من أغرب الشكاوى التى رأيت أطرافها وأنا وكيل نيابة شكوى طالب جامعى ضد أبيه لأنه قتر عليه رغم ثرائه حتى رسب فى احدى السنوات لشدة الجوع ، ودخل الابن ووالده الطاعن فى السن مستندا إلى عصا لمكتبى وقال الابن لقد عشت سنة بجهنم، ورد الأب الطاعن فى السن مستنكرا (جهنم؟ اللى فاتت جنة بالنسبة للى جاى) ونفذ الرجل وعيده وترك الابن الكلية ومصر كلها وهاجر. من أسوأ نقطة انهار عندها حكم مبارك بدأ حكم الاخوان وتبين أن كل تجربتهم فى الحكم هى مايتعلمه السجين على يدى سجانه، حتى ماكان الاخوان يتأففون منه زمن مبارك كالاستشكال فى أحكام القضاء الادارى أمام محكمة عابدين وهو نوع من العار القانونى مرورا بقمع حرية التعبير وملاحقة المعارضين وغلق القنوات التليفزيونية كأن المطلوب أن يتربى الشعب كله من جديد على (السمع والطاعة)! دقت الطبول وقت الانتخابات لتعلن عن (مشروع النهضة) وأن الف عالم على مستوى الكون درسوه وأنه جاهز للعمل مع تولى الرئاسة اخوانى، وبعد نجاح مرسى خرج من يقول لنا لقد ضحكنا عليكم وبعنا لكم الترماى! وخلال الانتخابات صرخ أحدهم عن الولاياتالمتحدة العربية وعاصمتها القدس الشريف، وقبلها كانت تجمعات الاخوان تصرخ (خيبر خيبر يايهود جيش محمد سوف يعود) ثم فوجىء الناس بمرسى يتحدث بحميمية بالغة مع الرئيس الصهيونى، وليس من حقك السؤال أين وعد (أهل الله) عن الجيش المنتظر ولا عن الولاياتالمتحدة العربية، فالأمر من الفه إلى يائه دجل سياسى تحت راية دينية، وأنت لما تنتقد – حتى غيرة على دينك – تتهم فى دينك! دعم مبارك حكمه بلاعبين محترفين أمثال صفوت الشريف وكمال الشاذلى، وحلت نهايته لما أسلم قيادة السفينة إلى لاعبين هواة من عينة أحمد عز، كان السابقون يلعبون بمهارة الثعالب ثم جاء لاعبون بغباء الذئاب وانتهت القصة برحيل الجميع إلى وادى طره، والعجيب أن مرسى بدأ حكمه لا بمحترفين ولا بهواة بل بفريق تم تشكيله على عجل من المشجعين، نودى يافلان أنت سمين ويمكن أن تسد نصف المرمى فقف لحراسته ويافلان أنت عنيف فالعب رأس حربة، وتتوالى النكبات! وهاكم بعض عينات الأداء الرئاسى البائس . قامت الثورة متبنية مطالب فى مقدمتها العدالة الاجتماعية، وتمر الأيام ولايصدر مرسى قرارا بوضع حد أعلى للرواتب وهو لايكلف غير سطرين، وإلى اشعار آخر يبقى الجياع جياعا والمشردون مشردين وناهبو الملايين يرتعون، وربما كان من الأجندة الاخوانية أن يظل هناك الملايين ممن يحل عليهم العطف الاخوانى (حقيبة الفقير مع بعض الزيت والسكر) باعتبار أن الزكاة ركن يفترض – حتما – وجود المستحقين، وهؤلاء المستحقون يصدقون (أهل الله) فيما يقولون خاصة أيام الانتخابات! لم أتكلم عن الحد الأدنى للأجور فربما قيل انه يحتاج لدراسة. وتتوالى أمثلة البؤس، عرض مرسى على النائب العام السابق الرحيل ووافق واستقال شفاهة وهو أمر جائز، ثم تراجع النائب العام وقبل أن يقف بعض القضاة احتجاجا كان مرسى قد تراجع والتقطت له صور مع النائب العام وهو يضحك، والى هذه اللحظة لا أعرف مايضحك فى القصة وهى توجب البكاء على هيبة الدولة الضائعة! كان ثعالب عصر مبارك يعرفون أن هناك خطوطا حمراء لايمكن الاقتراب منها بل يتعين الالتفاف حولها بحرفية عالية مثل أحكام القضاء، ثم انتهى بؤس حكم مرسى إلى تبنى نشيدين كلاهما حاضر للعزف، فإن صدر الحكم وفق مصلحة الجماعة عزف نشيد القضاء الشامخ والا فنشيد القضاء الفاسد المسيس جاهز لتنشده جماعات من المنشدين بصوت أقرب إلى الفحيح . انهار الأساس القانونى لمجلسى الشعب والشورى بحكم المحكمة الدستورية، وبدلا من أن يتصرف مرسى كرجل دولة مسئول يقدم النموذج لمواطنيه فى احترام القانون جرى سب القضاء واتهامه وتبنى منطق التخلص من المحكمة الدستورية جملة واحدة، ثم تواصل مسلسل (العجن) باصدار قرار رئاسى عصى على الفهم يقضى بعودة المجلس المتوفى إلى رحمة الله رأسا من القبر إلى المجلس، ثم انقلب الحال إلى طرفة تبكى وتضحك اذ انعقد المجلس مرة واحدة ثم انفض دون أن تعرف هل عاد المرحوم إلى الحياة أم عاد إلى مثواه الأخير! وتواصل مسلسل بؤس الأداء الرئاسى واصلا لذروته فى الاعلان الأخير للرئيس ليجعل من نفسه نصف اله، وغلف المراد المرير بحلوى مسمومة مؤداها أن المحاكمات سوف تعاد قصاصا للشهداء، وهو قول يضحك ويبكى حقا لأن من المستحيل حتى فى بلاد واق الواق محاكمة من سبقت محاكمته عن نفس الفعل الا من خلال الطعون، وقد أجريت الطعون فعلا ولاجديد تحت الشمس سوى الدجل الممجوج، وكان أسوأ ماعلى مسرح العرض هو أن بعض كبار رجال القانون يطوفون بالقنوات التليفزيونية حاملين بضاعتهم موجهين حديثهم – فى الأساس – إلى مرسى، وهم يصرخون على طريقة الباعة الجائلين ومن يصلحون وابو الجاز (ضمير للبيع والايجار تخصص تبرير وتنظير ودجل)! بينما يعرف طلبة كليات الحقوق أن من المستحيل قانونا اعادة المحاكمات الا من خلال الطعون وعما قريب يفيق الناس من الوهم بصدمة الكابوس عندما يدركون أن من باع لهم (ترماى) مشروع النهضة هو من باع لهم الوهم عن اعادة المحاكمات.. كان من المفجع فى زمن الفجائع المتتالية أن شباب الاخوان وقفوا عند دار القضاء العالى يهتفون ضد النائب العام قبل صدور القرارات النكبة بساعات بناء على تعليمات المرشد حسبما تسرب. لما جعل الأب ولده يرى جهنم الماضى جنة بالمقارنة للآتى فر الولد من مصر كلها وهو حل لايتاح لتسعين مليونا والمنطقى أن الناس باقون وأن الاخوان سيعودون بأقرب مما نظن إلى لقبهم الأثير الذى أدمنوه (الجماعة المحظورة