رئيس المخابرات العامة يستقبل الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي    أندية وادي دجلة تحصل على التصنيف الفضي في تقييم الاتحاد المصري للتنس    ال 11.. بلدية المحلة يعلن إقالة أحمد عبد الرؤوف بعد تذيل دوري المحترفين    انتخابات الأهلي - الخطيب: دورنا غلق الإدارة على أبناء النادي الذين يعرفون قيمته وثوابته    الحكومة تدرس إعفاء حملة وثائق صناديق الاستثمار بأنواعها من الضرائب على الأرباح    الرقابة المالية تلزم الشركات والجهات العاملة في الأنشطة المالية غير المصرفية بتعزيز بنيتها التكنولوجية والأمن السيبراني لديها    شيخ الأزهر يستقبل رئيس هيئة الأركان البريَّة الباكستانيَّة لبحث تعزيز التعاون المشترك    انفجار داخل مصنع وسط روسيا يسقط 10 قتلى    «إكسترا نيوز»: ما يدخل غزة لا يزال نقطة في محيط الاحتياج الإنساني| فيديو    حكم نهائي.. استبعاد هيثم الحريري من انتخابات مجلس النواب بسبب موقفه التجنيدي    لجنة "السياسات الإعلامية" تعقد أولى اجتماعاتها برئاسة خالد عبد العزيز    25 فرقة مصرية وأجنبية تشارك في اليوبيل الفضي لمهرجان الإسماعيلية    الزمالك يتقدم بشكوى ضد أسامة حسني للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام    تحويلات مرورية جديدة شرق الإسكندرية من غد الجمعة ولمدة 15 يوما    حنان مطاوع تكشف شعورها بعد ترشح فيلمها «هابي بيرث داي» ل الأوسكار    «في الحركة حياة» ندوة وورشة عمل بمكتبة الإسكندرية    هل تأخير صلاة الفجر عن وقتها حرام؟| أمين الفتوى يجيب    نائب وزير الصحة يوجّه بإنشاء عيادات جديدة لخدمة أهالي وسط سيناء    تمارين مثبتة علميا تساعد على زيادة طول الأطفال وتحفيز نموهم    معجنات الجبن والخضار.. وصفة مثالية لوجبة خفيفة تجمع بين الطعم وسهولة التحضير    محافظ كفر الشيخ: تسهيلات غير مسبوقة للجادين وإزالة معوقات التقنين لتسهيل الإجراءات    الأنبا إبرهام: الوحدة المسيحية تحتاج إلى تواضع وحوار ومحبة حقيقية    العاصمة الإيطالية روما تستقبل معرض "كنوز الفراعنة"    مساعد وزير الخارجية المصري: الاتحاد الأوروبي أصبح شريكًا اقتصاديًا بمعنى الكلمة لمصر    عبد المنعم سعيد: الحزب الجمهوري يرفض إرسال جنود أمريكيين لمناطق نزاع جديدة    محافظ بني سويف يتفقد مستجدات الموقف التنفيذي لأعمال المرحلة الثانية من تطوير نادي سيتي كلوب    التشكيل الرسمي لمنتخب مصر للسيدات أمام غانا في تصفيات أمم إفريقيا    محافظ سوهاج يتفقد فعاليات وأنشطة مبادرة " أنت الحياة " بقرية نيدة بأخميم    وزارة التضامن تحدد آخر موعد للتقديم في حج الجمعيات الأهلية 2026    رسمياً.. الاتحاد يشكو حكم مباراته ضد الأهلي    نادي الصحفيين يستضيف مائدة مستديرة إعلامية حول بطولة كأس العرب 2025    حكم الشرع في خص الوالد أحد أولاده بالهبة دون إخوته    حصيلة ضحايا الحرب على غزة تتجاوز 238 ألفا و600 شهيد وجريح    إسرائيل.. بن غفير يتفاخر مجددا بحرمان الأسرى من حقوقهم ويلوح بالإعدام    أسعار النفط تسجل 65.94 دولار لخام برنت و61.95 دولار للخام الأمريكى    بيتصرفوا على طبيعتهم.. 5 أبراج عفوية لا تعرف التصنع    العثور على جثة «مجهول الهوية» على قضبان السكة الحديد بالمنوفية    ب«لافتات ومؤتمرات».. بدء الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب في الوادي الجديد (تفاصيل)    فاليري ماكورماك: مصر مثال عظيم في مكافحة السرطان والتحكم في الأمراض المزمنة    الداعية مصطفى حسنى لطلاب جامعة القاهرة: التعرف على الدين رحلة لا تنتهى    الداخلية تواصل حملاتها لضبط الأسواق ومواجهة التلاعب بأسعار الخبز    رانيا يوسف تكشف الفرق الحقيقي في العمر بينها وبين زوجها: مش عارفة جابوا الأرقام دي منين!    