كتب الباحث الأمريكى ستيفن كوك وهو أحد المتخصصين فى الشأن المصري تحليلاً عن أسباب العداء المصرى التركى الأخير أشار فيه إلى أن الأسباب التى أدت لهذا التدهور الأخير فى العلاقات أعمق بكثير من مجرد تصريحات أردوغان المتكررة والتى أغضبت مصر بأسرها. قال كوك أنه رغم الدفء الذى تمتعت به العلاقات المصرية التركية فى عهد مرسى غير أن العداء المشترك والتنافس الاستراتيجى كان السمة الغالبة للعلاقة بين البلدين وهى أيضاً الملامح التى ستشكل مستقبل تلك العلاقة، ويرى كوك أن انتقاد أردوغان لما حدث بمصر فى الثالث من يوليو ودعمه المستمر للإخوان المسلمين هو السبب الآنى للقرار المصرى بخفض التمثيل الدبلوماسى ولكن واقع الأمر هو أن هذا الخلاف طويل يعود إلى سنوات سابقة، وبالتأكيد سيضيف منتقدو رئيس الوزراء التركى تدهور العلاقات مع مصر إلى قائمة متزايدة من التصريحات والمواقف والسياسات المحيرة ولكن لا يمكن إلقاء اللوم على أردوغان وحده بشأن النزاع بين القاهرةوأنقرة، فالأتراك اليوم يعانون من علاقات صعبة مع كل الدول المهمة فى الشرق الأوسط، وهناك قضايا سياسية وبنوية خافية مهدت للنزاع الحالى مع مصر، فقبل 25 يناير كانت العلاقات التركية المصرية سليمة ولكنها لم تكن دافئة فى كثير من الأحيان، ولم يكن مبارك يحب أردوغان وكان الانطباع السائد لدى الجميع أن هذا الشعور متبادل بين كليهما لأن كليهما كان مختلفاً تماماً عن الآخر، فمبارك كان متقدماً فى العمر واتسم سلوكه بالحذر والرزانة والاستبداد، بينما كان أردوغان صغير السن وديناميكياً ويتمتع بشخصية قوية وسلوكاً إصلاحياً قبل أن تظهر نزعاته الاستبدادية مؤخراً، وبينما كان مبارك متشككاً فى الإسلاميين ولم يكن مهتماً بالتنوع التركى الذى عادة ما كانت الصحافة تصفه بالوسطية، كان أردوغان يكره طبقة العسكريين المحترفين التى جاء منها مبارك. وبعيداً عن تلك الاختلافات فى الشخصية، كانت السياسة الخارجية النشطة لأردوغان ورغبته فى مهاجمة الإسرائيليين تعدت ما كان مبارك يعتبره مجال النفوذ الطبيعى لمصر كما أن سلوك أردوغان تجاه إسرائيل جعل مبارك فى وضع محرج، وكثير من قوة أردوغان فى الشرق الأوسط تكمن فى موقفه المعادى لحصار إسرائيل لقطاع غزة وهى السياسة التى كان مبارك بطبيعة الحال متورطاً فيها، وكان مدير المخابرات الراحل عمر سليمان يحمل ضغينة لتركيا بسبب تدخلها فى الشأن الفلسطينى، وعلى نحو خاص تطور العلاقات بين أنقرة وحماس، وكانت وجهة نظر عمر سليمان فى هذا الشأن أن تلك العلاقة تضر بقدرته على ممارسة الضغوط على حماس حيث أوجدت لها بديلاً محترماً عن العلاقة مع سوريا وإيران، وبالنسبة لمبارك وسليمان كان المكان الملائم لتركيا فى المنطقة هو أن تكون على الهامش، وبغض النظر عما حدث للمصريين أثناء الفترة الأخيرة من حكم مبارك، لا يزال قادتهم يقرون بادعاء النفوذ والمكانة الإقليمية وببساطة لم يكن المصريون ليخضعوا لجهود أنقرة لاحتلال مكانهم التقليدى. وحتى الإخوان المسلمين لم يحبوا الإسلاميين فى تركيا رغم أن نجاح حزب العدالة والتنمية الذى يتزعمه أردوغان كان ملهماً لهم، فالإخوان يعتبرون أنفسهم أصل الحركات الإسلامية وينظرون للحزب التركى على أنه مكون من أتراك مبتدئين من الليبراليين والقوميين، ولكن قدر الإخوان بعمق موقف أردوغان كأول زعيم عالمى يطالب مبارك بالاستماع لشعبه ويتنحى، وبعد