في النصف الثاني من القرن التاسع عشر شهدت مصر نهضة حضارية هي الأهم في تاريخها. ففي تلك الفترة علي وجه التحديد ودعت مصر حياة القرون الوسطي وبدأت تتلمس طريقها إلي العصر الحديث. بدا ذلك واضحا في حركة عمرانية وحضارية تواصلت لتنتقل بمصر من دولة بدائية تعيش في مجاهل القرون الوسطي إلي دولة عصرية تنافس عاصمتها أكثر مدن أوروبا جمالاً ورقياً. لم تصل مصر لذلك سوي بالتخطيط السليم الذي ينبئ عن بعد نظر في كثير من الأحيان. ولعل أحد أبرز معالم هذا التخطيط السليم هو قطار حلوان الذي صار معروفاً لدينا اليوم بإسم "مترو حلوان"، فلهذا القطار الذي أنشئ عام 1863 الفضل في ظهور ضاحية المعادي وغيرها من التجمعات السكنية التي ارتبطت للمرة الأولي بوسط القاهرة بوسيلة مواصلات سريعة بعد أن كان الوصول إلي حلوان التي لا تبعد عن القاهرة سوي 25 كيلومتراً مهمة شاقة تستغرق ساعات طويلة. عرفت حلوان التي تبعد عن الضفة الشرقية للنيل مسافة 5 كيلومترات بجوها الدافئ الجاف وينابيعها المعدنية وهوائها النقي (قبل 138 عاماً بالطبع) فكانت أهم المنتجعات الصحية في مصر خاصة في فصل الشتاء. جعلت تلك المقومات لحلوان مكانةً خاصة، فاعتنت بها الحكومة المصرية حينذاك فبذلت جهوداً كبيرة لتجميلها وتنسيقها وشقت الشوارع المتسعة التي تزينها الأشجار واهتمت بوجود المنتزهات والميادين بل وأقامت فيها فندقاً لطالبي الاستشفاء. في عام 1873، أمكن للخديوي اسماعيل الاتفاق علي زيادة عدد الجيش المصري من 18 إلي 30 ألفاً ومد الحدود المصرية حتي حدود الحبشة (أثيوبيا الحالية) وبالتالي ظهرت الحاجة لإنشاء المصانع الحربية لتوفير مستلزمات الجيش. وبالفعل تم التخطيط لإنشاء مصانع حربية ومخازن للخيرة بالقرب من منطقة القلعة كما بدأت الحكومة في إنشاء مسبكاً للمدافع بطره، فتطلبت تلك الإنشاءات الجديدة مد خط حديدي وشجع علي ذلك اكتشاف الينابيع الكبريتية بمياهها المعدنية في حلوان عام 1868. في واقع الأمر لم يبدأ خط حلوان بالشكل الذي نعرفه اليوم حيث كانت بداياته خطاً لا يزال في الخدمة حتي اليوم يربط محطة مصر والعباسية بالقلعة. في عام 1873 تم مد هذا الخط من القلعة إلي حلوان وتم الإنتهاء منه في عام 1875 وقام الجيش بتلك المهمة. لم يكن هذا الخط في بادئ الأمر سوي خط يخدم الأغراض الصناعية للجيش وانشت السلطات الحربية حينئذ محطات الجبخانة والبساتين والمعادي وطره والمعصره وحلوان.ولكن في عام 1877 بدأ الاستغلال التجاري لهذا الخط بتسيير قطارين للركاب الأول كان من محطة القلعة "موقعها بالقرب من سوق الإمام الشافعي حالياً) وحلوان والثاني بين محطة مصر وحلوان عن طريق العباسية. ولن ألغي الخط الأخير لضعف الجدوي الاقتصادية منه. بين عامي 1879 و1888 كتن عدد قطارات الركاب التي يتم تسييرها قطارين في كل اتجاه وكان هذا الخط يحقق إيرادات جيدة بأسعار تلك الفترة سواء لنقل الركاب أو البضائع حيث بلغت الإيرادات عام 1885 حوالي 7732 جنيهاً بينما لم تتعد المصروفات 5751 جنيه ووصلت أرباح هذا الخط إلي ذروتها في عام 1888 حيث بلغت الإيرادات 9393 جنيه وحقق الخط ربحاً صافياً بلغ 4437 جنيهاً. لميقتصر دور الإدارة الحربية علي