· هل يعقل أن تخسر الدولة 59 مليون جنيه من أجل مستورد ميتسوبيشي؟ حكاية مثيرة تلقي الضوء علي بعض ما يحدث من ألاعيب وحيل يقوم بها بعض مستوردي السيارات لتحقيق أكبر ربح ممكن علي حساب الجمارك في وقت يتعين علي كل وطني شريف أن يسهم في خروج هذا البلد من عثرته الحالية ليس بدفع التبرعات بل بدفع حق الدولة. ويبدو عجيباً في هذا الوقت العصيب الذي تمر به مصر أن يستمر البعض في التحايل علي الجمارك لتحقيق ربح فاحش علي حساب هذا الشعب. بداية القصة تعود إلي شهر أبريل الماضي حينما وصلت إلي ميناء الإسكندرية شحنتان من سيارات ميتشوبيشي وردتا من مصنع الشركة مباشرة لحساب أثنين من المستوردين. الشحنة الأولي ويبلغ عددها 500 سيارة وردت بإسم سمارت كار ويمثل تلك الشركة عمرو عبد الحليم أما الشحنة الثانية فبلغ عددها 2233 سيارة ووردت بإسم شركة ديموند موتور. وجاءت تلك السيارات بمواصفات السوق الخليجي. بعد وصول تلك السيارات بأسبوعين تقدمت شركة سمارت كار إلي الجمارك بطلب للإفراج عن 500 سيارة. وأرفقت الشركة بهذا الطلب المستندات الخاصة بتلك السيارات وفواتير الشراء. وبمجرد تقديم تلك المستندات، قام مجمع السيارات بجمرك الاسمندرية بدراسة تلك الفواتير التي قدمتها الشركة وكانت المفاجأة أن الأسعار المدونة في الفواتير لا تمثل القيمة الفعلية للسيارات الواردة. كانت مفاجأة أن الأسعار المثبتة في الفواتير تقل بنسبة 30% عن الأسعار التي تتعامل بها الجمارك بالنسبة لموديلات عام 2011 للموديلات الممائلة بنفس مواصفات السيارات المستوردة وفقاً للنشرة الاسترشادية الخاصة بالجمارك لموديلات عام 2010، بل وتقل تلك الأسعار عن القيمة التي يتم حسابها لنفس الموديلات في جمركي بورسعيد والسويس لمستوردين آخرين بنسب تتراوح ما بين 25% و32% الأمر الذي يشير إلي مخالفة صريحة للعرف الجمركي الذي يقضي بتوحيد المعاملات الجمركية في كافة الموانئ المصرية. حوت تلك الفواتير التي قدمتها الشركة بعض الأشياء غير المنطقية ومنها علي سبيل المثال لا الحصر أن أسعار السيارات المزودة بمحركات سعة 1300 سي سي زادت عن اسعار نسخ نفس الموديل المزودة بمحرك سعة 1600 سي سي. وفي الوقت الذي يعرف فيه مستوردي السيارات أن الفرق بين الطرازات المزودة بناقل السرعات اليدوي عن الاوتوماتيكي تكون في حدود 72 ألف ين ياباني تبين أنها في تلك الفواتير المقدمة لا تتجاوز 21 ألف ين ياباني. أما الأكثر غرابة فهو أن أسعار السيارات الواردة بالفواتير جاءت أقل بكثير عن اسعار السيارات يابانية المنشأ كسوزوكي ونيسان وسوبارو وهوندا وغيرها من الماركات وبنسب تراوحت بين 28% و33% رغم ان الفارق بين تلك الموديلات التي تنافس في شريحة واحدة من السوق ليس كبيراً. أضف إلي ذلك أن الفواتير المقدمة من مستورد تلك السيارات بها تسهيلات في الدفع حيث يتم السداد بعد 120 يوماً رغم أن الأسعار الواردة في المنشور الاسترشادي هي للمعاملات