لا نجدها إلا فى المجتمعات البشرية، فلا يوجد أندال فى عالم الحيوان! يصف مجتمعها نفسه بكلمات واضحة «متدين، أخلاقى، محافظ». لا يفتأ يتحدث عن الدين وقواعده، ولا تلمح به شيئا يفوق ممارسة الطقوس الدينية جهارا ليل نهار. الأخلاق والشرف حوار أهله، أما سلوكهم فحدث ولا حرج. أُنثى ذلك المجتمع هى غالبا الضحية الأولى لتناقضاته، قد تتواءم بعضهُن، وتعافر أُخريات، لكن معظمهن مقهورات. تُنشأ منذ نعومة أظافرها على الخضوع للذكر وإرادته، وتتضاءل قدرتها على الاختيار. ورغم فخر تلك المجتمعات بعقيدتها التى جاءت لتكريم المرأة وحمايتها من جاهلية وأد البنات «دفن الأنثى حية تحت التراب»، فإن سلوكياتها اليومية لا تعبر إلا عن وأدهِن أحياء فوق التراب! تكفهر الوجوه وتسوَد إذا بُشر أحدهم بالأُنثى. وحظ أنثى مجتمعات المساواة كأسنان المشط لا يُذكر، فالذكر أولى فى «التعليم، الرعاية، العمل، الترقى..». تخضع للختان «لكى يضمن ذكر المستقبل التفوق»! ولا تختار متى تتزوج ولا من؟ تُحاسب الضِّعف على أخطائها، تخدم الذكور من حولها، وتخضع لإرادتهم: أب أو أخ أو عم.. وحتى تُسلم لذكر آخر يُمارس صنوف قهر إضافية لإثبات ذاته. أما إذا انتمت الأنثى للأقلية «تتعلم وتعمل وتنجح» فالخطأ الأكبر الذى تقع فيه، هو تعبيرها عن إرادتها ورغباتها، وممارسة حقوقها، فيصبح هدف الجميع كسر عينها! جمالها، مالها، علمها، عملها، عائلتها، ذكائها، ثقافتها، أى شىء يمنحها ثقة بالنفس يتحول عمليا إلى نقطة ضعف! فهو تحدى واستفزاز لأى ذكر يقربها، ليصبح هدفه هز ثقتها. لا يطلب المجتمع من إناثه إلا إرضاء ذكوره، يقنعها كل من حولها أن الإنجاز الأسمى فى حياتها هو الفوز بأحدهم، فإذا اقتنعت الأنثى، وتصرفت على هذا الأساس، راحوا ينعتونها بأحط الألفاظ! أما ذكر هذا المجتمع، فينال مكانة لا يحتاج إلى بذل أى جهد لإثبات استحقاقها، تُسخَّر له الأنثى، على مدار حياته، ويتيح له المجتمع فرصة الهروب بأخطائه تجاهها «زعيق، سباب، ضرب، حتى التحرش والاغتصاب..» خطؤه مباح، أما خطؤها فهو مصيبة لا تغتفر. ورغم أن الذكورة ليست إلا أحد أطوار النمو التى تسبق الرجولة، التى تحدثنا أدبيات تلك المجتمعات بإسهاب عنها، وتفاخر بها الأمم «الرجل رمز الثقة بالنفس والمسؤولية، والأمان، إذا قال صدق وإذا وعد أوفى»! إلا أن واقع الحال يعكس شيئا ملفتا، ألا وهو دخول أفراد تلك المجتمعات طور الذكورة وعدم الخروج منها! ويفسر البعض ذلك بافتقاد ذكورهم كثيرا من مقومات الحياة وسُبلها، يعيش بلا هدف، فيركز ذهنه فى ما منحته الطبيعة والمجتمع بلا مقابل. «ذكورة» يتباهى بها، ويختزل نفسه بها، وبمرور الوقت، ينسب لعالم الرجال اسما. تلك هى الصدمة الكبرى لأُنثى ترغب فى أن تتحول إلى امرأة بجانب رجلها! انتظرت كثيرا وحلُمَت، اعتقدت أن رجلها هو عوضها بعد طول معاناة، فلم تفز إلا بذكر لا يثق حتى بفحولته التى تؤرقه ليل نهار! ولا تتحرك تلك المجتمعات أو تنتفض عادة إلا لحدثين، انتقاد الدين ورموزه، وخطيئة الأُنثى؟! لكن أى عاقل لا يستطيع إغفال عدم وجود إساءة للدين أكبر من إساءتهم إليه؟ مجتمع يحيا ويتغذى على النفاق والكذب والخيانة والنهب والبلطجة وأكل الحقوق والرشاوى، ولا يتحدث إلا عن الدين والأخلاق! يراقب ذكورُه إناثه، كفريسة؟ ولا يتردد كثيرا، فلن يحاسبه أحد، بل سيدافعون عنه، وسيلعنونها «رغم أن عقيدتهم لم تفرق بين الزانى والزانية وتنادى بغض البصر وترك الفواحش». فنجد من يبرر بقوله «لبسها هو السبب» وآخر «دا لبس شراشيح..» ولا يجد أحد فى الفاعل والمبرراتى أندالًا! تتلقف تلك المجتمعات «المُحافظة» الفضائح لا سيما ما يخص المشاهير، لا يرون إلا خطيئتها ويغفلون الذكر «كأنها أنجبت بمعجزة»! تُدين عقيدتهم الزانية والزانى، وتقضى بأن الزانية للزانى، لكنه يستطيع عمليا التنصل، بل وادعاء الرجولة «التى تمنعه عن الحديث وفضح المستور»! طيب اللى دفعك لفعلتك وتنصلك نسميه إيه؟ يسهب المجتمع فى الدفاع عنه «وقعته، عاوزة تتجوزه، ما كانت نزلتهُم، دا لو اتكلم هيفضحها، عرفت قبله كتير.. دى زانية و..»! لكن هو إيه؟ عرف كام قبلها؟ زنى كام مرة «فى عقيدتهم لا فرق بين عقاب الزانية والزانى»؟ هل أقنعها بحبه؟ ظهر معها فى أوساط مختلفة؟ هل شاهد الناس حبهما وأقروا بعلاقتهما؟ هل جاهَرا بما بينهما؟ ندل آخر يحدثنا عن الأخلاق والشرف، وخطيئة أُنثاه، ومجتمع يحميه ويحفظ حقه فى الزواج من بنت الأصول! تُرى هل ما يحرك هؤلاء؟ رجولتهم ومسؤوليتها.. أم ذكوريتهم وغرورها؟ ماذا يمكن أن يقول مثل هذا «الدكر» لأطفاله «حين يصبحون ذكورا مثله، أو ربما رجالا عنه»؟ أنا كنت على علاقة بأمكم والناس شاهدة، ومارضتش اتجوزها عشان زانية.. ماعترفتش بيكو عشان انتو ولاد حرام.. ورجولتى منعتنى! يا «راجل» يا...