الفرحة هى البشرى التى تنتظرها كثيرا، هى البهجة التى تغوص فيها، هى السرور الذى يداعب وجدانك، هى المسرة التى تسرى فى عروقك. ليست تلك الحالة التى تنتابك لفترة قصيرة، عندما ترى مشهدا يمنحك السعادة لوهلة، بل هى شجرة تضع بذرتها فى قلبك، وأغصانها تتدلى على وجهك، كلما سقيتها، كلما فردت جناحيك لتطير فى فضائها. الفرحة امرأة تسكنها، أرضا تحط فيها رحالك الطويلة المتعبة، حالة من الدفء يحميك من صقيع يحاصرك، أنبوب أوكسجين يمدك بأسباب الحياة تحت ماء السياسة الثقيل. البحث عن الفرحة بات مسألة شديدة التعقيد، محفوفة باليأس، وسط أجواء من الكآبة التى تجتاح مصر من غربها لشرقها، ومن شمالها لجنوبها. فقد يكون صانع الفرحة قائدا عسكريا شجاعا، وقد يكون لاعب كرة موهوباً، وقد يكون موظفا مخلصا، وقد يكون مغنيا او ممثلا منحه الله القبول. وقد يكون شخصا خياليا اخترعه عشاق الفرح، وقد يكون جسدا تحمل تفاصيله سر الفرحة. هم فى النهاية أشخاص قد تتفق معهم أو تختلف، لكن فى النهاية منحوا ملايين المصريين تلك الفرحة المنشودة. عبدالفتاح السيسي: اختلف معه قدر ما تشاء، اعشقه كيفما تريد، أرفض طموحه «المشروع» فى الترشح، أقف واهتف باسمه فى الميادين، لكن لا أحد ينكر، أن فعلته يوم 3 يوليو كانت الفرحة التى لا تضاهيها فرحة، والتى بلغت عند البعض ما يفوق تنحى حسنى مبارك يوم 11 فبراير. قد لا أنجذب كثيرا، لطريقة أداء الفريق السيسى أثناء إلقائه خطاباته، رغم أن البعض يهيم بها طربا، لكن صوته فى ذلك اليوم والذى كان الاستثناء الوحيد تقريبا لطريقته الدائمة فى مخاطبة العواطف، حول مصر وما حولها، إلى منفذ وحيد للفرحة فى المنطقة. صدقى صبحي: اختفى فترة ليست بالقصيرة، حتى ظن الناس به سوءا، لكن التسريبات التى انفردت بها صوت الامة، حول رحلته الغامضة الى روسيا والصين والهند، قد قلبت الظن السئ، الى ذلك الذى يغذى شرايين العزة، والكرامة. جاء صدقى صبحى بخبر أكبر صفقة اسلحة فى التاريخ العسكرى المصري، فى وقت كان الامريكان قد أذلونا بتصريحات وقف المعونة العسكرية، وايقاف نقل الطائرات المقاتلة اف 16 التى سبق وان اتفق الجيش عليها الى مصر. اتفق صبحى مع الروس على شراء 24 مقاتلة متقدمة للغاية، وانواع مختلفة من الصواريخ ذات الانظمة المتطورة، التى تستطيع اصابة الهدف بدقة متناهية، وبسرعة غير عادية، فضلا عن صواريخ كورنيت المضادة للدبابات شديدة التحصين مثل الميركافا الاسرائيلية، التى كانت فى ما مضى تمثل عقدة لدى القوات البرية المصرية. أصبح الخبر كالصدمة المفرحة، وبات بإمكان المصريين ان يحققوا أمل تنويع السلاح، ليكون بداية لمرحلة التصنيع، والتى كانت جوهر مفاوضات صبحى فى الهند والصين. عصام الامير: فترة قصيرة مضت على جلوس عصام الامير على كرسى رئيس اتحاد الاذاعة والتليفزيون، لكنها كانت حبلى بالعقبات والمشاكل. كان الكثيرون (وانا منهم) يشفقون على الرجل مما ورطته فيه الدكتور درية شرف الدين، عندما رشحته لهذا المنصب، خاصة أن ما من مسئول وضل قدمه فى هذا المكتب، الا واصابته لعنة ماسبيرو، إما ان يكون فى سجن الداخلية، او فى سجن النسيان بعد وابل من الهجمات التى لا قبل لأحد بها. ظل الامير يسعى لإحداث فرق، هكذا هى عادته، وطموحه فى أى مكان يتم توريطه فيه. وضع نصب عينيه أن يعيد للمبنى امجاده، قوته، والاهم من كل هذا «شرفه» الذى بات فى الوحل. قبل أن ينتهى الاسبوع الماضى بساعات، كان الامير قد ضرب «خبطته» الاولى، ووقع عقدا بشراء الدورى المصرى الذى ظل حكرا على شركات خاصة. الان بات للمشاهد المصرى ان يفتح تليفزيون بلده، ليرى فيه دورى كرة القدم، وبدلا من ان تجنى الفضائيات «الخاصة» مليارات المكاسب، آن الاوان ان تكون لخزانة الدولة نصيب من تلك المليارات. ابراهيم محلب: هو مهندس بدرجة صنايعي، يعرف جيدا، متى وكيف يعمل، واعتقد ان الشئ الوحيد الذى لا يعلم عنه شيئا هو متى وكيف يتوقف عن العمل. بعد كل مصيبة يتهرب