إنشاء الخط بل قامت تلك الإدارة أيضاً بإنشاء مباني محطات ميدان القلعة وطره وحلوان وورشة للوابورات في القلعة وصينية لتدوير تلك الوابورات. وكانت محطة القلعة المعروفة بإسم الميدان محاطة بسور بني الجزء الغربي منه علي سور مصر القديم. في فترة لاحقة تفرع من هذا الخط شريط حديدي يوصل لمنطقة المحاجر يقطع الخط الأصلي عند محطة طرة والمعصره. تولت إدارة الخط نظارة الحربية بين عامي 1873 و1879 ثم تولتها نظارة الأشغال حتي 30 أبريل 1888 وهو تاريخ حصول شركة سوارس علي امتياز استغلال هذا الخط. هنا تجدر الإشارة إلي أن محطة المعادي بنيت ثلاث مرات الأولي كانت مخزن علي ترعة تصل بين المعادي والنيل والثانية كانت تقع بالجهة البحرية من المحطة الحالية وقد أنشئت تلك المحطة بعد عام 1888 والثالثة هي التي أنشأتها شركة سكة حديد الدلتا بعد عام 1904 في الموضع الحالي للمحطه. بعد الثورة العرابية، رأت الحكومة أن تتخلص من إدارة السكك الحديديه فمنحت في البداية امتياز خط حلوان الممتد من محطة ميدان القلعة إلي حلوان مع إنشاء خط بين محطة المعادي ومنطقة باب اللوق ماراً ماراً بالبساتين أو بالقرب منها وبمصر القديمة وفم الخليج التي كانت تعرف قديماً بمنطقة مدافن الأوروبيين إلي الخواجه قطاوي وولده وأولاد منشه وشركاهم وأخوان سوارس، واحتفظت الحكومة بالحق في إلزام الشركة بإيصال خط المعادي - باب اللوق في أي وقت تشاء بمحطة القاهرة علي أن يمر في المناطق التي ترغب الحكومة أن يمر بها هذا القطار. ولكن لم تستخدم الحكومة هذا الحق. استلم اصحاب الامتياز مباني محطات الميدان والبساتين والمعادي وطره والمعصره وحلوان وملحقاتها والأراضي الملحقة بها وجسر السكة الحديد عند طره وكل ما يتعلق بتشغيل الخط ما عدا أعمدة التلغراف التي اعتبرت خارج نطاق هذا الامتياز كما استثني أفرع معامل البارود المتفرعة من هذا الخط والخطوط الواصلة بين المحاجر والنيل والقاطعة لخط حلوان عند محطة طره والتحويلة وتعرف الأخيره اليوم بمحطة طره الاسمنت. اعطي أصحاب امتياز الخط الحق في مد أفرع للمحاجر التي تري ضرورة لمدها وهذا المد للمحاجر المفتوحة أو التي ستفتح أو للنيل. واحتفظت الحكومة المصرية لنفسها بالحق في تعديل أو إلغاء أي فرع أو جزء من خطوط المحاجر. وكانت هناك شروط أخري خاصة باستغلال الخط وأرباحه. وأشترط علي أصحاب الالتزام ضرورة أخذ تصديق من الحكومة لجميع الرسومات التصميمية سواء لمد الخطوط أو لإنشاء أي مباني جديدة، واشترط عليهم أيضاً أن يقدموا للحكومة الرسومات الخاصة بأي خط ينوون بناءه وتتكون تلك الرسوم من سرم عام وقطاعات طولية وعرضية علاوة علي مذكرات تفسيرية تحدد الغرض من إنشائه وغيرها من التفاصيل الفنية. أشترطت الحكومة أيضاً أن يقوم أصحاب الامتياز شراء الأرض اللازمة لأي مشروع توسيع سواء بالطرق الودية أو بنزع الملكية للمصلحة العامة بشرط أن تعتمد وزارة الأشغال تلك الخطط. نقطة هامة شملها عقد الامتياز وهو أن تكون تلك الخطوط الجديدة مطابقة لمقاييس ومواصفات باقي السكك الحديدية في مصر. وضعت الحكومة المصرية شرطاً أخر علي اصحاب الامتياز وهو أن تنزع ملكية الأرض علي جانبي الخط، ففي تلك الفترة