لا يمكن لأحد بحال من الأحوال أن ينكر علي الثورة كونها علامة فارقة في تاريخ مصر بصفة خاصة والتاريخ العربي و الإقليمي بل العالمي بصفة عامة ، حيث إن اختلافها عن الثورات التي سبقتها في التاريخ المصري واضح وجلي ، فلم يقوم يوماً من الأيام شعب بثورة جماعية بهذا الحجم البشري وبهذا الدور الحضاري لصناعة نموذج فريد يليق بثورات الشعوب المتحضرة والتي كانت لها دور بارز في تشكل الحضارات الإنسانية، لقد كانت هذه الثورة بمثابة فوران الوعي واللاوعي الجمعي لهذا الشعب فنهض الشعب وراء طلائعه من الشباب القادر علي الحركة الواعية بالوضع القائم بفساده والوضع البديل أو المتصور لدور مصر الحضاري الذي فقدته منذ زمن بعيد، ، لقد كانت دوافع الثورة موجودة في الصراع القائم بين النظام الحاكم -والذي جعل من الفساد منظومة متكاملة وقام بشرعنتها قانونياً ودستورياً- ومعارضي هذا النظام والمتطلعين لأفاق نظام بديل يقوم علي الحرية والعدالة الاجتماعية وإعادة دور مصر التاريخي وكرامة المواطن وإعادة القيم لقد أرادة مصر أن تتحدث عن نفسها فحشدت أبنائها في مشهد تاريخي ليقتلعوا الفساد من جذوره ويسحقوا رأس الأفعى التي كانت تعيد إنتاج ذيولها يومياً ،ويقوموا بإعادة كتابة التاريخ فتمثلت مصر في شبابها ورجالها ونسائها وكهولها وقامت بثورتها اعتمادا علي عقلها كمرشد مبدع، ووجدانها كطاقة لا تنضب لقد همست مصر في عقل أبنائها وقلوبهم فوضعوا نصب أعينهم مصلحة الوطن فوق مصالحهم الخاصة وفوق أسمائهم- ليظلوا مجهولين إيمانا منهم بان ما قدموه من فكر وجهد ودم لا يرقى لما قدمه الوطن لهم ،لقد أدركوا إن نجاح الثورة مرهون بكسر الطوق الأمني للنظام الذي كان يعتمد علي فصل الفئة الثائرة (المتظاهرين)عن الجموع خوفاً من عدوى الثورة لقد كانت الدعوة ليوم 25يناير هي أخر الدعوات للمظاهرات بينما كانت دعوة يوم الجمعة 28يناير2011 بمثابة الدعوة الحقيقية للثورة لان العقل المصري -المتمثل في بعض أفراده –امسك بخريطة المعركة ،لقد كانت خطه الثورة في الدعوة الأولي التي انتشرت عبر شبكة الانترنت وتناقلها النشطاء بصيغ مختلفة وهذا نصها (ثورة الغضب الخروج بعد صلاة الجمعة من اقرب مسجد أو كنيسة مع الأهل والجيران والتوجه لأقرب ميدان عام ثم التوجه لميدان التحرير حيث ستتحدد ثلاثة مسارات مجلس الشعب –مبنى الإذاعة والتليفزيون – قصر عابدين وعلي جميع المحافظات تصعيد العصيان المدني في الميادين العامة ) ويتبين من نص الدعوة إنها تركز علي المساجد والكنائس القريبة من الأفراد لتكون أول نقطة تحرك جماعي تبدءا من اقرب دور عبادة لتفعيل عدوى الثورة كما إن التجمع بأقرب ميدان عام ليكون المد الثوري من ميادين كثيرة تصب في نقطة واحدة وهي ميدان التحرير فلا تستطيع قوات الأمن إيقاف هذا الطوفان من البشر كما إن دعوة جميع المحافظات تصعيد العصيان المدني لتشتيت قوه الأمن وعدم التركيز علي العاصمة وعلي هذا يتبين للجميع إن هذه الثورة لم تكن اعتباطية (كما يدعى الكثير من الذين يحاولون تمثيل شباب الثورة)وان لها عقول قامت بخدمة الوطن وستظل تخدمه واضعه الشهداء مثلاً أعلى للتضحية ونكران الذات لقد عبرت مصر عن طاقاتها الكامنة في عقول وقلوب أبطال الثورة ،لقد تكشفت شجاعة المصري أمام الطغيان الأمني بكل ما يملك من اله للقتل والتدمير ليقف بصدره العاري متحدياً إرهاب الدولة معلناً الشهادة في سبيل الوطن لقد تكشفت حقيقة الفرعون الإله بعد سقوط قوات أمنه لنجده مجرد مومياء لا حراك فيها ولا وعي غير إصرار وعناد علي بقاء الأنا علي كرسي العرش مقابل موت الجميع