رغم أن التفجير الإرهابي الذي وقع أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية استهدف المصريين جميعا ، إلا أن قلة من المسيحيين قاموا بتنظيم مظاهرات غاضبة قد يستغلها أعداء مصر لإحداث فتنة طائفية بل وقد تخدم أيضا من نفذوا الهجوم الآثم بطريقة غير مباشرة . ففي 2 يناير ، تجمع عشرات المسيحيين أمام مبنى ماسبيرو للإذاعة والتليفزيون وحاولوا اقتحام المبنى ، بل ووصفوا أيضا التفجير الذي وقع أمام كنيسة القديسين بأنه "فتنة طائفية" المقصود بها "اضطهاد" المسيحيين في مصر وهذا هو الخطر بعينه لأنه ليس من صالح أحد في مصر سواء مسلم أو مسيحي أن تقع أية حوادث طائفية ، كما أن كافة المؤشرات ترجح تورط جهات خارجية في أحداث الإسكندرية . وبصفة عامة ، فإن أجهزة الأمن منعت المتظاهرين من دخول مبنى الإذاعة والتليفزيون وواجهت أعمال العنف الصادرة منهم بضبط النفس واحتواء مشاعرهم الغاضبة كما وضعت كردونات مكثفة حول مبنى التليفزيون وأبوابه وخصصت الباب رقم 1 لدخول وخروج العاملين بالمبنى الذين انتابتهم حالة من الحزن والفزع بسبب ما حدث أمام مبنى التليفزيون ، هذا فيما عبرت قيادات الدين المسيحى عن رفضها مثل هذا النهج من التصرفات . ولم يقف الأمر عند ما حدث أمام مبنى ماسبيرو ، بل إن عددا من المسيحيين الغاضبين تجمعوا أيضا في مدخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية أثناء زيارة شيخ الأزهر ووزير الأوقاف ومفتى الجمهورية للبابا شنودة لتقديم واجب العزاء فى ضحايا الحادث الإرهابى . ورغم أن أغلبية المشاركين في المظاهرة نددوا بالإرهابيين الذين ارتكبوا الجريمة البشعة أمام كنيسة القديسين ، إلا أنه تردد أن عددا قليلا منهم حاولوا الاعتداء على شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية ووزير الأوقاف ووجهوا لهم الشتائم . محاولة الاعتداء على شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية وبجانب ما سبق ، تظاهر عدد من المسيحيين أيضا بمنطقة الزرايب بمنشية ناصر في القاهرة احتجاجا علي التفجير الذي وقع أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية وقامت أجهزة الأمن بفرض كردون أمني حول المتظاهرين لحمايتهم من محاولة دخول عناصر مخربة بينهم ، كما تظاهر نحو 800 شخص من المسيحيين بمنطقة إمبابة ، مطالبين بتوفير الحماية لهم من مثل تلك الاعتداءات. وبالإضافة إلى القاهرة ، فقد خرجت مظاهرة أيضا شارك فيها أكثر من 5 آلاف مسيحي بقرية العزية التابعة لمركز أسيوط والتي يقطنها نحو 30 ألف مسيحى وتعد أكبر قرية بها تجمع مسيحي في محافظة أسيوط وبها نحو 5 كنائس للطوائف المسيحية المختلفة . وندد المتظاهرون بما أسموه التعامل السطحى مع رسائل التهديدات التى أرسلت إلى مصر منذ نحو شهرين من قبل تنظيم القاعدة ، وأكدوا أن ما حدث عمل إجرامى ، مطالبين بسرعة القبض على الجناة وتوقيع أقصى العقوبات عليهم والقصاص منهم انتقاما لأرواح الأبرياء. وفي الإسكندرية ، تظاهر عشرات المسيحيين أمام كنيسة القديسين التي شهدت الجريمة البشعة ، مطالبين بالقصاص من الإرهابيين الذين خططوا لتلك العملية . تحركات واعية وبالنظر إلى أن المظاهرات السابقة التي نظمها قلة من المسيحيين الغاضبين تتجاهل حقيقة أن هناك مؤامرة خارجية تستهدف الوحدة الوطنية في مصر ، فقد خرجت مظاهرات مضادة شارك فيها آلاف المسيحيين والمسلمين على حد سواء للتأكيد أن جميع المصريين على قلب واحد في مواجهة قوى الإرهاب التي تستهدف أمن مصر واستقرارها. فقد خرجت مظاهرة من شارع الأقصر بمنطقة إمبابة تعلن تضامن الهلال مع الصليب ، مطالبة في الوقت ذاته بالقضاء علي من يحاول التفرقة والوقيعة بين عنصري الأمة. كما خرجت مظاهرة أمام مبنى وزارة الخارجية المصرية للتنديد بحادث الإسكندرية والتأكيد على الوحدة الوطنية ، وحمل المتظاهرون المصاحف والصلبان ولافتات تشدد على الوحدة الوطنية والتصدي للإرهاب والإرهابيين . ويبدو أن المظاهرات السلمية