السادة الأفاضل.. انتصار: الفيلم أحلى مما توقعته ولا أخشى البطولة الجماعية    النيابة العامة تنظم دورات تدريبية متخصصة لأعضاء "الأسرة".. صور    البنك الأهلي يحصد شهادة التوافق لإدارة وتشغيل مركز بيانات برج العرب من معهد «Uptime»    مستشار رئيس الجمهورية ومحافظ أسوان يشيدان بمستوى التجهيزات التعليمية والخدمات المقدمة للطلاب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    وزارة الدفاع الروسية: إسقاط 139 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    الجيش الثالث الميداني يفتتح مزار النقطة الحصينة بعيون موسى بعد انتهاء أعمال تطويره    بسعر 27 جنيهًا| التموين تعلن إضافة عبوة زيت جديدة "اعرف حصتك"    حجز الحكم على البلوجر علياء قمرون بتهمة خدش الحياء العام ل29 أكتوبر    الصحة توقع مذكرة تفاهم مع الجمعية المصرية لأمراض القلب لتعزيز الاستجابة السريعة لحالات توقف القلب المفاجئ    مقتول مع الكشكول.. تلميذ الإسماعيلية: مشيت بأشلاء زميلى فى شنطة المدرسة    شبكة العباءات السوداء.. تطبيق "مساج" يفضح أكبر خدعة أخلاقية على الإنترنت    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    محمد صلاح.. تقارير إنجليزية تكشف سر جديد وراء أزمة حذف الصورة    سعر اليورو مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025 في البنوك المحلية    تهديدات بالقتل تطال نيكولا ساركوزي داخل سجن لا سانتي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشويه الفلسفة
نشر في صوت الأمة يوم 30 - 03 - 2014

منذ نعومة أظافري وأنا أعايش حالة عشق خاص للفلسفة ، كنت أجد ذلك شئ طبيعي لكون والدتي هي الأستاذة الدكتورة آمنة نصير أستاذ الفلسفة . وعندما درسنا الفلسفة في المرحلة الثانوية كنت أجد كثيراً من الزملاء يتعاملون مع هذه المادة بريبة وعدم ارتياح بحسبانها وسيلة ناجحة للتشويش علي العقل .
فكرت أن أتخصص في دراستي الجامعية في هذا العلم المحرك لمياه العقل الراكدة ، لكن عشق القانون وعلوم الشريعة غلبتني علي أمري وقادتني إلي كلية الحقوق .. مع تقدم السن ورصيد الخبرات استيقنت أن مصطلح الفلسفة منذ القرن الثاني الهجري وحتى اليوم مازال مصطلحًا مشبوهًا، منبوذًا، محاطًا بإرث تاريخي يُلاحق الكلمة باعتبارها بوابة للفتنة والبغي والانحراف، أو في أخف الأحوال يغلف النظر إليها بعين مليئة بالارتياب. حين بدأت بواكير العصر الذهبي للعقل الإسلامي في مطلع القرن الثالث الهجري وكان فاتحة الخير فيها حركة الترجمة التي أشعلها المأمون العباسي من خلال مؤسسة بيت الحكمة في بغداد التي كانت أول جامعة في التاريخ تربط بين الحضارة اليونانية والإسلامية، وبدأت الترجمات من اليونانية والفارسية والسريانية إلى العربية تترى، والمأمون يكافئ كل مترجم بوزن الكتاب الذي يترجمه ذهبًا، بدأت تتغلل أفكار فلاسفة الإغريق إلي العقل العربي الجامد ، ظهرت في بغداد المذاهب الكلامية، التي انفتحت على منهج عقلي يغوص في ما ورائيات الوجود، في ظل بيئة علمية يسيطر عليها النظر الفقهي المادي الذي يتعامل مع أحكام المكلفين؛ بوصفها حالة مادية، بعيدًا عن عالم الميتافيزيقيا والرؤية الكليَّة للكون؛ فجاءت كالمطر في أرض عطشى تشرَّبتها بقوة...
