· برع الكاتب والروائي فتحي غانم في رسم وتقديم شخصية الانتهازي في رواياته، وعندما قدمت علي الشاشة من خلال فيلم «الرجل الذي فقد ظله» لكمال الشيخ، أو من خلال مسلسل «زينب والعرش» ليحيي العلمي شاهدها الناس بشغف كبير يحمل فيلم «تلك الأيام» قدرا واضح وحقيقيا من الجهد والاجتهاد بهدف تقديم صورة ورؤية وحالة فنية مختلفة، ولكنه يحمل ايضا قدرا ملموسا من الارتباك والتعلثم، الذي يجعل المشاهد- طوال الوقت- غير مستمتع ويتململ في مقعده!برع الكاتب والروائي فتحي غانم في رسم وتقديم شخصية الانتهازي في رواياته، وعندما قدمت علي الشاشة من خلال فيلم «الرجل الذي فقد ظله» لكمال الشيخ، أو من خلال مسلسل «زينب والعرش» ليحيي العلمي شاهدها الناس بشغف كبير، حيث رصد تعاملها مع المجتمع والمتغيرات السياسية حولها بمهارة، وقدم من خلال طموحات هذه الشخصية واقعا سياسيا كاشفا أوراقه في فترة زمنية محدودة وفاضحا لفساده وكانت «تلك الأيام» صورة أخري لشخصية الانتهازي الذي قرر أن يدخل حلبة السياسة ليصبح لاعبا في خدمة السلطة، وهو هنا أستاذ جامعي، وليس صحفيا أو سياسيا محترفا. الشخصية الانتهازية الطموح التي تلعب سياسة- ولدينا حاليا عدد لابأس به منها- تتمتع بجاذبية درامية سواء بالنسبة للقارئ أو المشاهد، لانه يريد أن يعرف من أي «عجينة» خبزت حتي امتلكت هذه القدرات علي التلون، ولوي الحقائق، وتجميل الاكاذيب، والتستر والمشاركة في الفساد، ودراما هذه الشخصية تكمن في أنها تطرح عكس ماتعرف من حقائق، وضميرها لايعرف التأنيب فهي باردة الدم والمشاعر.. وقد تقمصها محمود حميدة في «تلك الأيام من خلال شخصية «د. سالم عبيد» بهذا المفهوم، فشاهدنا «نموذج» للانتهازي وليس شخصية درامية، ولاشك في أن ذلك يمثل رؤية المخرج، ولكنها لم تكن في صالح الفيلم. رواية فتحي غانم التي حولها المخرج أحمد غانم مع السيناريست علا عز الدين إلي فيلم كانت تقدم الانتهازي الذي كان مفضلا وتحول بعد الاعتقال البوليسي إلي عميل للسلطة يقدم نفسه للرأي العام عطي أنه ذلك المناضل القديم، ومثل هؤلاء بالنسبة لأي سلطة ورقة رابحة وتدور احداثها في الاربعينيات والخمسينات حيث المشهد كالتالي : حكم ملكي وصراع حزبي ثم ثورة الجيش واستعمار إنجليزي وشباب يقاوم «وقد قام المخرج احمد غانم بتعديل المشهد السياسي ليصبح معاصرا حيث سلطة تحكم ومعارضة تقاوم، وجماعات متطرفة وتدخل غيرمباشر من القوي الأعظم في العالم الآن التي هي أمريكا التي تدعم إسرائيل، ودور استاذ الجامعة هنا أو «د. سالم عبيد» هو تجميل سطوة وفساد السلطة ودعم التوجهات الامريكية واعداد بحث عن جماعات التطرف ويقدمه الفيلم وهو يلعب علي كل الاحبال مستخدما الحوار والتقابل المباشر مع الشخصيات التي ترمزلهذه القوي: رجل السياسة الذي يعده بمنصب وزاري واستاذه الامريكي، والسفيرة الأمريكية، ويعتمد علي ضابط شرطة «احمد الفيشاوي» في التعرف علي اساليب الجامعات المتطرفة.. وهنا تسقط كل التفاصيل الصغيرة التي توحي وتعري المناخ السياسي السائد، وتستبدل بالحوار وتلك المناظرات السطحية التي تقوم عليها