كنا نعلم أن الأمر لن يخلو من مخاطرة، فصورة الدكتور محمد البرادعى، التى تتوسط ال«تى شيرتات» التى نرتديها، واستمارات «معا سنغير»، التى نحملها وبها مطالب الجمعية الوطنية للتغيير السبعة، جديرة بأن تعرضنا للمضايقات أو المساءلة، وما زاد من احتمال حدوث ذلك هو أن تجربتنا تلك جاءت بعد يوم واحد من المظاهرات التى احتشد فيها ما يقرب من 600 ناشط سياسى من حركتى المصرية من أجل التغيير «كفاية»، وشباب «6 أبريل»، فى ميدان عابدين، ضد ما وصفوه ب«توريث الحكم لجمال مبارك». تجولنا بين أرجاء منطقة السيدة زينب، وبين ابتسامات، وتعجب، واستنكار، وتأييد، ومعارضة، كانت جولتنا ك«أعضاء فى الجمعية الوطنية للتغيير» نرفع شعار «معا سنغير». البداية كانت مع شاب بدا عليه أنه فى أواخر عقده الثانى، كان يقف فى الشارع يحمل فى يده مجموعة من الأوراق مرتديا بنطلوناً وقميصاً وكرافتة، ملامحه وعيناه الزائغتان كانتا تعلنان أنه فى انتظار شىء ما، اتجهنا إليه وقدمنا له أنفسنا على أننا أعضاء فى حملة التغيير التى يقودها الدكتور محمد البرادعى، وأننا نسعى لجمع توقيعات أكبر قدر ممكن من المواطنين لنحاول الضغط على الحكومة لاقتناص مطالب التغيير السبعة، أخذ يدقق فى الورقة كثيرا، فسألناه هل تسمع عن الدكتور البرادعى، فنظر إلينا مندهشا، وقال «وهو فى حد ما يعرفهوش»، واستمر فى قراءة استمارة التغيير، وفى تلك الأثناء كررنا على مسامعه كلمات تؤكد مصداقية البرادعى، ونيته الحقيقية فى الترشح، والعواقب التى تحول دون ذلك، وفجأة خرج الرجل عن صمته قائلا «مش فيه موقع إلكترونى لجمعية التغيير»، فأجبناه بالإيجاب، فقال «أنا همضى على الموقع»، ولكننا رفضنا أن نترك الأمر يمر هكذا وسألناه «هل أنت موافق على ما قرأته فى بيان التغيير»، فأجاب «نعم»، فأعدنا سؤاله «إذن لماذا ترفض التوقيع الآن»، فإذا به يمسك الورقة ويستند إلى إحدى السيارات الواقفة بجانبه ويوقع اسمه مؤيداً لمطالب التغيير، فشكرناه كثيرا وقبل أن نمضى لمحنا فى يديه خطابا وضعه فوق مجموعة الأوراق التى يحملها فى يديه مكتوباً عليه بخط كبير «إلى الأستاذ محمود سعد» فعلمنا وقتها فيما كان انتظاره. كان يسير فى خطوات متسارعة يحمل فى يديه كيساً بلاستيكياً أسود اللون، اقتربنا منه وطلبنا أن يعطينا دقيقة واحدة من وقته، فنظر إلينا فى دهشة شديدة وقال «إنتوا مش خايفين وإنتوا ماشيين كده فى الشارع عادى، إنتوا ما عرفتوش اللى حصل إمبارح»، فأجبناه بقولنا «نحن نسعى للتغيير من أجل صالح هذا البلد، فهذا واجبنا، فماذا عنك أنت»، فنظر إلى صورة البرادعى الموجودة على ملابسنا، وقال لنا «لو ال80 مليون عاوزين حاجة والحكومة عاوزة حاجة يبقى برضه اللى الحكومة عاوزاه هتعمله، وده من وجهة نظرى، عشان كده مفيش فايدة من اللى انتوا بتعملوه ده»، فسألناه «يعنى مفيش أمل»، فرد وهو يدير وجهه عنا مستعدا للرحيل «الأمل عند ربنا». على بعد خطوات منه، وقف رجلان بدا عليهما من ملابسهما بساطة الحال، كانا يقفان أمام محطة أتوبيس يتسامران، وما إن اقتربنا منهما حتى أخذا يدققان النظر فى الملابس التى نرتديها، فبدأنا نعرّفهما بأنفسنا، وسألنا أحدهما «تعرف الدكتور محمد البرادعى»، فأجاب «هو نازل فى أى دايرة»، فابتسم الرجل الواقف بجواره وقال له «ده نازل دايرة مصر»، وعندما بدأنا نتحدث معه عن البرادعى، والتغيير أسرع مبتعدا عنا وهو يتمتم «أنا ماليش دعوة بالسياسة، أنا مع عم حسنى عمنا كلنا»، ببينما ظل صديقه واقفا فى مكانه يدقق فى الكلام المكتوب فى الاستمارة، وعندما وجدناه غارقا فى قراءتها تركناه دون أن نقول كلمة واحدة، ولكن بعد مرور 3 دقائق تقريبا، فوجئنا به يمدها إلينا مرة أخرى قائلا «أنا تقريبا مضيت على واحدة زى دى فى مدينة نصر»، حاولنا أن نخفى ملامح الدهشة