماعة «إرهابية». ولدى حديث تميم بن حمد عن مصر، ظهرت بوضوح أمَارات التجهم على ملامح ووجه الرئيس عدلى منصور. وعلمت «التحرير» من مصادر بالوفد المصرى، أن الرئيس طلب من مرافقيه تعديل الكلمة، التى كان من المقرر أن يلقيها منصور فى الجلسة المغلقة مساء أمس، للرد على كلمة أمير قطر الاستفزازية، والتى ركز فيها منصور على طلب وضع استراتيجية عربية موحدة لمحاربة الإرهاب ودعم الموقف المصرى فى مواجهة ما تتعرض له من حرب تشنها جماعات إرهابية فى إشارة إلى جماعة الإخوان. من جهته، أكد الأمير سلمان بن عبد العزيز ضرورة «تضافر الجهود لتجاوز الصعوبات التى تمر بها الأمة»، مشددا على أن الممارسات الإسرائيلية «تقوض الجهود المبذولة لتحقيق السلام فى المنطقة». وقال ولى العهد السعودى، فى كلمته بالجلسة الافتتاحية، على أن القضية الفلسطينية «فى صلب اهتمامات المملكة». واتهم الأمير سلمان المجتمع الدولى ب«خداع» المعارضة السورية، وقال إن التحديات فى سوريا تواجهها «مقاومة مشروعة خدعها المجتمع الدولى، وتركها فريسة سائغة لقوى غاشمة حالت دون تحقيق طموحات شعب سوريا». مضيفا أن «النظام السورى نظام جائر يمارس القتل والتنكيل»، مشيرا إلى أن المأزق السورى يتطلب «تغيير موازين القوى على الأرض».