كان المصري القديم متمكنا من أدواته.. ويعرف كيف يطوعها لاتقان عمله.. كان يعرف كيف يتعامل مع الحجر.. وينقش ويسجل عليه أدق تفاصيل حياته معاركه وانتصاراته.. حتي علاقته بالموت والحياة الأخري.. كان المصري القديم يؤمن بالبعث والخلود الذي لافناء بعده.. وقد صور المصري القديم كل هذه الأمور.. ورسمها ونقشها علي جدران المعابد بألوان زاهية جميلة استطاع تصنيعها من النباتات المتاحة لديه.. ومازالت هذه الرسوم والنقوش تحتفظ بألوانها الجميلة رغم مرور آلاف السنين عليها! ومن يرد أن يشاهد هذا الجمال وهذه الروعة فليذهب إلي الأقصر ويدخل إلي مقابر الملوك والملكات في الوادي المعروف بوادي الملوك.. آثار وكنوز هذه المدينة لاتقدر بثمن.. وهي الأشهر في العالم كله.. هذه المدينة التي تحتوي بين ضفتيها ثلثي آثار العالم تعرضت وللأسف الشديد للاهمال من جانب المسئولين السابقين عن المدينة! وتعرضت أيضا لكثيرمن التعديات من أهلها!.. منذ عدة سنوات وقبل تولي دكتور سمير فرج للمدينة التي تحولت إلي محافظة علي يديه.. كنت في زيارة ومعي أسرتي زرنا خلالهاأشهر معالمها مثل معبدي الكرنك والأقصر وذهبنا إلي البر الغربي وزرنا وادي الملوك.. ولفت نظري كم الاهمال المحيط بمعبد الكرنك وبعض الكلاب الضالة والماعز التي تتجول بحرية داخل المعبد! وعندما سألت عن المباني البدائية الموجودة في مدخل الطريق المؤدي إلي وادي الملوك قال مرافقي إنها بيوت أهالي منطقة «القرنة» وانزعجت جداً عندما علمت أن هذه البيوت ترقد تحتها مجموعة كبيرة من المقابر الفرعونية! في نفس الوقت الذي كانت بعض الشوارع المهمة في المدينة مثل طريق الكورنيش تتزين ببعض النافورات التي تلفها مجموعة من التماثيل لقطط مصنوعة من الجبس! وبعد عودتي إلي القاهرة.. كتبت في «صوت الأمة» مقالاً تحت عنوان «الأقصر بين عظمة الاجداد وعبث الأحفاد» تناولت فيه كل السلبيات التي لاحظتها أثناء الرحلة وطالبت بتدخل فوري لانقاذ المدينة! ولم أكن وحدي الذي كتب حول هذا الموضوع في ذلك الوقت! وبالفعل استجابت القيادة السياسية ومع أول تغيير في حركة المحافظين صدر قرار بتولي دكتور سمير فرج مقاليد المدينة وكانت التكليفات محددة في كلمات «نريد عودة الوجه الحضاري للأقصر».. وبدأت معركة سمير فرج لوضع هذه التكليفات موضع التنفيذ.. وبدأت بشائر العمل الجاد تظهر ملامحها علي أرض الاقصر وكانت البداية الطريق الدائري حول معبد الكرنك.. وبعد خمسة شهور من تولي دكتور سمير فرج كانت الاقصر علي موعد لأول زيارة للدكتور أحمد نظيف بعد توليه رئاسة الوزارة.. وهنا كان لابد للطابور الخامس أن يتحرك ويتدخل لوقف انطلاقة فرج! وكان الطريق الدائري حول الكرنك مدرجاً ضمن زيارة رئيس الوزراء فتطوع واحد من الخيرين! بوضع بعض قطع الفخار داخل الحفر للإيحاء بوجود آثار! وعندما عرفت هذه المعلومة من أحد الزملاء من أبناء الأقصر.. كتبت في «صوت الأمة» تحت عنوان «الحكومة ضد الحكومة في الأقصر» أنبه لتلك المحاولات والخطط التي يدبرها البعض ضد العمل علي تطوير المدينة! وجاء الرد علي تلك المحاولات الفاشلة من أعلي قيادة سياسية لسمير فرج وفي كلمة واحدة استمر! وبعد هذه الكلمة وهذه الدفعة المعنوية لم يجد الحواة حلا إلا لملمة أشيائهم وجمع عصيهم التي يخيل من سحرهم أنها تسعي! وانطلق سمير فرج يقود ثورة التطوير علي ضفتي المدينة.. استطاع بعد أربعين عاما نقل أهالي منطقة «القرنة» إلي مساكن جديدة حضارية.. ودخل معركته الثانية واستطاع نقل مقابر «الكومنولث» الموجودة في مدخل المدينة إلي منطقة صحراوية! وتم النقل رغم اعتراضات سفراء إنجلترا والفاتيكان وغيرها من الدول الاحدي عشرة صاحبة المقابر! وبدأ في ازالة المباني التي تعترض إحياء طريق الكباش الذي يربط بين معبدي الكرنك والاقصر وبدأ في توسيع شارع المحطة وطريق الكورنيش.. وتحولت المنطقة الموجودة أمام معبد الكرنك إلي بانوراما جميلة بعد أن كانت مقلبا للزبالة! وأزال أحد المباني التي تحجب الرؤية عن معبد الاقصر من جهة النيل بعد موافقة رئيس الوزراء وبدأ العمل في المرسي الجديد جنوبالمدينة و..و.. أشياء ومشروعات كثيرة لاتتسع هذه المساحة لذكرها.. العمل يجري علي قدم وساق والقيادة السياسية تراقب ما يجري وتشجع وتزيل العقبات، وأهالي الاقصر سعداء بما يجري في مدينتهم.. وكان لابد من جائزة لهذا العمل غير المسبوق.. وعندما تكون الجائزة من أعلي سلطة في البلاد.. وعندما تكون الجائزة تتويجا لمجهود رجل أخلُص في عمله.. وعندما تكون الجائزة للمكان والبلد وأهله.. باختصار عندما تكون الجائزة تحويل الاقصر إلي محافظة فإنها تحمل دلالات ومعاني كثيرة.. مبروك دكتور سمير فرج.. عفواً سيادة المحافظ.. مبروك لأهالي الاقصر.. وإذا كان البعض يري أن الكنز يكون مفتاح الفرج.. فإنني أقول إن الفرج مفتاح الكنز.. ومبروك عليك الفرج سمير يامحافظة الأقصر. نجاح الصاوي