على وجوهنا، فإذا كان وقع على استمارة مشابهة من قبل، فلماذا لم يقل ذلك منذ البداية، وسألناه «تقريبا»، فأجاب «لا أكيد أكيد أصل كفاية كده، إنتوا مش شايفين البلد إيه وإللى حصل فيها». تركناه ومضينا لعبور الشارع فوجدنا إحدى السيارات تهدئ من سرعتها وتطلق بعض «الكلاكسات» لتلفت انتباهنا إليها، وعندما نظرنا ناحيتها وجدنا بداخلها شاباً ينظر إلينا مبتسما رافعا إصبع الإبهام وقال لنا بصوت عال «ربنا يوفقكم»، ثم مضى فى طريقه من جديد، وبينما تكرر الموقف ذاته من بعض المارة أو قائدى السيارة الذين نمر بهم فى جولتنا، إلا أن آخرين كانوا ينظرون إلينا باندهاش واستغراب فى بعض الأحيان. أمام أحد الأكشاك وقف رجل خمسينى لشراء علبة سجائر، انتظرناه حتى أكمل مهمته، ثم توجهنا إليه ببيان التغيير، وما إن بدأنا الحديث عن البرادعى، حتى استوقفنا قائلا «مين؟»، فأعدنا عليه الاسم مرة أخرى، فقال «أيوه أيوه عالم الذرة.. ماله؟»، فقلنا له عاوز يرشح نفسه فى الانتخابات، فضحك قائلا: «ومال الذرة بس ومال السياسة يا جماعة، كل واحد يخليه فى الحاجة اللى بيفهم فيها»، ثم أخرج سيجارة من العلبة وذهب. على أحد الأرصفة جلس شابان يتناولان أكياس الشيبسى ويشربان المياه الغازية، اقتربنا منهما وسألناهما عن عمرهما فقالا 17 سنة، فتأكدنا أنهما يحملان بطاقات إثبات الهوية وأنهما يستطيعان التوقيع على بيان التغيير إذا أرادا، وأخذنا نحدثهما عن البرادعى، والحملة التى أطلقها للتغيير، وما كان منهما إلا أن استغربا الموقف، وأخذ كل منهما يبتسم للآخر، وقال لنا أحدهما ويدعى أحمد «أنا عارف إنه عالم كبير، وإنه هيدخل الانتخابات، لكن أنا مش موافق»، فسألناه عن السبب، فأجاب «لا ياعم.. الريس هيديها لابنه»، فسألناه «وما رأيك أنت»، فقال «إحنا ما شفناش جمال لسه، وبعدين الريس معيشنا فى سلام وما دخلناش حروب يبقى ليه لأ»، وعندما سألنا صديقه عن رأيه قال «إحنا ما شفناش لا ده ولا ده يبقى هنختار إزاى»، ورفضا التوقيع وعادا إلى طعامهما مرة أخرى. سيدتان كانتا تعبران الطريق وما إن اقتربتا منا وشاهدتا صورة البرادعى، حتى أسرعتا فى الابتعاد عنا، وقالت إحداهما «إحنا مالناش فى السياسة»، ولم تمر دقيقتان حتى وجدنا رجلاً ثلاثينى العمر يهرول باتجاهنا ويحاول إيقافنا ليقول لنا شيئا ما، فاتجهنا ناحيته فقال لنا وهو يحاول التقاط أنفاسه «انتوا تبع حملة البرادعى،»، فأجبناه «نعم»، فقال «لقد مرت زوجتى أمامكما منذ قليل وشاهدتكما وأخبرتنى فأسرعت لألحق بكما»، فسألناه عن السبب، فأجاب «أنا من أشد المعجبين بالبرادعى، لكن إحنا عاوزينكم تيجوا عندنا البحيرة عشان فيه ناس كتير مش عارفة تتواصل معاكم»، شجعنا حماسه هذا على أن نطرح عليه سؤالا «وما رأيك فى أن تقوم أنت بدور حلقة الوصل بيننا وبين مؤيدى البرادعى فى البحيرة»، فلم يتردد فى الموافقة قائلا «يا ريت»، وطلب التوقيع على بيان التغيير، وأعطانا رقم تليفونه لنبلغه بعد ذلك بكيفية التواصل، وما هو الدور الذى سيقوم به فى البحيرة. أحد المواطنين كان يقف أمام عربة لبيع الفاكهة فتوجهنا نحوه وطلبنا منه التوقيع على البيان إذا كان موافقا على ما فيه، فصمت قليلا أثناء قراءته للبيان وفجأة أخرج قلما من جيبه، ووقع على البيان، بعد أن كتب اسمه بالكامل ورقم بطاقته الشخصية، ثم عاد للشراء مرة أخرى، بينما ظل بائع الفاكهة ينظر إلينا فى تعجب، فبادرنا بإعطائه استمارة بيان التغيير، لكنه طلب منا قراءتها عليه لأنه لا يعرف القراءة، وما إن انتهينا من قراءة آخر كلمة فى الاستمارة، حتى طلب منا قلما قائلا «طبعا موافق البلد محتاجة تغيير فعلا، انتوا مش شايفين الحاجة بقت غالية إزاى، والناس خلاص مش لاقيه تاكل المصرى اليوم المصرى اليوم المصرى اليوم المصر المصرى اليومى اليوم