نشر في إحدي الجرائد الحكومية ذات يوم علي صدر صفحة الوفيات نعي يعلن فيه أحدهم بمزيج من الحزن والأسي وفاة والده دون أن يذكر مهنته مكتفياً بأن سبق اسمه بكلمة "رجل الصناعة".. وما هي إلا ساعات حتي صدرت الجرائد في اليوم التالي وقد غرقت صفحاتها في أعماق بحور المواساة لرجل الصناعة من معظم رجال الأعمال والتي كشفت فيما بعد عن علاقة القرابة البعيدة جداً التي تجمعه بوزير صناعة تلك الفترة.. ومن المؤكد أن تلك المجاملات أو النفاق إذا أردنا الدقة لم تكن لتحدث لولا وجود الرجل في منصبه كوزير.. وهو ما أصبح يطلق عليه في أيامنا هذه "بديهيات اجتماعية لا بد منها".. وفي مجال الميديا والإعلام تكررت القصة نفسها منذ أسابيع مضت مع فارق معرفة عائلة المتوفي مسبقاً.. وذلك عند وفاة الطيار "البطل" نجل الكاتب الصحفي محمد عبدالمنعم.. فقد امتلأت الصحف بإعلانات المواساة مدفوعة الأجر للعائلة.. تارة لشقيقيه أشرف وتامر.. وتارة لوالده.. وتارة أخري لثلاثتهما.. وحضر الجنازة في الصباح عدد كبير من الفنانين والإعلاميين والصحفيين.. وأغلب الظن وإن بعض الظن إثم أنه لولا وجود شقيقيه في مناصب شبه قيادية وتمتع والده بعلاقات قوية لا حصر لها حتي اللحظة.. لما كلف أحد نفسه إلا من قليل.. قد يعتبر البعض ما سبق نظرة قاتمة في هذه الأيام الكريمة.. لكن ما حدث في جنازات الشاعر الغنائي عبدالعزيز عمار والمطرب الشعبي حسن الأسمر والممثلة المعتزلة هند رستم، وأخيرا طلعت زين هو خير دليل علي صدق سوداوية النظرية.. فقد رحل الأربعة علي التوالي الاسبوع الماضي مع فارق معكوس بسيط عن القصة الأولي !! أنه لم يحضر جنازة أي منهم إلا القليل جداً رغم المشوار الفني الكبير لهم.. فقد تعامل عبد العزيز عمار أصغر المتوفين عمراً مع كبار المطربين والملحنين.. وصال وجال حسن الأسمر بصوته الشعبي طوال الخمسة وعشرين عاماً الماضية.. وظلت هند رستم تحمل لقب فاتنة السينما المصرية رغم اعتزالها الفن منذ عام 79 وكان طلعت زين الأكثر مجاملة لزملاؤه إلا أن هذا كله لم يشفع لهم شيئا.. لأن اللحظة التي تم الإعلان فيها عن خبر الوفاة.. كانت اللحظة نفسها التي تنتهي فيها علاقاتهم بالوسط الفني إلي الأبد.. خاصة أن أحداً منهم ليس له "عيل أو تيل" يعمل داخل الوسط.. كما أنهم لا يمتون من قريب أو من بعيد لأصحاب قرار فني أو سياسي.. ولأنهم أيضاً ليسوا في قامة علاء مبارك الذي توفي ابنه فانقلبت مصر رأساً علي عقب.. وأغلقت شوارع وفتحت أخري لاستقبال مشيعي الجنازة المهيبة التي أعطت لمصر إجازة مدفوعة الأجر في ذلك الصباح.. كما أنهم أيضاً لا يمتون بصلة مثلاً للمنتج المهم محسن جابر الذي توفيت شقيقته فتوافد معارفه قبل أصدقائه لتشييع الجنازة.. واحد منهم لن يقوم مستقبلاً ببطولة أفلام أو مسلسلات مثل المطرب محمد فؤاد ليتوافد ثلاثة أرباع الوسط الغنائي والتمثيلي للشد من عزيمته في جنازة والدته يترأسهم عمرو دياب.. كما أنهم أيضاً ليسوا الملحن عمرو مصطفي صاحب الافتكاسات اللحنية الذي توفي والده فتسابق الجميع في ماراثون تشييع الجنازة وعلي رأسهم خصمه اللدود تامر حسني طمعاً منهم جميعاً في لحن جيد في المستقبل القريب بعد الحداد وألا يطولهم لسانه في البرامج.. وأخيراً هم أيضاً ليسوا هاني شاكر المستمر في مشواره الفني ليذهب الجميع له في الجنازة صباحاً وفي العزاء ليلاً لمواساته في أميرة حياته ابنته الراحلة علي حد تعبيرهاني وهو ما يؤكد أن الوسط الفني أمسي يتعامل مع وفاة أحد أعضائه أو أقاربه بالمنطق نفسه الذي يتعامل به رجال الأعمال في صفقاتهم.. ألا وهو منطق المصلحة التي ستعود علي أحدهم جراء ذهابه إلي جنازة أو عزاء.. لنجد أنفسنا أمام أسئلة ننتظر إجاباتها إن كان لها إجابة.. ألم يكن يستحق أي منهم بعد مشواره الفني الطويل أن يحظي بجنازة تليق بتاريخه؟ كيف غاب رؤساء النقابات عن الجنازات الأربع واكتفوا بالظهور في العزاء ليلاً؟ لماذا لم يتعاملوا مع هذا المشوار باعتباره جمعية عمومية يجب حضورها مثلاً؟ هل كل من تعلل أو اعتذر عن الحضور يعتقد أنه مخلد في الدنيا وأن جنازته لن تأتي يوماً؟ هل يعتقد البعض أن النجومية ستمنعه من الموت؟ كل ما سبق يؤكد صحة المقولة الساخرة التي تقول " عندما مات كلب المحافظ ذهب الجميع للعزاء وعندما مات المحافظ نفسه لم يحضر