استضافت الخيمة الرمضانية بالقناة الثقافية في 7/9/ 2009 مجموعة منتقاة اختيارا من أساتذة التاريخ معلومة توجهاتها السياسية مسبقا!.. واستعرض أحد الفضلاء منهم بدعة أفرد لها عنوانا مفاده بأن التاريخ غير علم التاريخ!.. وربما رأي أو ارتأي «شياكة»! الشكل في العنوان بصرف النظر عن الموضوع في متنه وأصوله!.. والحقيقة أن التاريخ هو أحد الأقسام بكلية الآداب.. والآداب Arts تختلف عن الفنون الجميلة Fine arts، والدراسات الإنسانية تختلف في بنائها ومكوناتها جذريا عن الدراسات العلمية.. دونما تمايز بينهما.. فالعلوم Sciences تختلف عن الآداب والخلط بينهما يرجع إلي التسمية الخاطئة الشائعة.. كليات نظرية وكليات عملية!.. وعدم إدراك الفارق الدقيق في التقسيم إلي كليات علمية وكليات للدراسات الإنسانية والأدبية، وتبع ذلك أخطاء بالجملة.. فأقسام التاريخ بصفة عامة لا تخرج مؤرخين وإنما أساتذة مدرسين، وقلة فقط ممن يحملون الدكتوراه يكونون مؤهلين لتغطية العمل في مجالات التأريخ.. فالمؤرخ ليس محتما أن يكون فقط من بين خريجي أقسام التاريخ!.. ولعل الراحل العظيم جمال بدوي وهو من ثقاة المؤرخين المحدثين يعتبر أحد النماذج الفريدة الشهيرة في هذا المجال، فهو لم يكن من خريجي هذا القسم بكليات الآداب.. وغيره كثر!.. كان المثير المدهش كامنا في محاولة أحدهم أن «يسجدنا»َ أو يذكرنا بحكاية مراحل الدكتوراة بالقسم.. تمهيدي ماجستير!!.. بحث الماجستير وما يعقبه من بحث يقدم لدرجة الدكتورا!.. يا دكتور الفلسفة في التاريخ.. هذه بديهيات لا تقال في مجتمعات من أصحاب الفكر العالي والثقافة العالية من كل خريجي الجامعات!.. هذه المراحل ليست سندا لإقناع أحد بأن يصدع للقطع بكل ما تبديه! فيمكن أن تقدم مثلا بحثا لدرجة الدكتوراه، عن أحداث 23 يوليو وأنها ثورة فريدة باعتبارها بيضاء!، ومن قسم ما بكلية ما بجامعة ما وفي نفس الوقت قد ينال آخر درجة الدكتوراة في بحث آخر عن أن هذه الأحداث لا ترقي أبدا لأن تكون ثورة وأنها بحكم المحصلة Resultant- لا المركبات Components- بل ولم يكن لها داع أصلا..! الاجتهاد في كليهما يتوقف علي الزاوية التي ينظر منها وفيها الباحث وفي كلتا الحالتين لابد من التحقيق والتدقيق وتقديم الأسانيد المعيارية وإثبات منطقية الاستنتاج في كليهما!.. لعل الدكتور يعلم أن الآراء المطروحة لأي إنسان يتحكم في محصلتها سلبا أو إيجابا ثلاثة عناصر: (1) البيئة الموضوعية علي امتداد مراحلها من الأسرة والجيران والأقارب وزملاء الدراسة وزملاء مجال العمل.. الخ. (2) البيئة السيكولوجية.. وقد تختلف من شخص لآخر وأن تماثل أو تطابق وضعه مع البيئة الموضوعية. (3) طبيعة الدراسة أدبية.. علمية.. إلخ، ولعل أحدا لا يختلف عن الفارق بين مفهوم المؤلف للتاريخ أو العالم به أو من يكتب عنه Historian وعن الراصد أو المؤرخ الرسمي للتاريخ ...Histor- ographer حتي النظرية التي تفسر المواقف والأحداث الاجتماعية والثقافية Histori Cism بالتاريخ لا تدخل تحت أي إطار أي علم من العلوم!.. ببساطة واختصار كل الأحداث التي وقعت في الماضي تدخل تحت جناح مادة التاريخ وأيضا كل ما يقع في أي مكان بالعالم من تطورات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية.. ولكن ينبغي تماما أن ندرك الفارق الهائل بين الصناعة وبين تاريخ تطورها وكذلك بين تطور الاقتصاد بالعالم وبين تاريخ أحداثه ونفس الشيء ينطبق علي ما يسمي بالتاريخ الاجتماعي أو التاريخ السياسي أو تاريخ الطب!.. دراسة مواد التاريخ بالمدارس والجامعات لها أهمية قصوي يقوم بها مدرسون للتاريخ وليس هذا من مهام المؤرخين!!.. وأخيرا - نكرر - ليس كل من درس التاريخ مؤرخا.. المؤرخ يحتاج إلي خلفيات مواد أخري لا تدرس علي الإطلاق بأقسام التاريخ بكليات الآداب!.. وأخيرا وليس آخرا إن نسق الحقائق لن يلوي تحت مزاعم بعض مدرسي التاريخ!