السابقة والتي شارك فيها مسلمون ومسيحيون هي الرد المناسب على منفذي التفجير أمام كنيسة القديسين ، لأنها تؤكد إدراك المصريين لأبعاد المؤامرة التي تستهدف وحدتهم الوطنية كما أنها بمثابة رد فعل طبيعى وإيجابى من مواطنيين يخافون على وطنهم ويرفضون الإرهاب . وتبقى حقيقة هامة وهي أن مثل تلك الأحداث الإرهابية تطلب الحذر واليقظة ، فأية احتجاجات غاضبة حتى وإن كانت ضد الحكومة قد يستغلها أعداء مصر لإحداث فتنة طائفية عبر اختراق تلك المظاهرات والقيام بأعمال تخريبية . تصريحات البابا شنودة ولعل تصريحات بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية البابا شنودة الثالث تدعم صحة المخاوف السابقة ، فقد أكد أنه سيرأس مساء الخميس الموافق 6 يناير قداس عيد الميلاد المجيد ، قائلا :" إن الأمور ستسير بشكل طبيعي ". وفي تصريح له على هامش لقائه بشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ومفتى الجمهورية الدكتور على جمعة ووزير الأوقاف الدكتور محمود حمدى زقزوق ، أضاف البابا شنودة " منع الاحتفالات وصلاة عيد الميلاد لن يحل المشكلات وسيسبب حرجا للكل ، إننا نحيى ذكرى ميلاد المسيح والأمر لاعلاقة له بالمشكلات التي نواجهها والبابا من المفترض أن يصلى دائما في كل الظروف". واختتم قائلا :" إن الحزن في القلب على أولادنا الراحلين ونحمد الله على كل المصائب ، واثقون أنهم في مكان أفضل وأنهم يصلون لأجلنا وأنهم ينعمون بآخرة طيبة قد لايصل إليها الكثيرون ". وقبل التصريحات السابقة ، قام البابا شنودة بخطوة أخرى للتهدئة ، حيث أوفد الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومرسى مطروح إلى الإسكندرية لمتابعة أحداث الهجوم الذي استهدف كنيسة القديسين ليلة رأس السنة الجديدة وأسفر عن مصرع 22 شخصا وإصابة 97 آخرين بينهم ثمانية مسلمين. وجاء في بيان صادر عن البابا أنه كلف الأنبا باخوميوس بتهدئة المسيحيين ومنع تزايد التوتر وإجراء حوار هاديء مع كل الأطراف خاصة الأمن. بل وأكد البابا أيضا أن حادث الإسكندرية الإرهابى استهدف زعزعة استقرار البلاد وأمنها وأن هناك قوى لا تريد خيرا لهذا البلد ارتكبت هذا العمل الإجرامى فى ليلة الاحتفال بعيد الميلاد المجيد ، موضحا أن الذين يستهدفون أمن مصر هم أعداء للمسيحيين والمسلمين على السواء وهم لايريدون خيرا لهذا البلد ويسعون إلى إثارة الفتنة على أراضيه . وشدد أيضا على أن كل من يحاول إثارة الفتنة على أرض هذا الوطن لن يجد سوى جسدا منيعا قويا يأبى الإنهيار وهو قادر على التصدى لكل تلك المؤامرات وكشفها ودحرها ، مطالبا بضرورة القبض سريعا على مرتكبي الحادث الإجرامى ومحاكمتهم ليكونوا عبرة لغيرهم ممن يحاولون المساس بأمن واستقرار مصر . وبجانب ما ذكره البابا شنودة ، فقد خرج وزير الإعلام المصري أنس الفقي هو الآخر بتصريحات في 2 يناير قال فيها :" إن الحادث المأساوي الذي شهدته كنيسة القديسين بالإسكندرية وراح ضحيته الأبرياء إنما يؤكد حاجتنا إلى وحدة الصف أكثر من أي وقت مضى في مواجهة دعاوى الفتنة والفرقة التي تهدد وحدة النسيج الوطني والتي قاومت طوال التاريخ ظروفا أكثر صعوبة وقسوة". وناشد الفقي في هذا الصدد القائمين على القنوات الفضائية والقنوات الخاصة الالتزام بالموضوعية والبعد عن الإثارة في معالجة حادث الإسكندرية والتأكيد على البعد الوطني في معالجة موضوع الوحدة الوطنية والبعد عن إثارة الرأي العام وأن يرتفعوا إلى مستوى الحدث ويترفعوا عن الخوض فيما يؤجج نار الفتنة ، قائلا :" الإعلاميون قادرون على تقديم يد العون في تضميد الجراح ورأب الصدع وتجميع الصفوف لوطن واحد في مواجهة الخطر الواحد". والخلاصة أن هناك اتفاقا بين الكنيسة والحكومة على ضرورة عدم الوقوع في الفخ الذي نصبه منفذو الهجوم أمام كنيسة القديسين بل وأخذ العبرة منه لكي يتم معالجة الملفات الشائكة التي يستغلها أعداء مصر لتهديد استقرارها . صور المظاهرات سواء السلبية أو الإيجابية