· 3 وصايا حفظتها أنظمة الحكم غير الديمقراطية بدول الوطن العربي وإفريقيا عن ظهر قلب للحفاظ علي بقائها وتوريث الحكم لأبناء الحكام الجاثمين علي قلوب الأوطان والشعوب اندلعت المظاهرات في الجابون احتجاجاً علي توريث الحكم ل«علي بونجو» نجل الرئيس الجابوني الراحل «عمر بونجو» أوائل الشهر الجاري وامتلأت الشوارع بالغاضبين الذين أيقنوا أن الانتخابات الرئاسية التي أجريت مجرد ديكور وأن نجل الرئيس كان يزحف إلي كرسي أبيه منذ سنوات، وكما في القاهرة تعاملت حكومة الجابون بمبدأ «الأمن هو الحل» وحاصرت المتظاهرين وشتتهم وأطلقت رصاصاتها وقذائفها تجاههم فأصابت وقتلت الكثيرين واعتقلت الباقين الذين وجهت لهم اتهامات مماثلة للاتهامات التي توجه للمعارضين في مصر وعلي رأسها «إثارة الشغب والعمل علي قلب نظام الحكم، ولا غرابة في ذلك فكل النظم الديكتاتورية هي نسخة واحدة» ومسلسلات إدارة الحكم ومعاملة الشعوب والتوريث بهذه الدول لا تختلف كثيراً لكن الاختلاف الوحيد بين القاهرة وليبرفيل «العاصمة الجابونية» أن شعب الجابون انتفض ضد الوريث الذي صعد إلي الحكم بانتخابات وصفت بالمزورة بينما صمت المصريون علي جمال مبارك الذي يحكم البلاد بلا انتخابات. 3 وصايا حفظتها أنظمة الحكم غير الديمقراطية بدول الوطن العربي وإفريقيا عن ظهر قلب للحفاظ علي بقائها وتوريث الحكم لأبناء الحكام الجاثمين علي قلوب الأوطان والشعوب، وهذه الوصايا هي التحصن برجال الأعمال والانخراط في البيزنس وتشديد القبضة الأمنية علي البلاد، وقد نجحت هذه الوصايا إلي حد كبير في أن تجعل أبناء الحكام يزحفون تدريجياً إلي كرسي الرئاسة بشكل ثابت دون أية معوقات، ففي الجابون ارتبط بونجو الابن بعلاقات وثيقة مع رجال الأعمال خاصة العاملين في مجال التعدين واستخراج البترول الذين يضخون ثروات البلاد إلي دول أوروبا وعلي رأسها فرنسا ويسعون إلي مصالحهم الخاصة علي حساب الشعب الجابوني الذي أكلته المعاناة الاقتصادية رغم أن موارد بلاده تكفي لتحقيق رفاهيته، وخلال السنوات الأخيرة ومع التصاق رجال الأعمال بوريث الجابون تضاعفت ثرواتهم وهي الثروات التي تم ضخ جزء منها في حساب حملة تجميل «علي بونجو» لتولي رئاسة البلاد خلفاً لوالده، وانتشرت صور بونجو الابن وهو يقبل أطفال الفقراء القاطنين في أطراف البلاد وكما أن المصريين لم يتقبلوا أو يصدقوا ما تنشره الصحف القومية من صور يظهر فيها أمين السياسات وهو يتناول افطاره مع أهالي القري الفقيرة وكشفوا أنها «بروباجندا» حكومية فقد فطن الشعب الجابوني إلي نوايا «علي بونجو» لخلافة والده ورغم أنه تقلد مناصب وزارية مثل وزارتي الدفاع والخارجية وهما منصبان سياديا نشكلا مفهومه السياسي جيداً إلا أن الشعب الجابوني ظل رافضاً لفكرة توريث الحكم للابن ولم يغفر للأب 40 عاماً من الحكم تراجعت فيها البلاد إلي الوراء مئات الخطوات وتدهورت أوضاعها السياسية والاقتصادية ونمت فيها طبقة معينة علي حساب السواد الأعظم من الشعب. ولم يتجاهل علي بونجو النصيحة الثانية وهي الانخراط في البيزنس فقد ساهم في مجالس إدارات الكثير من الشركات التجارية الضخمة العاملة في مجال التعدين وطاردته شائعات مشاركته لرجال الأعمال المحيطين به وهو ما لم يعلق عليه بل واجهه بسخرية مثلما كان يواجه أسئلة الإعلاميين عن التوريث بابتسامة عريضة مشككاً في أن هناك نية أو رغبة من ناحيته للوصول إلي الحكم. أما النصيحة الثالثة فقد نفذها بونجو الأب منذ توليه واستطاع أن يحول البلاد إلي سجن كبير ملأه بمعارضيه الذين تقلصوا من جراء الحملات الأمنية والممارسات القمعية ورغم محاولات الابن تنفيذ سياسة الحوار والفكر الجديد بعد أن ازداد سخط الشارع علي النظام الحاكم إلا أن القبضة الأمنية لم تتراخ عن البلاد ووضحت جلياً عقب إعلان فوز علي بونجو في الانتخابات الرئاسية فقد خرج المواطنون إلي الشارع وهم في حالة هياج ونددوا بتزوير الانتخابات ولم يكتف الشعب الجابوني بذلك فقط فقد أعلن حالة الحداد والعصيان التام خلال الأيام الماضية احتجاجاً علي تزوير الانتخابات وصعود بونجو الابن إلي الحكم وتحركت المعارضة لحشد الشارع كله ضد الرئيس الجديد رغم ممارسات القمع والاعتقال والقتل التي تقوم بها الأجهزة الأمنية. ويبدو أن هناك أجهزة رسمية قد أعلنت عن غضبها ضد تزوير الانتخابات لصالح «علي بونجو» وتضامنت مع المواطنين وهو ما ظهر بشكل واضح من خلال الأجازات التي حصلت عليها السفارات الجابونية بدول العالم فقد توقف العمل بسفارة الجابون بالقاهرة التي أغلقت أبوابها منذ فوز الوريث وصعوده إلي الحكم. الثورة التي قام بها الجابونيون في مواجهة عملية التوريث ربما تكشف إلي أي مدي قد تصل الأوضاع بالبلاد إذا أصر النظام الحاكم علي فرض الوريث بالقوة فهل سيقف المصريون في مواجهة مخطط التوريث أم أن النظام الحاكم لدينا يعي جيداً مدي سيطرته علي البلاد واخضاعها.