بجانب صور الأعلام، وتي شيرتات "عبد الفتاح السيسي" المرشح الفائز في الانتخبات الرئاسية، والطراطير، والرقصات، وأنغام "تسلم الأيادي، وبشرة خير" والألعاب النارية التي حولت الفرحة إلى الجو، هناك أحداث ابتعدت عن الميدان، أحداث هامشية تمامًا، أو هو الجانب الآخر من يوم كرنفالي ملأ ميدان التحرير. أقف على حافة الأتوبيس، لأطلب النزول، يخبرني السائق "يلا يا أبلة روحي احتفلي، يلا مين عايز يحتفل تاني؟ محدش عايز يرقص هنا" أقرر النزول بعيدًا حيث الشوارع الجانبية، أمر على البائعين، يقول بائع البناطيل الممتعض من ركود البيع "لو كنا رسمنا صورة السيسي على البنطلون كان زمانه اتباع دلوقتي" يجلس بجانبه بائع صور السيسي، معلنًا غضبه "شوفت ابن ال.. بيسرق الصور مني وبيطبع نفس صوري" ليرفع يديه بالدعاء عليه في يوم رزقه. أصحاب المحال الكبرى يستندون على الواجهة الزجاجية لمحالهم، حيث يبتعدون عن الهدوء إلى حيث يحتفل هؤلاء، بينما يأمر صاحب محل المخبوزات العامل عنده ليشغل أغنية "بشرة خير" علها تجذب زائري الميدان اليوم. في ميدان طلعت حرب، لم يختلف الحال، حيث تخلو "مكتبة الشروق" إلا من كتب كبار الكتاب، تعلو المكتبة التلفاز الذي يعرض بيان "السيسي" الأول بعد تنصيبه رئيسًا للبلاد، ليصطف خلف زجاج المكتبة مئات المحتفلين بتنصيبه. أمام "العبد" يصطف العشرات، لتناول "الآيس كريم" ليسأل رجل آخر يقف وراءه بالصف "بتشتري آيس كريم احتفال بالسيسي" بينما يقف على مقدمة الصفوف المقسمة، فرد أمن ينظمها، حيث يأمر السيدة التي تود أن تكسر النظام "أنا فلاح، ومش من هنا ومتعود عالنظام، اقفي في الصف" على الجانب الآخر، هناك آخرين لا يعبأون بتلك الجموع، ربما ستكون كلمتهم، "اذهبوا، فنحن لا نحب الزحام" يمر الطفل بجانب تلك الجموع، يحمل الثلج لمتجر ما بالميدان، يحاول المرور بين تلك الجموع، والسيارات، ولكن الزحام يعطله، يعلن عن استيائه، بينما يلمحه أحدهم، يساعده، ويذهب بقطعة الثلج التي ذاب ربعها إلى حيث مكانها. لم يكن الطفل وحده هو صاحب مطلب الهدوء، حيث يقف في زاوية ما، "عامل نظافة" يبدو أنه قد فقد أمله في الحصول على بضع وريقات نقدية اليوم، لينظر بحسرة إلى العلب، والورق الملقي بإهمال، يعلن جسده النحيل، وتجاعيد وجهة، أنه لا طاقة له بها اليوم، ولا حتى الغد. على مقربة من الاحتفال يقف الصديقان، يخبره الأول "ماتيجي نتفرج" ولكن الآخر يرد في حسم واضح "هنتفرج على إيه؟" يشق الصديقان طريقهما بعيدًا عن الجموع، ويختفيان. على عكس الصديقين يقف المجندون أمام سيرات الأمن المركزي المنتشرة على أطراف الميدان، يشاهدون الاحتفالات، بغير مشاركة، ينتظرون الأوامر، إن طلب منهم القبض على أحدهم. باتجاه الميدان، يمشي الرجل الستيني، ذي الجلباب الرمادي، ينادي حيث يرفع يديه عاليًا، "مبروك يا ولااادي، مبرووك يا جيشنا" يعلو صوته، في الوقت الذي يلتفت المارة إليه، غير عابئ بهم، يمشي، وكأن به من الوطنية "مس"! وعلى عكس الأتوبيس ذي التذكرة الموحدة، قام السائقون بزيادة الأجرة، ليصبح أجرة الميكروباص من عبد المنعم رياض حتى الجيزة 2 جنيه، يثور الركاب، ويعلن البعض الاعتراض، بينما يقرر الآخرون أن يذعنون لمطلب السائق، حيث يخرجون النصف جنيه من جيوبهم، ليكملوا طريقهم إلى حيث منزلهم. "الشوارع زحمة جاي من الهرم في 3 ساعات" هكذا أعلنها سائق الجيزة ، ليقرر أنه سيتجه لطريق الدائري، "الأجرة 2 جنيه" هكذا يقرر، يعترض الركاب، لتصبح جنيه ونصف، يذعن البعض منهم بعد خصم نصف جنيه. في الطريق تتحول المواصلات لنادي سياسي مصغر، حيث الناس أصدقاء، تجمعهم السياسة، يتكلم راكب بصوت جهوري، "أنا انتخبت السيسي، بس متضايق من الاحتفالات، كده بيوقفوا حال البلد"، يوافق الحضور. ليستكمل "كنا مع مبارك ولما لقينا فساد شيلناه، ومع حازم صلاح أبو إسماعيل ولما عرفنا إن أمه أمريكانية سبناه، وكنا مع مرسي عشان راجل بتاع دين بس لما لاقيناه بيغلط عزلناه، ولو السيسي غلط هنمشيه زي مبارك" تزداد سخونة الحديث، ويقترب الأتوبيس من وجهته، حيث يذهب كل الركاب إلى بيوتهم، بانتظار الغد القريب.