كان الخط فردياً وأرادت الحكومة أن تقوم الشركة بجعله مزدوجاً بين المعادي وباب اللوق، كما أشترطت أن يتم الاتفاق علي مواقع وعروض المحطات مع وزارة الأشغال، وعلي أصحاب الامتياز أيضاً أن يقوموا بتوصيل مجاري المياه التي تتسبب منشآت الخط في قطعها أو تعديل مسارها. في الواقع كانت الشروط صعبة وصارمة عكس ما كان يحدث في عهد مبارك. فمن بين الفقرات نجد ما ينص علي أن تكون المواد المستخدمة في هذا الخط من أجود الأصناف وأن تقر الحكومة جميع المهمات اللازمة لإنشاء هذا الخط من قضبان وطريقة تثبيتها بالعوارض ونوع هذه العوارض ونماذج الآلات المستخدمة في هذا الخط وأن تتعهد الشركة في ظرف سنتين من تاريخ الامتايز بتغيير قضبان خط ميدان القلعة - المعادي بأخري مماثلة للتي ستضعها في الخط بين المعادي وباب اللوق. وحددت الحكومة للشركة مدة عامين لمد الخط بين المعادي وباب اللوق من تاريخ التوقيع علي عقد الامتياز. وتعهدت الشركة أن تقوم بصيانة الخطوط وجعلها في حالة آمنة بشكل دائم، أما القاطرات فتكون من أحسن الأصناف وأكثرها متانة علي أن تحوز قبول الحكومة بينما يجب أن تكون عربات المسافرين من أسحن طراز وتتفق مع الشروط التي تضعها الحكومة. وللشركة حق الاتفاق مع اصحاب المحاجر والمناجم والورش كي تمد لهم أفرع مخازن تصل بين الخط الرئيسي ومحاجرهم بشرط ألا يعيق ذلك ساتخدام الخطوط الرئيسية. ويتم إنشاء تلك الأفرع علي حساب أصحاب المحاجر والمناجم ويتم صيانتها علي حسابهم وللحكومة الحق في إلغائها متي شاءت. تعهد أصحاب الامتياز أيضاً بمد خطوط تلغرافيه لإدارة حركة الخط فقط بشرط موافقة وزارة الأشغال. وفي الحامس من ديسمبر 1888 تم توقيع اتفاق أخر بين أصحاب الأمتياز ومصلحة السكك الحديديه بشأن مبادلة النقل وفي 12 يونيه 1890 تم منح أصحاب الأمتياز حق استغلال ميدان سعيد وهو الميدان الرئيسي في حلوان ونص علي تعهدهم بإنشاء كازينو وقهوة وكشك موسقي ومنشآت أخري لخدمة عامة الناس خلال عامين من توقيع العقد وتركت الحكومة لهم حرية إنشاء المباني المهمة في الوقت الذي يناسبهم. ولكن كان من حق وزارة الأشغال أن تصادق علي أي تعديل أو إضافة إلي ما اتفق عليه وبناءاً علي الرسوم التي قدمت عند توقيع الاتفاق، بل ونص الاتفاق علي أن يخضع المشروع لقوانين البوليس الحالية والمستقبلية وأن يدفع أصحاب الامتياز جميع العوائد والرسوم التي تفرض علي العقارات المبنية، ونص الاتفاق علي انتهاء مدة الامتياز في 9 ديسمبر 1938. والواضح من هذا العقد أن القانون كان مطبقاً بحذافيره علي الشركة الجديدة التي لم تحصل علي أي إعفاءات أو استثناءات كما حدث في عهد مبارك. في أول مايو 1896، تم تحرير عقد التزام مع شركة خط حلوان السابقة وشركة سكك حديد حلوان كي تتم الشركة فندق حلوان والحمامات الكبريتيه وتوابعها بحلوان وجميعها ملك للحكومة. وقد أعيدت تلك الممتلكات للحكومة بالفعل مع خطوط حلوان بموجب عقد تم إبرامه في عام 1915 بعد أن دفعت الحكومة 90 ألف جنيه ثمناً للخطوط الحديديه وتوابعها منها 20 ألف جنيه ثمناً للفندق وميدان سعيد والحمامات الكبريتيه. للحديث بقية لأن قصة هذا الخط طويلة سنتابعها معاً طوال شهر رمضان.