برامج التوك شو المعاصرة.. ويضيع الفيلم بين «تلك الأيام» التي أصبحت تاريخا كما قدمها فتحي غانم، وايامنا هذه كما أرادها احمد غانم. حاول احمد غانم ان يكون امينا مع رواية والده، واحتفظ بالابطال الثلاثة: الانتهازي وزوجته والشاب الإرهابي، وترك لكل شخصية مساحة حركة منفردة فقد الصراع الكثير من اثارته وسخونته وبدت أزمة الضابط الشاب مفتعلة كماكان ارتباطه وجدانيا بالزوجة «ليلي سامي» مبتورا وطول الوقت يحاول أن يشعرنا أن هناك مشاعر تنمو بينهما ولكن لايريد- بشكل اخلاقي- أن تتطور العلاقة بينهما حتي تحتفظ كل شخصية بدرجة من المثالية وتظل ازمتها الحقيقية لاتخرج عن دائرة استاذ الجامعة الانتهازي وقد حاول أحمد الفيشاوي أن يمنح شخصية الضابط حيوية ونبضا ولكنه ظل اسير ازمته التي لايعرفها هو شخصيا.. اما الوجه الجديد «ليلي سامي» فهي ممثلة واعدة بكل تأكيد، فهي تملك حضورا ووجها معبرا، ولكن ما هي علاقتها بشخصية «أميرة»؟! فهي كملامح وتعبير وتكوين لايمكن أن تكون الفتاة التي اراد أستاذ الجامعة أن يجعلها مكملة لوجاهته الاجتماعية، كما أنها كامرأة خائنة- علي المحمول فقط- جعل ليس لها دور فوق رقعة الشطرنج. إن مشكلة «تلك الأيام» أن شخصية الانتهازي التي نجدها مع كل نظام سياسي، وفي كل مرحلة تكتشف ملامحها ودورها من خلال المناخ الذي حولها، ولايمكن أن يكون انتهازي الخمسينات هو نفسه الموجود حاليا في الألفية الجديدة دون تغير، فمهارته تختلف والوسائل التي يلعب بها والتي تطورت مع الوقت تجعله مختلفا واكثر ذكاء وقدرة علي اخفاء طموحه وانتهازيته.. أما إذا كان الهدف تقديم معالجة عن «شخصية» الانتهازي نفسها، وذلك يبدو من اسلوب الفيلم فإن هذا كان يتطب أن نتوقف أمام الصراع الذي يدور بداخله وليس ملاعبة نفسه «شطرنج» وبالتالي فأن شخصية الأم مثلا التي قامت بها «صفية العمري» كان لابد أن يكون لها دور أهم بكثير من الذي شاهدناه، رغم أنها كانت أفضل شخصيات الفيلم في البناء الدرامي، ونفس الأمر مع شخصية الزوجة التي كانت طالبة وأحبها الاستاذ لماذا هواها؟.. وما الذي منحته لشخصيته الانتهازية؟!. يعيد الفيلم التجربة الثانية لكاتبة السيناريو علا عز الدين بعد فيلم «ولد وبنت» وهي تستحق ان نرحب بها وإن كانت تحتاج إلي المزيد من الخبرة والتعامل بشكل أعمق مع شخصياتها افعالا وردود أفعال.. أما احمد غانم فقد خاض تجربة ثرية بكل تأكيد ولكنه خاض في قضية معقدة يكون التعامل معها بشكل تقليدي أو نمطي ودون رؤية وقراءة متعمقة لمايحدث حولنا نوعا من البطولة الزائفة، فمثلا رغم جماليالت الصور في مشاهد عديدة إلا أن الظلال الكثيفة التي استخدمها مدير التصوير أحمد عبدالعزيز كانت ضد الشخصية الرئيسية بالفيلم لأن جزءا اساسيا من شخصية الانتهازي الطموح أنه يبدو لكل من حوله كشخصية مبهرة تتجمل بالاضواء وليس الظلال، كما أن البحث عن اصول الشخصيات وازمتها من خلال مونتاج أحمد داود، والعودة للفلاش باك بكثرة أثر سلبا علي ايقاع الفيلم.. وعلي أي الاحوال نحن امام ومع مخرج جديد نستطيع ان نقول إنه ولد في «تلك الأيام»!