سقوط مبارك سعى الإخوان لبناء علاقات مع الأتراك الذين يمكن أن يكونوا مصدراً هاماً للدعم السياسى والاقتصادى والدبلوماسى لمصر ولأنفسهم، ومنذ أواخر عام 2011 وحتى عام 2013 بزغ نجم أردوغان، فقد كان حزبه وداعموه منتصرين، وكان من الواضح أن القرن الحادى والعشرين هو القرن التركى فى منطقة الشرق الأوسط وكانت الحركات الإسلامية التى وصلت حديثاً إلى السلطة تنظر إلى أنقرة كقيادة لها، وكانت مصر تحتل موقعاً مركزياً فى الطريقة التى تخيلت بها قيادات حزب العدالة والتنمية مستقبلها، ولأنه كان أسير أسطورته الشخصية كسيد لتركيا والمنطقة، حاول أردوغان فرض خبرة حزبه على الإخوان وعلى مصر، ولأنه كان يرى أن الإخوان هم نظير حزبه التركى، أعتقد الأتراك أن الإخوان سيتبعون نفس المسار الناجح للحزب التركى، وحتى بعد أن زادت حدة المعارضة لمرسى عندما بات من الواضح أنه لا نية حقيقية لديه للتمسك بمبادئ الثورة، كانت القيادة التركية ترفض أن ترى ما يحدث بالفعل فى مصر، وبدلاً من ذلك ألقى أردوغان ومستشاروه باللوم على واشنطن والغرب بشأن المتاعب التى يعانى منها مرسى لأنهم رأوا أن واشنطن على نحو خاص لم تكن تحتمل تراكم السلطة فى يد الإسلاميين، وكان ذلك يتناقض بالطبع مع آراء الغالبية الساحقة من معارضى مرسى الذين اتهموا الولاياتالمتحدةوتركيا بدعم الإخوان المسلمين على حساب المجتمع المصرى. وبعد 3 يوليو كان الاتراك من أوائل المنتقدين لم حدث نتيجة تجاربهم السيئة مع الانقلابات العسكرية فى بلادهم ولكن هناك أسباباً أكثر تعقيداً تمكن خلف العداء المرضى للسلطات المصرية الجديدة، فالدعم الشعبى المصرى الكاسح لما حدث فى 3 يوليو هو فى واقع الأمر كان رفضاً للنموذج التركى الذى ارتبط بشكل مباشر بأردوغان، ورغم أن قيادات حزب العدالة والتنمية ترفض كلمة «نموذج» وتعبر عن ذلك علناً غير أنهم فى مجالسهم الخاصة يؤمنون بها، فهم يعتبرون تجربة تركيا فى التحرير السياسى والاقتصادى تحت قيادة شعبية منتخبة لحزب إسلامى بمثابة نموذج مثالى تسير عليه الدول العربية، وعندما خرج المصريون إلى الشوارع بالملايين فى 30 يونيو مطالبين بإنهاء حكم محمد مرسى وأستجابة القيادة العليا فى مصر كان ذلك بمثابة ضربة مؤثرة لرؤية حزب العدالة والتنمية لدور تركيا القيادى، ولهذا فلا عجب من أن رئيس الوزراء التركى غاضب مما حدث، وما دامت أكبر دولة عربية وهى مصر ترفض النموذج التركى، فإن احتمالات الزعامة الإقليمية لتركيا قد انحسرت بشكل كبير، ولهذا فإذا لم يتم إقناع الأتراك بأن المصريين لا يمكنهم تقرير مصيرهم بأنفسهم وأن تدخل الفريق عبد الفتاح السيسى هو نتيجة لتآمر صهيونى أمريكى، فإن تلك الإنتكاسة التى تعرض لها أردوغان الذى يطلق عليه مؤيديوه الأتراك لقب «ملك الشارع العربى» قد تأتى عليه بعواقب سياسية داخلية لا يحمد عقباها. وختم كوك مقاله بأنه على المراقبين ألا يتوقعوا تحسن العلاقات المصرية التركية فى أى وقت قريب، فأردوغان منخرط فى خطابة ساخنة بينما يتمسك المصريون بمكانة إقليمية من عهد مضى، ولكن تلك مجرد مظاهر لمشكلة أعمق، فطريقة حديث أردوغان خطيرة سياسياً وتبعث على عدم الاستقرار بالنسبة لحكام مصر الحاليين، بينما تعتبر نتائج عمليات الجيش المصرى للقضاء على الإخوان المسلمين بمثابة كابوس لحزب العدالة والتنمية الذى يتزعمه أردوغان نشر بالعدد 677 بتاريخ 2/12/2013