ومن هنا بدأت معركة الشد والجذب بين العقل الفقهي التقليدي والعقلية الفلسفية التي تخترق الحجب المادية .. جاء دور علم الكلام ليسعى إلى تأسيس النظر العقلي في الله عز وجل ، لينتقل بالعقل العربي من دائرة التقليد في العقائد إلى اليقين بها ، وكان ذلك هو البداية الأولى لممارسة الفلسفة في البيئة الإسلامية، مع الأخذ في الحسبان أن علم الفلسفة أشمل وأوسع، لا ينحصر فقط في جانب الإلهيات، وإنما يدخل في كافة العلوم . بل وفي مرحلة تاريخية كانت الفلسفة هي المعنى المقابل للعلم، فشملت الفلسفة بجلبابها الواسع العلوم العقلية والنظرية والتجريبية؛ فهي في بعض تعريفاتها: منهج شامل يسعى إلى الوصول للحقيقة دون التقيد بمسلَّمات مسبقة. في فترة انتعاش الجدل الكلامي الذي بدأت منذ نهايات القرن الثاني الهجري، كان هجوم الفقهاء عنيفًا ضد الموروثات والأصول الثقافية التي أمدت علم الكلام بالازدهار، وبالطبع على رأسها الفلسفة اليونانية .. أثر ذلك أن نشأ شبه إجماع بين فقهاء المذاهب الأربعة على كراهة الفلسفة والتي تعارف عليه الناس بعلم الكلام ، بل والقول بتحريمها أحيانًا، ويصل الأمر إلى حد الإقصاء والملاحقة عند الإمام الشافعي الذي قال: منهجي في أهل الكلام تقنيع رؤوسهم بالسياط، وتشريدهم في البلاد ، وفي رواية أخرى: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام. وضع علم الكلام في مواجهة مباشرة مع الكتاب والسنة ، فإما أن تكون مؤمنًا ملتزمًا نقيًّا من شرور هذا العلم، أو تنغمس فيه وتتهم بالزندقة، ولذلك يروى عن الإمام أحمد قوله: علم الكلام زندقة، وما ارتدى أحد بالكلام إلا كان في قلبه دغل على أهل الإسلام؛ لأنهم بنوا أمرهم على أصول فاسدة أوقعتهم في الضلال. مبكراً تم وضع الدين في مواجهة مع علم الكلام أو الفلسفة ، ونسب اليها كل شر ، فبجذورها نشأت الفرق والبدع، وخاض الناس في أسماء الله وصفاته بعقولهم ، وانتهى الحال بعلم الكلام .
حديثاً توسع محمد إقبال فهاجم وانتقد ما يوصف بأنه المرجع والمؤسس ل"علم الكلام"، (الفلسفة اليونانية)، فقال: صحيح بأنها (أي الفلسفة اليونانية) وسعت من آفاق النظر العقلي عند مفكري الإسلام، إلا أنها غشت على أبصارهم في فهم القرآن، والسبب في ذلك هو اختلاف نهج القرآن عن نهج الفلسفة اليونانية، فالمعرفة عند المسلمين تبدأ من المحسوس، وتنزع إلى الملاحظة، بخلاف المنهج الإغريقي الذي انحصر في الاستنباط من مقدمات جاهزة، وابتعد عن الطبيعة المحسوسة .
ومن هنا بدأت المواجهة العقائدية والفقهية ، وتوسعت من علم الكلام إلى كافة فروع الفلسفة ، فسحبت الأوصاف المطلقة على المنشغلين بعلم الكلام، وعممت جميعًا على المنشغلين بالفلسفة، واعتبر الحقلان في مسار واحد كلاهما يؤدي إلى ذات النتيجة. لدرجة وصف فيها الشيخ عبد القاهر الجرجاني وهو من أعيان فقهاء الشافعية الفلسفة بالكفر، وأدرج المنشغلين بها في عداد أهل الأهواء الخارجين على ملة الإسلام، فهم من الكفرة الذين لا تؤخذ منهم الجزية ويقتلون !! وفي كتاب (تلبيس إبليس) لابن الجوزي، قال موجِّها انتقادًا شديدًا للفلاسفة: إنما تمكن إبليس من التلبيس على الفلاسفة من جهة أنهم انفردوا بآرائهم وعقولهم، وتكلموا بمقتضى ظنونهم من غير التفات للأنبياء . أما ابن القيم الجوزية فيصف المنشغلين بكلام المعلم الأول ( أرسطو) بأنهم ملاحدة، حيث قال في (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان)، : "والمقصود أن الملاحدة (أي الفلاسفة) درجت على أثر المعلم الأول (أرسطو)، ثم انتبهت نوبتهم إلى معلمهم الثاني (أبي نصر الفارابي).. الذي كان على طريقة سلفه من الكفر بالله تعالى، وملائكته ورسله واليوم الآخر !! وإذا كانت الفلسفة تقوم في جوهرها وأصلها على تحرير العقل واستعماله بدون قيد، لكن الشهرستاني في مقدمة كتابه (الملل والنحل) قال بأن أول شبهة وانحراف وقعا هي حين عصى الشيطان أمر ربه؛ وسبب ذلك أنه استعمل العقل والحجة ولم يكتف بالتسليم.. لذلك -وفقًا للشهرستاني- فإن كل انحراف وشبهة سببه هو إعمال العقل، "فشبهة إبليس لعنه الله مصدرها استبدادها بالرأي في مقابلة النص، واختياره الهوى في معارضة الأمر".
وستظل المعركة مشتعلة بين الفلاسفة والفقهاء إلا من رحم ربي .. وأدرك أن السبيل بينهما مفتوح للاتفاق بين أعمال العقل للوصول للفهم الأصوب للنص


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.