عندما رحل الشاعر الغنائى الكبير مرسى جميل عزيز فى مثل هذه الأيام كتبت على صفحات مجلة «روزاليوسف» فى يوم فى شهر فى سنة تهدا الجراح وتنام وعمر جرحى أنا أطول من الأيام.. وأضفت ستظل كلماته تعيش فينا أطول من أيامه وأيامنا؟! مر 34 عاماً على غيابه ولا تزال كلماته تنبض بالحياة.. إنه الإبداع الخاص الذى يتجاوز قيد الأغنية لنجد أنفسنا نتعايش مع شاعر يحيل دقات قلبه إلى حروف تملك إشعاعاً يضيء فى أعماقنا.. لو أنك حررت الأغانى من موسيقاها وصوتها ووضعتها تحت مجهر الإحساس الشاعرى لوجدته مثلاً يقول فى «أنا باستناك» بصوت نجاة «مرايتى قوليلى يا مرايتى حبيبى ماجاش لدلوقتى وسابنى لوحدتى وانتي».. تجد مثلاً فى «ثلاث سلامات» لمحمد قنديل عيونك سود وأقول مش سود عشان الناس تتوه عنك.. وتستمع فى «ألف ليلة وليلة» لأم كلثوم الله محبة الخير محبة النور محبة أو فى «سيرة الحب» ياللى ظلمتوا الحب وقولتوا وعيدتوا عليه قولتوا عليه مش عارف إيه، أو مع فريد الأطرش أسمع لما أقولك ولا أقولك مش ح أقولك ما انت عارف قصدى إيه من غير ما أقولك، هو أكثر شعراء الأغنية تكراراً للكلمة الواحدة أكثر من مرة فى نفس الشطرة الشعرية وفى كل مرة تزداد حضورا وعبقرية، وتأمل واحدة أخرى لمحرم فؤاد فى «ياغزال اسكندراني» بس يعنى قصدى يعنى قولى يعنى أومع محمد فوزى فى «الشوق» الشوق الشوق الشوق حيرنى الشوق الشوق سهرنى الشوق الشوق!! قالوا عنه «جواهرجي» الكلمات وقالوا أيضاً شاعر الألف أغنية.. لا أوافق أبداً على التقييم الرقمى للمبدع ولكنى بالفعل أراه مثل على بابا دخل الى مغارة الكلمات السحرية فاستحوذ على الزمرد والياقوت والمرجان.. قيمة «مرسى جميل عزيز» تقدر بعمق إبداعه وأيضاً بتلك الثورة الشاعرية التى أحدثتها كلماته فى مسار الأغنية العربية.. كان مرسى يلحن كلماته وهو يكتبها ولهذا توافقت أشعاره مع الموسيقار الكبير محمد الموجي، ولمرسى تعبير دقيق جداً عن عناق كلماته بأوتار عود الموجى يقول عندما أسلم كلماتى إليه أنام وأنا قرير العين.. قدم له فى البدايات «يامه القمر ع الباب» التى أحدثت ثورة اجتماعية قبل أكثر من 55 عاماً عندما قالت فايزة أحمد «يامه القمر ع الباب، خبط وقال يا أحباب، ردوا على الخطاب، ما عادش فيها كسوف، يامه اعملى معروف، قومى افتحيله الباب».. جرأة لم يألفها المجتمع العربي.. هاجموه بضراوة واتهموه بالخروج عن الأداب العامة فمنحه الرئيس جمال عبد الناصر ردا على الهجوم وسام العلوم والفنون، كتب ثلاثية أم كلثوم «سيرة الحب» ، «فات الميعاد» ، «ألف ليلة وليلة» كدفقة وقصة متكاملة من ثلاثة فصول وكان للموجى توأمه الفنى وجهة نظر فى تتابع بعض أبياتها ولهذا أسند تلحين الأغنيات الثلاث إلى منافسه اللدود بليغ حمدى فصارت من أفضل ما غنت أم كلثوم وأثبتت الأرقام أن هذه هى أكثر أغنياتها ترديدا حتى الآن!! تأملوا «طيب يا صبر طيب» لعبد المنعم مدبولى وتلحين كمال الطويل فى فيلم «مولد يا دنيا» ليه يا زمان العبر، سوق الحلاوة جبر، واحنا اللى كانوا الحبايب، بيسافروا بينا القمر، بقينا أنتيكا، دقى يا مزيكا!! ومن اللمحات المضيئة لمرسى جميل عزيز أنه كان يجيد العزف على العود ودرس السيناريو و وكتب للسينما «السندريلا» لتلعب بطولته عفاف راضى ولا أدرى ما هو مصيره الآن. حكى لى الموسيقار محمود الشريف أنه أثناء جلوسه معه فى نقابة الموسيقيين وكان بائع الثوم ينادى «توم الخزين يا توم «فوجد مرسى يكتب على نفس الإيقاع الموسيقي» توب الفرح يا توب « فصارت واحدة من أشهر أغنيات أحلام ،وحكى لى المخرج عاطف سالم أنه فى فيلم «يوم من عمري» قال له يا مرسى عايز غنوة فيها شقاوة يعنى ضحك ولعب وعلى الفور أضاف مرسى «وجد وحب» فصارت بلحن منير مراد وصوت عبد الحليم من أكثر الأغانى شقاوة وخفة ظل. هذا هو مرسى جميل عزيز الذى أصبح أسمه هو عنوان الابداع الصدق!! نشر بعدد 688 بتاريخ 17/2/2014 *