· نطالب بتعديلات تحدث توازنا يمنع تضخم سلطات الرئيس التي تجعل منه الزعيم الأوحد · الأزمة في مصر شاملة ولابد أن تتحول المطالبة بالإصلاح السياسي إلي المطالبة بالاصلاح الشامل أصدر حزب الوفد بيانا حول الاستعداد للانتخابات الرئاسية القادمة في مصر، أكد البيان أنه لم يعد مقبولا ولا معقولا وضع مصير الأمة في يد شخص واحد وأن الظروف قد تغيرت، وأن من يأتي بعد الرئيس مبارك لن يتمتع بنفس سلطاته، دعا البيان إلي نظام برلماني يكفل إعادة توزيع السلطة وتوسيع قاعدتها، ويضع رئيس الدولة في موقع الضامن لسلامة الوطن، علي أن يكون مجلس الوزراء هو المسئول عن وضع السياسات وتنفيذها. كما دعا البيان إلي حوار وطني جاد لإقرار تعديلات دستورية وتشريعية عاجلة تؤمن الحاضر وتفتح الطريق أمام مشاركة واسعة في بناء مستقبل الوطن. كان محمود أباظة رئيس حزب الوفد قد دعا إلي اجتماع مشترك للمكتب التنفيذي والهيئة البرلمانية الوفدية لمناقشة الموقف الحالي، وصدر عن الاجتماع بيان يوضح موقف الحزب من التساؤلات التي تدور حول مستقبل الوطن، وهي التساؤلات التي تزامنت مع ما أثيرحول المرشحين للانتخابات الرئاسية القادمة. وقد دعا حزب الوفد عددا من الإعلاميين وكبار الصحفيين الأحد الماضي لأخذ آرائهم ومناقشتهم في القضية التي يتبناها الوفد لتغيير نظام الحكم في مصر، من جمهورية رئاسية، إلي جمهوية برلمانية، وما يستلزم ذلك من ضرورة لإجراء تعديلات دستورية جوهرية لتحقيق هذا المطلب. وتخطئ أي قوة سياسية أن تتصور أنها تستطيع أن تنجو بنفسها بعيدا عن المصير الأسود الذي ينتظرنا جميعا إذا لم نبادر دون تلكؤ إلي الدخول الفوري في عملية الإصلاح الدستوري التي تأخرت عن موعدها الطبيعي لأكثر من عقدين من الزمان، فتعديل الدستور الآن أصبح قضية حياة لهذا الموات السياسي الذي ضرب البلاد والأحزاب والقوي والاتجاهات السياسية في كل الأرجاء. وتخطيء أي قوة سياسية إن هي تصورت انها مطالبة بحماية بعض نصوص الدستور، رغم أنها - في الوقت نفسه - ترفض نصوصا أخري فيه، وتطالب مع الجميع بتعديل النصوص التي تولد نظاما قائما علي حكم الفرد وتعطيه سلطات مطلقة وصلاحيات استبدادية! إن لم يكن لدينا مائة سبب يدعونا بإلحاح إلي إعادة النظر في الدستور الحالي، فيكفي أن نطالب بتعديله لإحداث توازن يمنع تضخم سلطات الرئيس التي تجعل منه الحاكم الفرد والزعيم الأوحد والقائد الملهم، وهي في الحقيقة سلطات تجعل من القابض عليها فرعونا يتجبر، بل وتخلق منه إلها يعبد!. ألا يكفي سببا أن الدستور الحالي جري اختراقه علي أكثر من صعيد وجري إدخال تعديلات أرادها الحاكم إلي نصوصه، وكبرت مساحة الترقيع فيه حتي أصبح دستورا لا يصلح للاستخدام الآدمي؟ ألا يدفعنا إلي تعديل الدستور أن النظام السياسي في مصر مهدد بالتحول القسري إلي نظام وراثي، يعتمد حكم «العائلة» في الواقع، رغم نصوص الدستور التي جعلت الرئيس يحلف بأغلظ الإيمان علي أن يحافظ علي النظام الجمهوري وعلي سلامة أراضي الدولة؟ والبادي للعيان أن الأزمة في مصر شاملة ولابد أن تتحول المطالبة بالإصلاح السياسي إلي المطالبة بالاصلاح الشامل، وأن يكون البند الأول في هذا الاصلاح الشامل ليس تعديلا دستوريا محدودا يخص سلطات الرئيس ومدة ولايته، بل يكون تعديلا للنظام السياسي الحاكم برمته، وتحويله - عبر نصوس دستورية - من نظام استبدادي شمولي إلي نظام برلماني دستوري، تتوازن فيه السلطات الحاكمة مع سلطة المجتمع الممثلة في هيئاته المدنية ونقاباته وجمعياته الأهلية، ويعود التوازن بين السلطات الحاكمة نفسها، فلا تجور سلطة علي أخري، ولا تبقي كل السلطات الحقيقية في يد شخص أيا كان وأيا كانت الظروف! ولا يجدر بنا العودة مرة أخري للموازنة بين اصلاح سياسي دستوري مطلوب وبين إصلاح اقتصادي اجتماعي بات أكثر إلحاحا من أي وقت مضي، والعجيب أن المطالبين بتأجيل الاصلاح السياسي حتي ننتهي من الاصلاح الاقتصادي هم أنفسهم الذين ظلوا يحكموننا طوال ربع قرن تحت هذه اللافتة المزرية، ووصل حال الاقتصاد فيها إلي حال أسوء من حال السياسة! والناعقون بأن المطالب العادية للناس العاديين «من غير النخبة المثقفة» لا يدخل فيها تعديل الدستور أو إلغاء الطواريء أو كل المصطلحات والألفاظ الدالة علي الاصلاح السياسي برمته، يعرفون قبل غيرهم أن مثال العربة التي توضع قبل الحصان أو الدجاجة التي تولد قبل البيضة، «فالبيضة مششت والفرخة ماتت»، ولم يعد يجدي مثل هذا الكلام الفارغ في أوضاع تردت إلي ما تردت إليه الأوضاع في مصر، فلا الاصلاح الاقتصادي المرفوع شعاره منذ عقدين تحقق، ولا الاصلاح السياسي المؤجل يبدو في الأفق، ونؤكد أنه لا اصلاح إلا إذا تغيرت طبيعة النظام وصيغته الحالية إلي طبيعة تعددية فعلا، وصيغة تعبر عن توازن المصالح التي يجب أن يرعاها الدستور.. فهل يستجيب نظام حكم مبارك لدعوة حزب الوفد؟!