المسئولون منها، تبحث عنهم، فلا تجدهم الا لالتقاط الصور، وبمجرد ان تتوقف الكاميرات عن العمل، يختفون. على عكسهم محلب، تجده يقف فوق سقالة الانشاءات، او فوق ركام الحطام، إما ليستمع كيف يبني، او يشير كيف يعيد بناء ما تم هدمه. هو أقرب للمخلص الذى يأتيك بالحل، عندما تعجز البيروقراطية عن العمل، وعندما تتوقف ماكينة التصريحات الاستهلاكية، تسمع فقط صوت معداته العملاقة، وعماله المهرة وهم يكتبون قصائد البناء. مجلس الشورى يشهد، المجمع العلمى يتكلم، محور 26يوليو بعد التعديل موجود، وقريبا مديرية أمن الدقهلية وكلية تجارة الازهر. فقط أنصحه، أن يبعد ابنه عن العمل فى قطاع المقاولات الحكومية، ليحمى سمعته، ومستقبله الذى ينتظره، ليستمر كما هو صانع الفرحة. محمد صلاح: قد لا أكون كرويا عالما ببواطن اللعبة، وقد لا أكون متابعا للكرة العالمية، لكنى أدرك فرحة المصريين وهم يتابعون أخباره، ويشيرون أهدافه. جميل جدا أن تجد من يشعرك بالفخر، أن يكون مصريا ذلك الذى يشار إليه بالبنان، تسعد أن يتخذه ابنك مثلا يحتذى، وطموحا يسير إليه. محمد صلاح استطاع أن ينتزع صرخة الفرحة من أفواه المصريين، مع كل هدف يدخل مرمى خصم بازل، أحد اندية سويسرا التى بات دوريها جزءاً من الوجبات الكروية الأسبوعية لعشاق الكرة المستديرة فى مصر، بجانب الدورى الأوروبي. دنيا سمير غانم: هى الدليل العملى على توريث القبول، وحب الناس، فليس هناك فنان اسطورة استطاع ابنه ان يدرك نسبة من جماهيريته. فماذا فعل ابن محمود عبد العزيز، او ابن عادل امام، فى حقيقة الامر لا شئ، اما دنيا فقد صنعت حبا فى سنوات خمس يقارب ذلك الذى بناه والدها فى خمسين سنة. تملك دنيا صوتا ليس كأم كلثوم، لكنه كالعندليب يمتلئ احساسا يكفى قلوبا متعطشة بالملايين، وتمتلك قدرة على التمثيل ليس كسناء جميل، لكنه كالسندريلا تمسك تلابيب القلب قبل العقل. صافينار: يخجل الكثيرون وهم يتحدثون عن الراقصة صافيناز، لكنهم لا يخجلون وهم يتابعون كليباتها على النت. لا تستطيع ان تمسك نفسك من الابتسامة، وانت تشاهدهم يتفحصون جسدها المتحرك جزءا جزءا. انفجرت اسطورة صافينار، كأن قلوب المصريين بها لوعة، وهى فى الحقيقة، لا يسكنها سوى اللوعة لهذه الاجساد المصنوعة بعناية، والتى يستحيل أن تدركها المصريات، إلا فيما ندر. وعبر سلوك التعويض، عبر المصريين الى النت، ليجدوا ما يفتقدونه فى صافينار، حتى ولو كان العبور فى السر أو فى الخفاء، لكنه يمنحهم فرحة تكاد تغمرهم. اساحبي: شخصية كرتونية، ليست فى الاصل مصرية، لكنها انتشرت فى مصر، ومنحها المصريون الجنسية واللغة، وأسبغوا عليها عاداتهم وسخريتهم. هى فى المقابل منحتهم احساساً جميلاً بالفرحة، فى كل نكتة، وفى كل قفشة، وفى كل سخرية. فى هذه الشخصية صب المصريون جام رغبتهم المكبوتة، وجعلوها وعاء يشرب منه كل متعطش للفرحة والسعادة، تماما كسبيل الماء لكل غاضب، وناقم، ومكتئب، وحزين. يكفى ان تكتب حروف اسمه فى خانة البحث، سواء على محرك جوجل او ياهو، او فيس بوك او تويتر، فتجد سيلا من السخرية، ترسم على وجهك فرحة، تمنحك طاقة ضحك تشحن بها حياتك. باسم يوسف: ظلت السخرية، سلاحا منيعا على لسان المصريين يطعنون به كل ظالم، ويفتكون به من كل جبار، ويذلون به كل متكبر لا يؤمن بحق الشعوب فى الحياة الكريمة. امتلك باسم يوسف هذا السلاح، واحتكر توريده إلى قلوب المصريين، فباتوا فى محرابه قائمون ليل نهار، إن فاتهم اللقاء الاسبوعى انتظروا وقت الإعادة، وإن فاتهم جلسوا على شاشات الكمبيوتر يعيدون ما فاتهم عشرات المرات. فى داخلهم شعروا بالأمان، كلما عصفت بهم الشدة، كلما حاصرتهم المحن، كلما طوقتهم المصائب، اطمأنوا أن باسم سوف يخلصهم مما هم فيه ولو لدقائق. حتى بعد أن منعت حلقاته، وأبعد عن المشهد، ظل باسم قبلة الباحث عن فرج همه، نهاية حزنه، راسم الفرحة الذى لا ينافسه سوى زملائه صانعي الفرحة. صناع الفرحة نشر بعدد 682 بتاريخ 6/1/2014