ما هو تأثير المقاطعة المتوقع للانتخابات المصرية و هل ستنجح المقاطعة و كيف , دعونا نلقى نظرة انتشرت الدعوة الى مقاطعة الانتخابات البرلمانية المصرية القادمة و تبنى هذا الموقف جمعية التغيير الوطنية. نظريا يمكننا ان نقول ان مقاطعة الانتخابات ترشحا و تصويتا هو موقف وطني مشرف و يمكننا نظريا ايضا ان نقول ان من يشارك فى تلك الانتخابات التي تفتقر الى ادنى معايير النزاهة هو كالمشارك فى جريمة ضد الوطن, بل و يمكننا ايضا ان نبالغ نظريا ايضا فنقول ان مقاطعة الانتخابات ستؤدي الى سقوط النظام, و يمكن لسيادتكم ان تزيدونا من قصائد المدح لمن يدعوا الى المقاطعة و من قصائد الهجاء لمن يدعوا الى المشاركة كيفما شئتم. الى هنا و انتهى الجزأ النظري و هيا بنا ننظر عمليا و اسمحوا لي ان ابدا باستخدام عقلي مستعينا به بعد الله سبحانه و تعالى على كتابة الجزأ المتبقى من المقال. عمليا, لكي تنجح مقاطعة الانتخابات لابد ان تقاطعها جماعة الاخوان المسلمين اولا كأكثر الفصائل السياسية تأثيرا فى الشارع و ايضا حزب الوفد كاكبر الاحزاب المعارضة حجما, و الى الان التصريحات المنطلقة من الطرفين تدل الى انهم اقرب الى المشاركة فى الانتخابات النيابية القادمة منهم الى المقاطعة, بالاضافة الى ذلك فهناك اربعة و عشرين حزبا مرخصا لهم بممارسة العمل السياسي و اكاد ازعم و لكي اكون مؤدبا ان نصفهم على الاقل تحت السيطرة التامة من الحزب الوطني و لكني اعتقد ايضا بوجود ثلاثة احزاب معارضة على الاقل بعيدة عن سيطرة النظام الحاكم عليها وهي فى ظني الاحزاب الثلاثة التي بادرت الى تبني مطالب الجمعية الوطنية للتغيير صراحة و سخرت امكانياتها لخدمة هدف التغيير, عودة الى الموضوع ارى انه فى و هذا الاختيار المستبعد, اذا ما قام الاخوان و الوفد باعلان موافقتهم على مقاطعة الانتخابات فما زال النظام يملك فى حظيرته العديد من الاحزاب الداجنة و الغير خاضعة لضغوط جمعية التغيير, التي من الممكن ان يقوم بعمل عملية سيليكونية لهم و اظهارهم بمظهر المعارضة الحقيقية, بل و ارجح انه سيقوم بانجاح جميع مرشحيهم طالما ظلوا داخل النسبة الامنة للنظام و هي اقل من الثلث. هذا من ناحية المرشحين, من جهة الناخبين فالامر ابسط من هذا بكثير, فعامة الشعب لا تشارك فى العملية الانتخابية, فى الارجح يذهب للادلاء بصوته احد ثلاثة فئات: اولهم هم المتعصبون لقبيلة او عائلة و ثانيهم العمال و الموظفين الذين يتم شحنهم الى اللجان الانتخابية و الفئة الاخيرة هم من يبيعون اصواتهم بجنيهات قليلة. فاذا كان الاعم الاغلب من المصوتين ينتمون لتلك الفئات الثلاثة فان من سيذهب للتصويت فى حال نجاح الدعوة للمقاطعة نجاحا باهرا هو عدد مقارب لمن سيذهب للادلاء بصوته فى حال فشل الدعوة للمقاطعة فشلا ذريعا, اذا الناخبين فئة غير مستهدفى بدعاوى المقاطعة, فلن يكون هناك احجاما من الجماهير الغفيرة التي تذهب للتصويت مما يدل على وجود حالة من السخط على العملية الانتخابية في تلك الانتخابات تحديدا , لان الجماهير الغفيرة المدلية باصواتها لا وجود لها. ما اعتقده و من منطلق عملي و ليس نظري هو انه كان يتوجب على جمعية التغيير, الدعوة للمشاركة فى العملية الانتخابية و بكثافة في الانتخابات النيابية القادمة, و عن طريق قائمة موحدة لقوى التغيير و ليس هذا بغرض انجاح عدد كاف من المرشحين للسيطرة على مجلس الشعب, فالقيام بذلك لهذا الغرض هو عين السذاجة و رؤية طائر الحنتريش الاسطوري محلقا في سماء القاهرة يبدوا اقرب للواقع, و لكن اختيار الدعوة للمشاركة فى رأيي للاسباب التالية: - الحشد الجماهيري: حركة التغيير في امس الحاجة للحشد الجماهيري, دعوة الجماهير الى المشاركة فى العملية الانتخابية وسيلة فعالة للدعاية لحركة التغيير و لاستقطاب عناصر اضافية داعمة للتغيير. بالاضافة لتفعيل المشاركة السياسية للمواطنين, فليس من سمع او قرأ عن تزوير الانتخابات كمن شارك فى الانتخابات و رأى التزوير بعينيه, و ليس رد فعل الاول الذي فى الاغلب لن يتعدى مصمصة الشفاه كالثاني الذي اجهد