كان المطلب العاجل للثائرين السوريين في غضبتهم الأخيرة إلغاء قانون الطوارئ الذي يعيش به النظام السوري في ظل الرئيس الراحل حافظ الأسد، وكذا في ظل حكم الابن الذي ورث والده د.بشار الأسد الرئيس الحالي! لتصبح سوريا هي الدولة التالية لنا مباشرة في العمل بقانون الطواريء من الستينيات! بل هي الأقدم- ربما إذا اعتبر اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في 6 أكتوبر 1981 بعد قرار اغتيال مئات من مختلف القوي السياسية في 5سبتمبر من نفس العام!، حتي إن البعض قد تساءل عن الاتجاه السياسي الذي يحكم باسمه السادات بعد اعتقال رموز جميع الاتجاهات!، ولكن الملاحظة الأساسية في مسألة تطبيق قانون الطوارئ والحكم في ظله أن كل الأنظمة الاستبدادية لا تستطيع الحكم ليوم واحد بدون قوانين الطوارئ!، وإذا كان ذلك كذلك فإن التملص من إلغاء هذا القانون يتحد علي حيلة تهتدي إليها الأنظمة كي تبقي علي قانون حياتها.. الطوارئ!، بل تكاد تكون الحيلة واحدة من نظام مبارك الرئيس السابق الذي ظل يراوغ في بقاء قانون الطوارئ معتمدا علي برلمان أغلبيته من أتباعه في حزبه الحاكم!، ومع ذلك فإن أحد أعضاء حزب الأغلبية هذا قد ضاق ذات مرة بالتصويت علي تمديد العمل بقانون الطوارئ وقد راح يتكرر!، فأقسم بالطلاق أنه لم يصوت بالموافقة في أي مرة قادمة علي التمديد!، وقبل انفجار ثورة 25 يناير كان البرلمان بمجلسيه يستعد لوصلة الموافقة علي التمديد فترة جديدة!، لكن مصر نجت من التمديد الذي كان مقبلا لولا خلع مبارك واسقاط نظامه!، ونجا عضو الحزب الذي أقسم بالطلاق من وجوب الوفاء بقسمه لتبقي له زوجته! أما الحيلة التي استمر العمل بها ذريعة لتمديد والعمل بقوانين طوارئ مبارك، فقد انتدب لبقائها تعلة مناسبة لهذا التمديد! فكان أن تشكلت لجنة من جهابذة القانون علي رأسهم «جهبذ» حكومات مبارك متخصص القوانين والبرلمانيات د.مفيد شهاب!، وقد بادر «الجهبذ» إلي الإعلان عن الحيلة والشروع في اتقان كذبتها بسفره مع أعضاء اللجنة إلي بلاد تتعرف منها اللجنة علي قوانينها لمكافحة الارهاب!، إذ اقتضت الحيلة أن يعلن نظام مبارك عن الإعداد لاصدار قانون جديد لمكافحة الارهاب يحل محل قوانين الطوارئ التي ستلغي! وإذا بالناس تنتظر سنوات دون أي «حس أو خبر» عن القانون الجديد الذي أخفقت لجنة الجهابذة ورئيسها «الجهبذ» الكبير الذي استمر في الابقاء علي «الكذبة» لا يقدم إجابة كلما سئل عن أخبارها بغير: «لسه»! حتي سقط نظام الكذبة فكف «الجهبذ» ولجنته - فيما أظن - «عن البحث في كيفية طبخ» القانون الذي ظن الأبرياء ممن صدقوا أن نظام مبارك يمكن له أن يتخلي عن العمل بقانون الطوارئ حتي لو كان مفيد شهاب قد عثر علي قانون جديد «لمكافحة الارهاب» هابط من السماء! ولكن الله قد شاء أن تتخلص مصر من «الكذبة» وأصحابها بثورة ليست في حاجة إلي «أكاذيب» جديدة!، إذا أعلن عن موعد محدد لالغاء قانون الطوارئ بعد الفراغ من وضع دستور جديد، وانتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة! ولكنني وجدت نفسي خلال الأيام القليلة الماضية أمام نفس سيناريو كذبة مبارك - مفيد شهاب ولجنته - ولكنه هذه المرة في سوريا!، التي عمد نظامها إلي التظاهر بأنه بسبيله لإلغاء العمل بقوانين الطوارئ استجابة للجماهير الغاضبة!، وطلب رئيس هذا النظام مهلة لوضع قانون جديد بدلا من قانون الطوارئ اسمه «قانون مكافحة الارهاب»!، فانكشف لي علي الفور كيف تفكر النظم الاستبدادية وتعمل عقولها بطريقة واحدة تعتمد علي «تناقل الخبرات» فيما بينها دونما اتفاق! وستكون هناك «لجنة جهابذة سورية» تعكف هي الأخري علي البحث في وضع القانون الذي لن يصدر!، وسيوافق البرلمان علي تمديد العمل بقانون الطوارئ ريثما يكون القانون الجديد جاهزا للصدور أو رحيل أصحابه.. وأظن أن هذا سيكون أقرب الآجال!