قبل ثلاثة أسابيع، كتبت أنعي صناعة السينما في مصر، واختتمت مقالي بأنها «تحولت من صناعة ثقافية كبري إلي أداة لتسويق الأفلام الأمريكية» «صوت الأمة 18/9/2010».. وشرحت في المقال ما آلت إليه الصناعة في مصر إنتاجا وتوزيعا، حيث تحولت شاشات العرض في موسم عيد الفطر المبارك من عرض الأفلام المصرية إلي الأفلام الأمريكية، وهي حادثة لم نشهدها طوال تاريخ السينما المصرية المديد. وتوقعت أن تكون هذه بداية النهاية لصناعة كانت كبري وعظيمة واستراتيجية، نتيجة ما يسودها من فوضي وسيطرة بعض المنتفعين وأصحاب المصالح عليها من أجل تحقيق أرباح سريعة علي جثة السينما المصرية نفسها! وخابت توقعاتي، وكم أنا سعيدا بهذه الخيبة «!!».. فما ان مرت 10 أيام فقط حتي كان لقاء الرئيس حسني مبارك مع عدد من الفنانين، وتحدث الفنان الكبير محمود ياسين إلي الرئيس بما وصلت إليه أحوال السينما، وكم كان بارعا في أسلوب طرح أزمة السينما، فقد قال ببساطة إنه منذ أن تخلت الدولة ووزارة الثقافة عن السينما وتعاملت معها علي أنها ليست من أدوات الثقافة، وتركت وزارة قطاع الأعمال تم وزارة الاستثمار تعبث بها كما تشاء فتبيع ما تبيع وتؤجر ما تؤجر، أصبحت أفلامنا سلعة رخيصة في خدمة من يدفع«!!».. وعلي الفور طلب الرئيس مبارك إعداد تقرير عن هذا الأمر، لتصحيح الأوضاع وعودة شئون السينما لوزارة الثقافة بدلا من وزارة الاستثمار، وأن تسترد الثقافة شركة مصر للصوت والضوء والسينما.. ومعني هذا القرار ببساطة أن السينما عادت لتصبح من أدوات الثقافة، وأن من يقوم باداتها هم السينمائيون أنفسهم كصناعة وفن وإنتاج وتسويق. إن ما طلبه الرئيس هو طوق النجاة الحقيقي والمنقذ للسينما المصرية الآن، صحيح أن هناك أوراقا كثيرة في حاجة إلي إعادة ترتيب وصياغة حتي تستفيد وزارة الثقافة من أخطاء الماضي في تعاملها مع السينما، وتصحيح أوراق أخري في تعاملها الحالي مع السينما بداية من دعم الإنتاج إلي اقامة المهرجانات ولكن الصحيح أيضا أن السينما تخلصت بلا رجعة من أن تكون «إعلانا» في الصحف عن مناقصات وبيع وشراء استثماري يتم بلا وعي ويهدم السينما المصرية من أجل تحقيق مكافآت مجزية لأعضاء مجلس إدارة الشركة القابضة التي تعاملت مع السينما والأفلام بمفهوم «بيع يا لطفي»!! ما أسفر عنه لقاء الرئيس مع الفنانين بعث الحركة والحياة في السينما فما هي إلا بضعة أيام حتي كان قرار مجلس إدارة جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار بتحويل التقرير الخاص بتوزيع الأفلام السينمائية المصرية إلي وزير التجارة والصناعة المهندس رشيد محمد رشيد لتحريك الدعوي الجنائية ضد شركات الأفلام السينمائية السبع، فهذه الشركات هي التي استفادت من انتقال أصول السينما من وزارة الثقافة إلي وزارة قطاع الأعمال، وكونت فيما بينها وبسبب سيطرتها علي «غرفة صناعة السينما» كيانات احتكارية للسيطرة علي السينما كصناعة وتجارة وفن، وهذا الملف كان مسكوتا عنه رغم ما ينشر في الصحف بشكل دائم ومستمر عن هذا الاحتكار الذي جعل حركة الإنتاج تصل إلي أدني مستوياتها في السنوات الأخيرة، والتي كادت تتوقف بعد قرار المحطات الفضائية بعدم شراء كل الأفلام كما كان يحدث قبل الأزمة المالية العالمية، أو شراء عدد محدود بأسعار أقل، وبالتالي وجدت هذه الشركات أن تسويق الأفلام الأمريكية أصبح أكثر ربحا، ويبعدهم عن المغامرة الانتاجية ليحتفظوا بالملايين التي ربحوها في سنوات «الفوضي» الماضية.. ولم تمر سوي 48 ساعة حتي اجتمعت «غرفة صناعة السينما» التي يسيطر عليها أصحاب الشركات الاحتكارية لتصدر بيانا بالاحتجاج علي قرار جهاز منع الاحتكار.. وسوف نري ما الذي سيحدث؟!.. وما يعنينا هنا أن «ملف السينما» قد فتح بعد أن ظل 20 سنة كاملة لا يجد من يتبناه حتي أصبحت حالة السينما المصرية تدعو للرثاء.. وأصبحت الكرة الآن في ملعب وزير الثقافة سواء برفع التقرير للسيد الرئيس لنقل شركة الصوت والضوء والسينما من وزارة الاستثمار إلي وزارة الثقافة، أو بتكوين لجنة من السينمائيين أو تكليف لجنة السينما بالمجلس الأعلي للثقافة بإعداد تصور لكيفية إدارة الشركة بعد عودتها للوزارة، وكيفية اتخاذ قرارات تعيد الحركة للسينما لتسترد قوتها ووعيها كصناعة وإنتاج وتوزيع وقيمة ثقافية فنية وإبداعية، وحسب معلوماتي إن جانبا كبيرا من هذه التصورات موجود بالفعل في لجنة السينما في شكل دراسات وأبحاث وقضايا تمت مناقشتها طوال السنوات الماضية. اتصور أن تتبدل أحوال السينما تماما خلال عام واحد، لأن قرار الرئيس مبارك سوف يكون له فعل السحر علي السينمائيين، فقد تعقدت الأزمة كثيرا وما طلبه الرئيس هو الحل لانقاذها مما وصلت إليه. أمنية أخيرة اتمناها من الرئيس حسني مبارك هي أن يسأل: ماذا فعلتم بخصوص أرشيف السينما المصرية وأين أفلامها؟.. هذا الملف مكتمل الأوراق تماما، ولكن أوراقه موضوعة في المكاتب ساكنة بلا حركة رغم وجود تصور كامل لتأسيس هذا الأرشيف القومي بعد أن أصبحت أفلامنا في حوذة المحطات الفضائية ولا نملك نسخة منها!!.. الدراسات موجودة والمكان موجود وإصدار قرار بقانون لتأسيس الأرشيف القومي ينتظر أن يأمر الرئيس به!.. شكرا سيادة الرئيس.