نفسه فى استخراج بطاقة انتخابية و ذهب الى اللجان للمشاركة و ذهب مجهوده ادراج الرياح. - المنفعة المتبادلة: الكيانات الداعمة للتغيير من المشاركين فى العملية السياسية التقليدية كجماعة الاخوان و الاحزاب تقتضي مصلحتهم المشاركة فى العملية الانتخابية, فبالاضافة لامنيات انجاح مرشحيهم هناك العديد من الفوائد مثل اظهار القوة العددية فى حالة الاخوان مثلا او الدعوة الى تياراتهم فى حالة الاحزاب, بالنسبة لهؤلاء المشاركة فى الانتخابات هي في حدها الادنى كجرعة الجلوكوز التي لن تكمنهم من الانتصار الساحق فى المعركة و لكنها تبقيهم على قيد الحياة السياسية, لذلك كان من المفترض اختيار الطريق الذي يؤدي الى ضمان استمرار دعم تلك الكيانات لجمعية التغيير و ليس الخيار الذي ربما يؤدي الى انفضاضهم من حولها او على الاقل فتور حماسهم للعمل المشترك فى سبيل التغيير, و يجب ان ننوه ايضا الى اهمية استمرار دعم تلك الكيانات للجمعية, فاحدهم و هو الاخوان قام بجمع اكثر من ثمانين بالمائة من التوقيعات على بيان التغيير و اخراها و هي بعض الاحزاب تقوم باستغلال ترخيصها القانوني بممارسة السياسة و تقوم على سبيل المثال بتقديم بعض الدعم اللوجيستي مثل فتح مقراتها لاجتماعات نشطاء التغيير. تلك العلاقة بين جمعية التغيير و الكيانات الداعمة التي تمارس السياسة على الملعب التقليدي مهددة بالفتور فى حالة الدعوة لمقاطعة الانتخابات بما يتعارض مع مصالحها و هي ايضا علاقة كان من المحتمل ان تقوى في حالة قيام جمعية التغيير بالدعوة بقوة الى المشاركة في الانتخابات و بالتالي المساعدة في تحقيق اهدافها. - ارباك حسابات الخصم: يمتلك الحزب الوطني خبرة تقارب الثلاثين عاما من احتراف تزوير و التلاعب بنتيجة انتخابات لا تشارك فيها الجماهير و تحظى بتغطية اعلامية محددة ابعادها مسبقا, الدعوة الى المشاركة و بكثافة فى الانتخابات كانت كفيلة بارباك حساباته على الصعيدين الجماهيري و الاعلامي و ربما كانت ستؤدي الى بعض الاخطاء الغير متوقعة من جانبه, تمام كما ادى ظهور البرادعي الغير متوقع الى ارتكاب النظام العديد من الاخطاء التي دفع ثمنها بزيادة شعبية الدكتور البرادعي. - استحالة تحقق الاجماع على المقاطعة: للاسباب التي ذكرتها فى بداية المقال و نظرا لامتلاك النظام الحاكم للعديد من الادوات التي تمكنه من ضرب دعوة المقاطعة في مقتل, يستحيل حدوث ما تدعوا اليه جمعية التغيير في مثل هذا الوقت الضيق, و لذلك من المتوقع بعد الانتخابات ان يستغل النظام الحاكم فشل الدعوة الى مقاطعة الانتخابات استغلالا اعلاميا باسوأ الطرق الممكنة و اظهار تحالف جمعية التغيير بمظهر ممزق و مشتت و العديمة التأثير حتى على اقرب حلفاءها فما بالنا بالجماهير البعيدة عنها.
هذه الاسباب و غيرها الاقل تأثيرا و اهمية هي ما دفعتني الى تبني خيار الدعوة الى المشاركة و بقوة فى انتخابات مجلس الشعب المقبلة, و ما زلت اعتقد من الموقف الحالي بتبني خيار المقاطعة هو خطأ استراتيجي جسيم و في توقيت قاتل, أثره الضار في حده الادنى يفوت علينا فرصة الاستفادة من الحدث القادم و هو الانتخابات بالصورة التي تقربنا من تحقيق اهداف التغيير و في حده الاقصى فانه خيار يهدد تماسك تحالف التغيير و اقرب الشبه برصاصة من الممكن ان ترتد الى صدر مطلقها. يبقى ان انوه ان هذا التحليل هو للانتخابات النيابية المقبلة فقط و ليس للرئاسية و لكل حادث حديث. و يجب ان انوه ايضا انني من اشد المؤمنين بان خيار الدعوة الى مقاطعة الانتخابات النيابية القادمة هو الموقف الصائب و السليم نظريا , و نظريا فقط. ما اشبه الليلة بالبارحة: كان التقدم بقواتنا في حرب اكتوبر خارج نطاق مظلة صواريخ الدفاع الجوي المصري قرار سليما و صائبا نظريا ليخفف الضغط عن اخواننا على الجبهة السورية و لنستكمل استرداد اراضينا التي نهبت و لكن تفعيل هذا القرار الصائب نظريا الخاطيء استراتيجيا هو ما جعل اعين شارون تدمع فرحا و هو يصرخ مبتهجا فعلها المصريون ,, فعلها المصريون,,, مرحبا بكم فى الثغرة, او بالاصح الفجوة.