التي يتم فيها دفع القيمة مقدماً. بدا أن شئ ما يشوب تلك الفواتير الأمر الذي أدي إلي رفض لجنة الملاكي بمجمع السيارات بجمارك الاسكندرية الإفراج عن تلك السيارات بموجب الأسعار المقدمة في الفواتيروتم عرض الأمر علي الجهة المختصة وهي الإدارة المركزية للتقييم الجمركي والتي قامت بإرسال فاكس إلي الملحق التجاري بالسفارة المصرية في اليابان لمخاطبة المصنع المنتج لمعرفة حقيقة هذه الأسعار وسبب هذا الانخفاض الكبير في الأسعار عن الأسعار السابق إرسالها من المصنع لموديلات 2010 بنسبة تصل إلي 30%. وجاء رد المصنع غامضاً فهذا الرد لم يجيب علي أسئلة الإدارة المركزية للتقييم الجمركي وتم إرسال صورة من الفواتير المقدمة إلي صاحب الشأن والتي لا تمثل القيمة الحقيقية. وبناء علي هذا الرد غير الواضح قام الجمرك بعرض الموضوع علي لجنة توحيد القيمة للأغراض الجمركية المشكلة من مديري المنافذ الجمركية لإصدار رأي قاطع بشأن تلك الحالة. ولم تقتنع اللجنة هي الأخري بالأسعار المدونة في الفواتير. والأدهي أن مندوب المستورد صاحب تلك الفواتير أقر أمام اللجنة بأن أسعار تلك السيارات هي منخفضة بالفعل وبرر هذا السعر المنخفض بأنه خاص بالمستورد فقط دون غيره وطلب من اللجنة إعادة مخاطبة المصنع لمعرفة مبرر هذا الانخفاض في السعر. ربما المثير في الأمر هو أنه في حالة اعتماد تلك الفواتير المقدمة بتلك الأسعار المنخفضة، كانت الدولة ستخسر حوالي 59 مليون جنيه مصري كفارق الضرائب. تبين فيما بعد أن بعض المسئولين بجمارك الاسكندرية من بقايا النظام السابق ممن بقي علي موعد إحالتهم للمعاش أشهر قليلة كانوا وراء محاولة اعتماد تلك الفواتير مما يثير علامات استفهام عديدة حول موقفهم الذي يتبني وجهة نظر المستورد بفواتيره ذات القيمة المنخفضة وهي تصرفات تدين هؤلاء المسئولين وتعزز من وجهة نظر المستورد. حتي الآن لم يتم الإفراج عن تلك السيارات وجميعها بمواصفات خليجية وبفواتير تقل عن أسعار مثيلاتها ذات المواصفات الخليجية بحوالي 20% بدعوي أن الكميات كبيرة وهو تفسير يبدو غير منطقي. ولا يدرك هؤلاء المسئولين ما قد يترتب علي ذلك من تداعيات حيث يمكن أن تشجع محاولاتهم لتمرير تلك الفواتير غير الواقعية المستوردين الأخرين علي رفع قضايا علي الجمارك لاسترداد فارق القيمة عما قاموا بدفعه في موديلات 2010 الأمر الذي قد يتسبب في خسائر لخزينة الدولة بمئات الملايين من الجنيهات. وحتي لو نظرنا إلي تلك الشحنة المكونة من 500 سيارة، يبدو من غير المنطقي أن تخسر الدولة 59 مليون جنيه نتيجة لفوايتر مشكوك في صحتها والدليل علي ذلك ما ورد فيها من اسعار للناقل الأوتوماتيكي والذي لم يتجاوز الفرق بينه وبين اليدوي أكثر من 200 دولار أمريكي وهو فارق غير منطقي بالمرة. يتطلب الأمر وقفة جادة لعلاج هذا الخلل والتلاعب في الأوراق ما دامت مصر قد تغيرت إن كنا جادين في القضاء علي الفساد وإهدار المال العام.