إنتشرت السيارات الجيب لدي تجار وكالة البلح في القاهرة وأعجب المصريون بتلك السيارة الخفيفة التي يمكنها تأدية العديد من المهام والسير وسط المزارع و الصحاري بكفاءة عالية. وربما كان العامل الأهم وراء إنتشار الجيب في مصر هو إستخدام الملك فاروق لها خلال السنوات القليلة التي أعقبت الحرب. وتشهد الكثير من الصور الخاصة بالملك علي ذلك حيث كان فاروق يستخدمها في شوارع القاهرة وفقا لرولية كريم ثابت المستشار الصحفي للملك والذي عبر عن دهشته لتفضيل الملك لتلك السيارة العسكرية الخشنة (حينها) علي عشرات السيارات الفاخرة التي يكتظ بها جراج الملك. وكان في ذلك دلالة علي أن جيب صارت بالفعل موضة ليس فقط بين عامة الشعب بل أيضا بالنسبة لملك مصر. بل يقول كريم ثابت أنه راجع الملك بالنسبة لإستخدام الجيب في شوارع القاهرة فرد الملك: "مالها .. وحشة؟"وظل كريم ثابت يعتقد أن الملك يمزح معه حتي أدرك أنه جاد بالفعل فما كان منه سوي الرضوخ وركوب الجيب بجوار الملك. ويبدو حسب وصفه أنه قضي وقتا عصيبا بجواره خاصة وأن الملك السابق كان معروفا بعشقه للقيادة بسرعة جنونية و يصف كريم ثابت تلك اللحظات قائلا: "لم أجد من ناحيتي سلسلة أجعل منها حاجزا أستند عليه، فكنا كلما بلغنا منعطفا وأدارها بسرعة وعنف خيل لي أنها ستلفظني وتقذف بي في عرض الطريق قذفا! إستمر فاروق لأسابيع طويلة يستخدم السيارة الجيب في تنقلاته غير الرسمية ليلا ونهارا سواء كان المكان الذي يقصده قريبا أو بعيدا. ويمضي كريم ثابت الذي صاحب الملك السابق في الكثير من تنقلاته"إلي أن أدركتنا رحمة الله فكف فاروق عن قيادتها في وسط القاهرة و لم يعد يري بها بعد ذلك سوي في الصحراء أو داخل حدائق المنتزه عند خروجه لتفقد سير العمل في الأراضي البور التي إستصلحها و عبدها بين قصر المنتزة و قصر المعمورة في إتجاه أبي قير. شاهد المصريون الملك فاروق يقود الجيب في شوارع القاهرة وفي أعقاب ذلك صارت جيب موضة لم يفتصر إنتشارها فقط علي أبناء الطبقة الراقية بل عشقتها الطبقات الشعبية التي حصلت علي نسخها القديمة بأسعار زهيدة. وإنتقلت العدوي إلي صناعة السينما حيث ظهرت السيارة في العديد من الأفلام المصرية الشهيرة ومنها علي سبيل المثال لا الحصر فيلم غزل البنات الذي ظهرت فيه ليلي مراد وهي تقود نسخة من جيب ويليس موديل عام 1944 كما إستخدمها فريد شوقي في فيلم سوق الخضار عام 1954 وإسماعيل يس في فيلم "إبن حميدو" عام 1955 وظهرت الجيب بعدها في عشرات الأفلام المصرية التي لا يتسع المجال لحصرها. في البداية بيعت سيارات جيب بشكل فردي من خلال موزعين صغار وكانت النسخة الجديدة من موديل جيب ويليس تباع بسعر زهيد لا يتجاوز مائتي جنيه مصري بأسعار عام 1949. و سرعان ما أنتشرت السيارات الجيب في مصر وبعد أن كانت أعدادها لا تتجاوز العشرات صارت بالمئات تزايدت أعداد سيارات جيب بشكل سريع فحتي أواخر عام 1950 كان مجموع سيارات ويليس أوفرلاند وجيب حوالي 1445 سيارة وزاد هذا العدد خلال العام التالي إلي 2105 سيارة وهي زيادة هائلة في المبيعات بالنظر إلي الحجم المحدود للسوق المصري خلال تلك الفترة. وتعزي تلك الزيادة بشكل رئيسي إلي السعر المعقول لسيارات جيب والذي ناسب شرائح عريضة من المستهلكين في السوق المصري فضلا عن القدرات العالية للسيارة علي الطرق غير الممهدة في وقت كانت الطرق المرصوفة قليلة نسبيا في مصر. وتجدر الإشارة إلي أن الفضل الأكبر لإنتشار جيب في مصر خلال تلك الفترة يعود إلي وكيل الشركة في مصر حينذاك وكان الوكيل هو "شركة شمال أفريقيا التجارية" وهي الشركة التي تولت توزيع وصيانة سيارات جيب في مصر. كان للشركة فرعات الأول في القاهرة وعنوانه 43 شارع قصر النيل والفرع الثاني في الإسكندرية وعنوانه 31 شارع شريف باشا. سعت الشركة إلي الترويج لسيارات جيب بشتي الطرق والوسائل وبالطبع كان التركيز علي أن جيب هي سيارة الحروب التي تستعملها كافة جيوش العالم وهو أمر حقيقي، فحينذاك لم تكن سيارات هامفي قد ظهرت وكانت جيب هي السيارة الرئيسية في الجيش الأمريكي لأكثر من ثلاثة عقود. قامت الشركة ببيع النسخ الحربية من سيارات جيب للجيش المصري الذي إعتمد عليها حينذاك كأحدي المركبات الرئيسية. وفي نفس الوقت قام الوكيل بطرح النسخ الأخري من الموديل ومنها جيب إستيشن واجن التي ظهرت في مصر أواخر عام 1953 علاوة علي النسخ المدنية من جيب والتي روجت لها الشركة كخيار مثالي لحمل المنقولات وكجرار للحرث وللرياضة والنزهات ولإدارة الطلمبات! شريف علي