حالة من الاحباط حطت علي رءوس المصريين.. حركات التغيير التي ناضلت خلال العامين الماضيين وأحدثت حراكا سياسيا ومارست ضغوطا شديدة علي نظام الحكم واجبرته علي وقف بعض مفاسده أصابها الاحباط.. أحزاب المعارضة لم يعد فيها أمل بعد أن تجمدت وتقوقعت وتكورت داخل مقارها، واكتفت بالنضال من داخل غرف مكيفة.. حتي هذه الأحزاب أصابها الاحباط ولم تعد تناضل لا من داخل الغرف المكيفة ولا من تحت الترابيزات.. شباب «الفيس بوك» الذين صنعوا لأنفسهم حزبا سياسيا ينتقد النظام الحاكم ويكشف مساوءه وبلاويه وأصبحوا صداعا في رأس النظام.. هم أيضا أصيبوا بالإحباط ولم تعد ضرباتهم كما كانت موجعة ومؤثرة.. النقابات المهنية تجمدت.. السياسيون المستقلون وأصحاب الآراء الحرة خفتت أصواتهم وأصيبوا باليأس والاحباط والتزموا بيوتهم. الفقراء في مصر محبطون بطبيعتهم فالغلاء الفاحش يكوي ظهورهم.. والأغنياء أيضا محبطون يرون أن هذا البلد لا أمل فيه وأن الخطر قادم لا محالة، وسيداهم الجميع، لذا فهم يتمنون الهجرة بأموالهم ومشاريعهم لينعموا بالاستقرار في الخارج، إن لم يكن غالبيتهم قد اخرج جزءاً كبيراً من أمواله خارج مصر. مصر كلها دخلت مظلة الإحباط، بشكل لم يسبق له مثيل.. حتي إذا جلست مع مسئول كبير أو صغير وتحدث معك بصدق يقول لك: لا أحد يعرف إلي أين نحن ذاهبون.. البلد تضيع! والكلام عن تعديل وزاري جديد وقريب لم يعد يمنح الناس الأمل في غد مشرق أو مستقبل أفضل. واللعبة المفضلة لنظام حكم مبارك والتي لا يدركها العامة والخاصة هي أن يصل بالناس إلي حد اليأس، فيحبط تفكيرهم في النقد والاحتجاج والتمرد والثورة.. هذه هي اللعبة التي يجيدها الحاكم.. وهذا ما وصلنا إليه الآن. ومن هذا المنطلق أقول للذين أقعدهم اليأس والإحباط عن العمل السياسي، عليهم أن يفهموا أن اليأس لا يصنع شعبا إنما يقتله.. وعليهم أيضا أن يدركوا أنه في نهاية المطاف لن ينتصر اليأس في هذا الصراع.. بل هو إحدي المحطات التي تتوقف عندها الشعوب لتستجمع قواها للانقضاض والثورة.. قمن قاع اليأس خرجت الثورات في العالم.. فكل الذين يقولون «مافيش فايدة» وينشرون اليأس في الناس، لا يفهمون أن الأمل موجود في كل لحظة، وإن إشراقة الصباح لابد أن يسبقها ليل حالك السواد.. وليس هناك أسود مما نحن فيه الآن. وعلينا أن ندرك أنه إذا كان نظام مبارك يقتل فينا نوازع الثورة باليأس.. فنحن يجب علينا أن نقتل فيه روح الاستبداد بالأمل.. وكل ما أرجوه من الناس قليلا من الصبر.. وقليلا من التضامن.. وقليلا من التضحية. إنه بغير إسقاط هذا النظام السياسي الفاسد، لا يمكن أن نتصور مخرجا من أزمتنا الحالية.. لقد جربنا عشرات السنين حكم الفرد.. وحكم الاستبداد.. وحكم العسكر.. وحكم أهل الثقة، منذ عهد عبدالناصر، حتي عهد حسني مبارك.. واكتوينا بنار القرارات الخاطئة التي كلفت خزانة الدولة مليارات الجنيهات.. ورأينا كيف تضيع الجهود علي سياسات خائبة يعرف القاصي والداني أنها لن تثمر.. ورغم ضياع أموال الشعب لم يقدم مسئول واحد للمحاكمة. مليارات الجنيهات من أموال الشعب المقهور والمطحون و«المنداس» بالجزم أهدرت في مغامرات صبيانية، قالوا عنها أنها مشروعات قومية.. مشروع فوسفات أبوطرطور بالصحراء الغربية واحد منها، انفق عليه أكثر من 7 مليارات جنيه - باعتراف الحكومة- دفنت كل هذه الأموال في رمال الصحراء - باعتراف الحكومة - ولم يقدم مسئول واحد للمحاكمة. كيف ضاعت كل هذه الأموال ومن المسئول عن ضياعها.. ولماذا لم يقدم المتورطون في هذه الفضيحة إلي المحاكمة.. لا أحد يعرف!! مشروع توشكي انفق عليه أكثر من 8 مليارات جنيه، تحول إلي خرابة، ولم يعد مشروعا قوميا ولا يحزنون. هذه الأموال الضخمة وغيرها مما أهدرته حكومة الفساد الوطني كانت كفيلة بإنقاذ الشعب مما يعانيه الآن. أيها المحبطون.. قليلا من الصبر.. قليلا من التضامن.. قليلا من التضحية.. إن الله مع الصابرين.