لا يسعنا إلا أن نهنئ الشعب التونسي بانتصاره العظيم الذي سيكتبه التاريخ بأحرف من نور ليس فقط على الصفحات التونسية بل وفي تاريخ جميع الأمم العربية. فالشعوب العربية كلها اليوم تغبط الشعب التونسي على تحرره من استعباد حاكم فاسد ومستبد هذه التجربة التونسية لابد وأن تدرس في الجامعات لأنها بحق تستحق التأمل والتحليل وتحتوي على الكثير من الدروس الموجهة لأكثر من هدف الدرس الأول يخص الشعوب التي تعاني من فساد حكامها واستبدادهم, فعليهم أن يتخذوا الشعب التونسي قدوة حيث أنه توحد بين عشية وضحاها على هدف واحد, ورفع صوته بصيحة رجل واحد, ولم يتنازل عن مطلب واحد من مطالبه ولم ينخدع بوعود زائفة طالما سمعها ولم يراها تحققت ولم يكتفِ بحلول مسكِّنة ومؤقتة من نوعية تعديل وزاري هنا أو هناك أو حتى إقالة حكومة لاستبدالها بأخرى أسوأ منها, تلك الحلول التي من شأنها إخفاء الدخان بينما يظل الحريق متقدا تحت الرماد ... هذا الشعب أدرك أن السمكة فسدت من رأسها فلم يتنازل عن بتر تلك الرأس الفاسدة حتى حصل على ما يرضيه أما الدرس الثاني فهو موجه إلى الحكام الذين يحفل تاريخهم بالفساد والديكتاتورية والاستبداد, حان الوقت أن يعوا أن كبت الحريات وإخراس الأصوات وقصف الأقلام لايمكن أن يكون علاجا للمرض المزمن المستقر في سياساتهم. فكل شعب مكبوت ومقهور لابد أن يأتي عليه يوما وينفجر. حينئذٍ لا يتنازل الشعب عن محاكمة شعبية واسترداد أمواله المنهوبة وربما لمعاقبة الحاكم وأسرته. فها هي السلطات التونسية قد قامت باعتقال صهر الرئيس المخلوع "بن علي" وعدداً من أفاربه بينما كانوا يهمون بمغادرة البلاد جواً. كما أن الرئيس المخلوع حاول اللجوء إلى فرنسا ولكن الرئيس "ساركوزي" رفض استقباله, بل وأمر برصد جميع التحركات المالية في فرنسا لمنع "بن علي" من تهريب أمواله إليها. إذاً فرؤساء دول الغرب الذين يدعمون الحكام العرب ويصمون الآذان عن استبدادهم وقهرهم لشعوبهم, سرعان ما يديرون الظهور لهؤلاء الحكام فور فقدانهم السيطرة على السلطة ومقاليدها... وعلى هذا فلابد لهؤلاء الحكام أن ينتهزوا الفرصة إذا أتيح لهم الخروج الآمن من السلطة قبل أن يأتي عليهم يوما كهذا تُرى هل وصلت الرسالة؟ وهل استطاع الجميع استيعابها؟ أخيرا نتمنى التوفيق للشعب التونسي وأن يعود له الاستقرار والأمن بعد أن يكون قد حقق ما لم يستطع تحقيقه أي شعب عربي آخر