الأسبوع الماضى ربما كان أسبوع التغيير فى اليمن، فالأكثر أهمية بين كل ما حدث فى البلاد طوال السنوات الثلاث الماضية، كان اتفاق الصلح الذى أبرم بين قبائل حاشد والحوثيين على وقف القتال بينهما، بعد أسابيع من المعارك الدامية منيت فيها بعض أجنحة حاشد وحلفائها من السلفيين وتجمع الإصلاح الذى يمثل الإخوان المسلمين بخسائر فادحة، وأنهى - الاتفاق - كذلك زعامة آل الأحمر لقبائل حاشد، التى مثلها فى هذا الصلح الشيخ «حميد جليدان» أحد أبرز حلفاء الرئيس السابق على عبدالله صالح، بينما آل الاحمر هم ألد أعدائه، وبذلك اختارت حاشد التضحية بآل الأحمر أحد أضلاع مثلث القوة والنفوذ والحكم، وهو ما سوف يؤثر على الجبهة ككل التى تضم السلفيين - المحسوبين على السعودية - وتجمع الإصلاح الإخوانى. إذن خسر الإخوان وآل الأحمر معركتهم مع الحوثيين فى كل الجبهات التى شنوا فيها الحرب، وكما الإخوان فى مصر خسروا أخلاقيا قبل أن يخسروا سياسيا، وفى هذا التفاصيل كثيرة، أهمها اقتحام منازل وقتل ساكنيها والعديد من الممارسات المنتقدة بشدة فى العرف اليمنى، وزادت فداحة الخسارة بإعلان الحوثيين العفو العام عن جميع من قاتلوهم من أبناء حاشد باستثناء أولاد الشيخ عبدالله الأحمر، والعميد حميد القشيبى. وربما يأتى ذلك استعدادا لجولة أخرى من الصراع الذى يهدف إلى حسم السيطرة على شمال غرب البلاد، واستباقا لتقسيم اليمن إلى أقاليم ضمن نظام اتحادى جديد تم الاتفاق عليه فى الحوار الوطنى. كما يثير مخاوف القوى السياسية التى تراه مربكا للمشهد السياسى برمته، لانعكاسه السلبى على تنفيذ نتائج الحوار وأهمها صياغة دستور جديد للبلاد. وبالعودة إلى تجمع الإصلاح الذى قرر أن يخوض معركته الإخوانية، بمعزل عن معركته اليمنية، دون أن يدرك طبيعة المرحلة الانتقالية التى تمر بها البلاد، فمنذ أن ألقت السعودية - اللاعب الأبرز فى الفضاء اليمنى بمعظم عناصره ومكوناته - بثقلها ضد الإخوان فى مصر، لم يلتفت التجمع إلى وضعه اليمنى المتأزم، وإنما سار فى ركب إخوان مصر مواجها السعودية!!!! بدأ ذلك بتصريحات متتالية من زعماء الإصلاح تنتقد ما جرى فى مصر، ثم انتقلت لنقد الدول الداعمة له ومنها السعودية، بل وصل الأمر إلى أن وصف قيادى بارز بالحزب ما حدث فى مصر «إنه ما كان ليحدث لولا دعم وتشجيع بعض دول المنطقة التى تدار من غرف الإنعاش أو من قبل ساسة مراهقين»، فى إشارة إلى الملك السعودى وحكام الإمارات. كما منع الإخوان منصور هادى من إصدار بيان مؤيد لموقف الملك السعودى الداعم لمصر ضد «جماعة الضلال والفتنة» وقال قيادى كبير بالحزب إن من يهاجمون الإخوان «كفار ومجرد نفايات». ثم أضيف سبب آخر للتوتر، هو الدعم القطرى الكبير الذى تقدمه الدوحة لقيادات الإخوان فى اليمن، وبالتالى طالت الحملة الإعلامية السعودية ضد الجماعة إخوان اليمن وحزب الإصلاح وآل الأحمر بالتلميح ثم التصريح. ثم توالت إشارات الغضب السعودى ضد الإخوان أولا، إلا أنها وصلت إلى آل الأحمر الحليف التاريخى، حينما رفضت المملكة قبول هاشم الأحمر للعمل كملحق عسكرى فى السفارة اليمنية لديها. كما اتجه الإصلاح نحو تركيا ورصدت السعودية عمليات تهريب الأسلحة وقيام حزب «العدالة والتنمية» التركى بتدريب أكثر من 800 من كوادر الإصلاح، فضلا عن تقارير أخرى مزعجة قالت إن شحنات الأسلحة هذه يجرى نقلها إلى الأراضى السعودية وأن اليمن مجرد ممر لنقلها الى الخليج من تركيا، ليقضى على أى أمل فى احتواء التباعد بين الحليفين التاريخيين. السعودية التى وقفت عام 62 ضد ثورة اليمنيين على عائلة حميد الدين، هى نفسها التى رعت عام 70 المصالحة واتفاق إنهاء الحرب، ودشنت توغلها فى الشأن اليمنى، ونقلت تحالفها من عائلة حميد الدين إلى داعميه وتحديدا الشيخ عبدالله الأحمر، فغدا الحليف الأساسى للمملكة ومدخلها الذى تغلغلت من خلاله إلى النسيج ا ليمنى عبر رواتب شهرية لآلاف المشايخ الدينيين والقبليين والعسكريين والسياسيين، وظلت السعودية تحافظ على نفوذها فى اليمن خلال حكم القاضى الاريانى وابراهيم الحمدى المتهمة باغتياله، ثم الغشمى وأخيرا على عبد الله صالح. وكعادة السعودية التى تفقد الحلفاء تدريجيا، فالحوثيين تاريخيا إماميون، أى الحليف الأصلى للمملكة، وانتقل الوضع إلى حرب عسكرية كاملة بين الطرفين عام 2009، ثم من علاقة بالغة القوة مع على عبد الله صالح إلى علاقة باردة مع منصور هادى، ثم من تحالف مع الإخوان إلى عداء، وأخيرا خسارة الحليف التاريخى الثانى آل الأحمر، إذن اللاعب الخارجى الأساسى فى اليمن الذى طالما لعب على ولاءات ثالوث الحكم «القبلى الدينى العسكرى» ينتقل من خسارة إلى أخرى، ويدفع ثمن إصراراه على أن تبقى اليمن أقرب بلاد الأرض إلى سيدنا آدم. نشر بعدد 687 بتاريخ 10/2/2014 *