محمد البوعزيزي شاب تونسي أشعل النيران في نفسه إحتجاجا على تعسف النظام الذي حاربه في لقمة عيشه حيث أنه بعد أن فشل في الحصول على عمل يليق بشهادته الجامعية اضطر للبحث عن الرزق عن طريق بيع الخضروات. ولكن حتى هذا التنازل لم يرض قوات الأمن التونسي التي هاجمته بحجة أنه لم يحصل على ترخيص لمزاولة هذا النشاط, وبعد مشاجرة بين البوعزيزي وإحدى ضابطات الأمن التي لم تتورع أن تصفع الشاب, قام البوعزيزي بإشعال النيران في نفسه ثم لقي مصرعه بعدها بأيام ليتحول من شخص منتحر خاسر لدنياه وآخرته إلى بطل شعبي استشهد من أجل تحرير وطنه فأصبحت مكانته في الجنة الى جوار الأنبياء والصديقين ذلك لأن الشعب التونسي لم يرض أن تمتهن كرامته أكثر من هذا واكتفى بحالة انتحار واحدة ليعبر عن غضبه واستيائه ولا يهدأ حتى يتخلص من نظام مستبد كان هو السبب في تلك المأساة ومنذ ذلك اليوم لم نكف عن سمع أنباء عن حالات انتحار جديدة في مصر وكلها تتم بنفس الطريقة التي اتبعها البوعزيزي, بعضها تم إنقاذه والبعض الآخر أدى إلى الوفاة ولكن تتحد كلها في الأسباب -وان اختلفت التفاصيل- فالسبب المشترك بينها هو صعوبة المعيشة واليأس الشديد الذي يسيطر على المواطنين ويجعلهم يسعون إلى إنهاء حياتهم لماذا أقبل هؤلاء اليائسون على الإنتحار؟ هل ينتظرون أن يرق لهم قلب النظام ويؤرقه الشعور بالذنب تجاههم فيسارع بتلبية مطالبهم راجياً من الله أن يغفر لهم تقصيرهم في حق الشعب؟ بالقطع لم يكن هذا هو المنتظر ... فهؤلاء الشباب أقبلوا على الانتحار من أجل توصيل رسالة ولكنها ليست للنظام وإنما للشعب ... كانوا ينتظرون من ذويهم وأصدقائهم وجيرانهم ومعارفهم ومن كل من سمع بقصة انتحارهم أن يشعروا بالغضب فتأخذهم الحمية ويترجموا غضبهم في صورة ثورة عارمة تطيح بمن سلب حقوقهم وأذل أنوفهم ولكن من المؤسف أن حوادث الانتحار توالت في الأيام الأولى من العام الجاري دون أن تحرك ساكنا لهذا الشعب بل أن البعض يكتفي بانتقاد ما يحدث وبالتذكير بأن من يقوم بالانتحار يخسر دنياه وآخرته ثم يخلي مسئوليته بهذه الفتوى ويمارس حياته الطبيعية هادئاً مطمئناً !!!! رغم أن هذا الشعب ظل معروفا بشهامته والغيرة على كرامته إلا أن ردود أفعاله أصبحت تدعو إلى الحيرة ... فما سر تلك اللامبالاة المبالغ فيها؟ أهو الخوف من بطش النظام؟ أهو الإنشغال بالمشاكل الحياتية التي لاتسمح لأحد بالنظر لأحوال الآخر؟ ومن هو المتسبب في هذا الإنشغال الذي أدى إلى تفكك الشعب إلى هذه الدرجة؟ ومن الذي زرع الخوف في داخل المواطنين بحيث أصبحوا غير قادرين عن التعبير عن احتجاجهم مهما كان الأمر!!!؟؟ أيها الشعب ..! إن هؤلاء الذين يشعلون النيران في أنفسهم يوميا لاينتظرون إلا أيديكم لتطفئها ... فمتى ستصلكم الرسالة؟؟؟