بعد أن تعددت المهرجانات العربية، وأصبحت هناك منافسة لجذب الأنظار والأفلام والتميز، يجد مهرجان القاهرة السينمائي نفسه في اختبار حقيقي ليظل في مكانته القديمة والرفيعة، وعليه أولا أن يتخلص من أخطائه الصغيرة. يملك مهرجان القاهرة السينمائي كل أدوات التميز والتفوق علي كثير من المهرجانات العربية والعالمية، ورغم ذلك فهو لايستغلها جيداً، لأنه لايتعامل مع الأمور بالجدية الكافية.. وبعد انتهاء دورته رقم 33 واختتام أعماله الجمعة الماضية، سوف نتوقف هنا أمام الأخطاء الصغيرة التي ما كان يجب أن يقع فيها مهرجان دولي كبير، والتي يجب ألا تتكرر مرة أخري. أول هذه الأخطاء هو التعديلات التي تحدث في برامج العروض بحجة أن الفيلم تأخر، أو أن ضيوف الفيلم سوف يحضرون في وقت لاحق.. وهذا لايحدث في أي مهرجان في العالم سواء دولي أو غير دولي! الخطأ الثاني وقع هذا العام نتيجة اختيار الفيلم الأمريكي «اميليا» إخراج ميرا ناير لحفل الختام رغم أنه كان فيلم افتتاح مهرجان الدوحة قبل ذلك ب20 يوماً فقط والقول بأن اختياره كان لأن مخرجته هندية، ونحن نكرم السينما الهندية، يصبح قولا غير دقيق لأنه فيلم أمريكي أصلاً شكلا وموضوعا حيث إنه عن رائدة الطيران الأمريكية اميليا ايرهارت.. ولا أعرف ما سبب إلغاء التقليد السابق بعرض الفيلم الفائز بالهرم الذهبي، أليس هذا أفضل وأنسب للمهرجان، مادام ليس هناك فيلم يعرض المهرجان عرض أول وهو صاحب السبق فيه. ثالث الأخطاء يتكرر كل عام، ولا يريد المهرجان التخلص منه وهو تكريم ما بين 5و6 سينمائيين مصريين بينما يجب الاكتفاء بسينمائي واحد أو اثنين علي أكثر تقدير، لأن هذه التكريمات مهمة المهرجان القومي، وليس المهرجان الدولي.. وخاصة أن المهرجان يكتفي بحضورهم في حفل الافتتاح ولاينظم لهم ندوات ولايقوم بعرض أفلامهم. أما الخطأ الأكبر هذا العام فهو اختيار ممثلين شباب معظمهم ليس له أي أعمال سينمائية، وإنما هم وجوه جديدة ظهرت مؤخراً في أعمال تليفزيونية وتقديمهم علي مسرح الأوبرا وكأنهم نجوم كبار لتقديم الجوائز للفائزين في المسابقة الدولية ومنهم: دينا فؤاد وعمرو يوسف وإيمي سمير غانم ومي نور الشريف وحسن الرداد.. لقد تذكرت أسماء هؤلاء بصعوبة فمن هم حتي يتم تقديمهم بشكل أكثر إبهاراً حيث يرتفع الستار قبل ظهورهم ليسرقوا الأضواء من الفائزين الحقيقيين.. وأي مهرجان في العالم عندما يقوم بهذا التقليد يكون بهدف تكريم الفائز عن طريق أن يسلم له الجائزة نجم كبير ورصيده الابداعي والجماهيري ضخم.. فما هذا العبث؟ خامس الأخطاء جاء عن طريق لجنة التحكيم للمسابقة العربية التي رأسها الفنان يحيي الفخراني، فقدت منحت اللجنة جائزة أحسن فيلم وأحسن سيناريو للفيلم الفلسطيني الأمريكي «أمريكا» للمخرجة شيرين دعبس، وهو فيلم يستحق الفوز فعلاً، ويدور حول امرأة فلسطينية وابنها ضاقا بالحصار الإسرائيلي فقررا الرحيل إلي أمريكا من أجل أن يتعلم الابن في ظروف حياة أفضل!.. ولائحة المهرجان لاتمنح الأفلام العربية المشاركة سوي هاتين الجائزتين، ولكن اللجنة من عندياتها تمنح شهادتي تقدير أو قل «ترضية» لفيلمين آخرين هما السوري «الليل الطويل» إخراج حاتم علي وهو المخرج المرشح لإخراج فيلم «محمد علي» الذي يلعب بطولته الفخراني! والفيلم المصري «هليوبوليس» إخراج أحمد عبدالله.. وفيما أظن أن إدارة المهرجان كان من واجبها رفض منح هاتين الجائزين الأخيرتين ويجب أن تنص علي ذلك في اللائحة العام القادم لأن جوائز المجاملة من المفروض ألا يكون لها مكان هنا.. وبالمناسبة حدث نفس الأمر في مهرجان دمشق الأخير، فبعد أن منحت لجنة التحكيم الجائزة للفيلم السوري «مرة أخري»، قررت منح كل من الفيلم المصري «1 صفر» لكاملة أبوذكري، والفيلم المغربي «الدار السوداء» شهادتي تقدير.. صحيح أن جوائز الأفلام العربية قام كل من مهرجان القاهرةودمشق باضافتها من أجل أن تفوز أي أفلام عربية، ولكن الصحيح أيضا أن المهرجانات التي تخدم اللائحة التي تنظمها يجب ألا تلجأ لجوائز الترضية والمجاملة. ومن الأخطاء الصغيرة أيضا، والتي يجب أن نتخلص منها هو أن يكون «الإعلام» عن المهرجان يمثل دعاية له والاشارة إلي ما يحمله من تميز وجدية باستعراض أهم أفلامه وبرامجه وليس إشغال الناس بقضايا صغيرة ومفتعلة كما حدث هذا العام من عزت أبوعوف رئيس المهرجان، فبدلا أن يلقي بكل الاضواء حول أعمال المهرجان، خرج ليعتذر ويتأسف علي عدم وجود فيلم مصري في المسابقة الدولية وانشغل الجميع بهذا الأمر وتحول المهرجان كله إلي حدث هامشي، بينما حكاية الفيلم المصري هي أهم أحداث المهرجان.. عبث! إنها أخطاء صغيرة يرتكبها من ينظمون المهرجان أنفسهم، ثم يردون بعد ذلك بمنتهي البراءة، وربما البلاهة لماذا توجهون الانتقاد للمهرجان؟!.. وهنا أنا لم أتحدث إلا عن الأخطاء الصغيرة «المزعجة» فقط!