ولادة الحرية في مصر ولادة قيصرية عسيرة من رحم مهترئ ومهلهل وجسد ضعيف أذاق من المر المرين ومن القهر القهرين ولكننا نأمل وندعو الله أن تخرج سليمة وقوية وعفية وقادرة علي التحدي وبين الحرية والهجمية شعرة.. فالحرية مسؤلية تلزمنا بحسن التصرف ورجاحة العقل وبعد النظر في أدق الأمور والتأني في اتخاذ القرار والتأكد من كل ما يقال والعدل ثوبها الأبيض النقي الذي يجعلها تتألق وتزدهر.. أما الهمجية فهي الصوت العالي والغوغاء وهي عارية حمقاء عديمة المسئولية حائرة تتخبط شمالاً ويميناً فتفقدنا طريق الصواب وتؤدي بنا إلي الهلاك.. وقبل أن نطالب بالحرية لابد أن نعرف جيداً معناها الحقيقي فليس هناك شيء ما بدون سقف يحميه ويظلل عليه، فالارض لها سماء والمطلق هو الضياع.. وسقف الحرية هو المسئولية لأن كل ما تفعله يعود عليك بالضرر أو المنفعة فأنت الفاعل وأنت المفعول به وأنت من يحصد نتاج حريتك.. وحدود الحرية هي الا تؤذي الآخرين قولاً أو فعلاً وما يرضيك أنت من المحتمل أن لا يرضي غيرك فليس من أحد له الحق في أن يسلب حرية الآخرين.. فمن حقك أن تصرخ بصوت عال ولكن ليس من حقك أن تؤذي سمعي وتوجع رأسي.. من حقك أن تمشي عارياً ولكن ليس من حقك أن تخدش حيائي وتؤذي نظري، وخلاصة الموضوع أنه ليس هناك حرية بدون سقف.. وليس هناك شعب بدون قائد ودولة بدون راعي ولابد للقائد أو الراعي أن يكون حازماً وعادلاً وهذه التركيبة أيضاً معقدة فالحرية والهمجية والصراحة والوقاحة صفات تفصل بينهما شعرة بين الصواب والخطأ.. وما جعل ثورتنا العظيمة معرضة للاغتيال أو السرقة هي أنها ثورة بلا قيادة موحدة فبقدر عظمتها لابد لها من قائد عظيم مثلها قوي بقوتها.. شرس بشراستها.. فهناك مقولة صينية تقول «قطيع من الغنم يقوده أسد.. خيراً من قطيع من الأسود يقوده خروف».. فالقائد القوي هو سر الدولة القوية وهو يمد شعبه بالقوة وهناك فرق بين القوي العادل والقوي الظالم، فالقوي العادل يستمد قوته من حب شعبه أما القوي الظالم يستمد قوته من حب نفسه ونرجسيته فيفقد شرعيته ويصبح مكروها.. كما حدث مع معظم الرؤساء العرب فكانت نهايتهم مؤسفة وقاسية.. فجمال عبدالناصر «الزعيم» كما كانوا يطلقون عليه حقاً كان زعيما أحبه الملايين لأنه كان ديكتاتورية عادلاً، كذلك أتاتورك في تركيا أحبه الأتراك رغم ديكتاتورية وعلم الشعب التركي كيف يكون حب الوطن فأحب الأتراك الوطن ولم أر شعبا في حياتي يحب وطنه كالشعب التركي وبحب الوطن نهضت تركيا هذه النهضة المخيفة الرائعة.. فلقد حظيت بالعيش في اسطنبول خمس سنوات متتالية بحكم عمل زوجي مديراً اقليمياً للخطوط الأردنية للطيران وتعلمت من الأتراك كيف يكون حب الوطن.. فما من تركي لا يحب بل يعشق وطنه ليس قولاً بل فعلاً ويعتز بتركيته بفخر فحتي الأطفال حين يسمعون السلام الوطني يتركون كل ما في ايديهم ويقفون في وضع الشموخ رافعين أيديهم بالسلام والتحية إلي أن ينتهي السلام.. والأتراك لا يركزون علي كره الغير أتراك بقدر ما يركزون علي حب وطنهم خوفاً من تشتت طاقتهم في كره الغير.. فياليتنا نصبح كالشعب التركي الذي يستحق الحياة وياليت مصر تصبح كتركيا. وهذا ما آمله وأتمناه علي الصعيد الشخصي. فآه وألف آه ياوطني كم عليك أن تتحمل غباء الأخرين.. كم عليك؛ أن تتحمل ضعف وهشاشة المسؤلين.. كم عليك أن تتحمل حقارة المنافقين كم عليك أن تتحمل صمت وانعزال نصف شعبك عن همومك دون لوعة أو أنين.. وسرقات السارقين وعهر العاهرين والفتن الطائفية من أهل التدين تحت ستار الدين.. كم عليك ياوطن أن تتحمل سفك دماء أبناء شعبك وقسوة الحاقدين.. ماذا أقول ياوطني وأنت تبتلع المرارة بحزن مستكين. وأنا أنبح ككلبة ونباحي لم يصل لأي السامعين وأشكو لله وحده وهو رب العالمين.. وأتساءل وأنا مهزومة ومكسورة إلي أين نحن ذاهبون؟.. هل انتهت تلك السعادات الصغيرة التي كانت طابعنا اليومي؟ هل نسينا أننا كنا نصنع الفرحة حتي في أكثر اللحظات قسوة، وأتحسس تفاصيل يوميات الثورة الرائعة وهي تنزلق من بين أصابعنا كالماء.. ويبقي الأمل..