فى ظاهرة متقطعة ولكنها متكررة، استهدفت الحركة الصهيونية، وليس إسرائيل وحدها- حركة المقاومة الإسلامية فى غزة، وقتلت أحد أبرز الفلسطينيين القادة الشهيد بإذن الله تعالى الجعبرى وبعض رجال المقاومة معه. هذا الرجل رحمه الله تعالى- هو من كبار مهندسى حركة المقاومة الاسلامية فى الحرب والسلم، وفى قنص جلعاد شاليط وإخفائه، حتى تمت به صفقة التبادل الشهيرة بالسجناء والمعتقلين الفلسطينيين فى سجون إسرائيل. قامت مؤسسة الرئاسة فى مصر بإدانة العدوان الاسرائيلى على غزة مع مؤسسات وأحزاب أخرى، مما يدل على عهد الحريات الجديد، وقررت الرئاسة كذلك سحب السفير المصرى من تل أبيب، وما كان له أن يذهب أصلاً بهذه السهولة فى عهد جديد بعد الثورة وخصوصاً فى عهد وحكم الاسلاميين وبخاصة عهد الإخوان المسلمين. فى عهد الإخوان تم رفع الحصار عن غزة تدريجياً، ثم فتح المعبر ثم إغلاقه ثم فتحه مرة أخرى بعد العدوان الأخير بصفة دائمة. حدثت بعض الوقائع الإيجابية فى مصر بعد الثورة لصالح فلسطين وخصوصاً غزة وكذلك بشأن سيناء، وستتكلم المساجد غداً الجمعة عن أهمية فلسطين، وأهمية حركة المقاومة وضرورة دعمها بكل ما نستطيع. وقد قامت إدانات كثيرة وستكثر هذه الإدانات الكلامية طالما أنها لا تكلف شيئاً كثيراً، وسيتكلم رؤساء بعض المؤسسات بعد ما كانوا لا يستطيعون فى العهد البائد، حتى إن عمرو موسى الأمين السابق للجامعة العربية فى عهد مبارك، يطالب الجامعة العربية اليوم بعمل يليق بها. ولكن حق لنا أن نتساءل وخصوصاً بعد الثورة أين تلك المظاهرات التى كانت تجوب البلاد أيام مبارك، وهى ترفع شعارات مهمة منها «خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود». تذكرت وأنا فى مصر أكتب هذا المقال يوم الخميس 15 نوفمبر 2012، ما كنا نقوم به من مظاهرات ضاغطة أمام السفارة الاسرائيلية فى لندن، وكان يشارك معنا بعض اليهود الأعضاء فى حركة «ناتورى كارتا» وهى تلك الحركة اليهودية التى تعارض أصلاً قيام إسرائيل لأنها نذير شؤم على اليهود وبداية لنهايتها، ويرون أن هؤلاء الصهاينة ليسوا هم اليهود الذين آمنوا بموسى وبالتوراة وبالوصايا العشر خالفوا إسرائيل فى منشئها ولما سرقوا وقتلوا وشردوا الفلسطينيين، واضطروهم للهجرة عن أوطانهم، ولما فعلوا كما فعلت تسيبى ليفني، تبيع الجنس لبعض الحكام والقادة العرب مقابل السكوت عما تفعله إسرائيل من جرائم، وكى يديروا ظهورهم للعربدة الإسرائيلية. تذكرت اليوم المظاهرات فى لندن أمام السفارة الإسرائيلية ضد العدوان الإسرائيلى على غزة، وفيها يمزق بعض يهود ناتورى كارتا جوازات سفرهم الاسرائيلية، ويشارك فى تلك المظاهرات مسلمون ويهود ومسيحيون عرب وغير عرب دعماً للمقاومة الإسلامية فى غزة، ومقاومة للظلم والفساد الصهيونى الاسرائيلي. ماذا نفعل ونحن فى مصر نرى معارك جانبية لا فائدة منها وفتاوى شاذة أكثر مما لدينا، بعضهم همه الكبير هدم الآثار الفرعونية ومنها الأهرامات ومنها أبو الهول، ولا يهمه كثيراً ما يقع لإخوانه فى فلسطين من عدوان صهيونى إسرائيلي، ولا ما يحدث على الساحة العالمية من تقدم ونظر فى الكون بما فيه السماوات والأرض والبحار والمحيطات والغابات. المهم هدم أبى الهول والأهرامات حتى لا يعبدها المصريون. نسى هذا المفتى ومن على شاكلته فى فتاواهم الشاذة أن مصر قد فتحت بل فتحها، من هو أفضل منهم وأتقى لله. وأخيراً وحتى لا يعترض أحد على ما أقول فالأمر كما قال النبى صلى الله عليه وسلم:»خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم». أيضاً هناك معركة لا لزوم لها ولا مبرر من ورائها وخصوصاً مع ذروة العدوان الإسرائيلى الغاشم على الأمة، إلا أنها ضمن خطة تمزيق الأمة الواحدة، وستصب نتيجة الصراع فيها لصالح الهيمنة الأمريكية وإسرائيل، بل إن مثل هذه المعركة هى جزء من خطة أولئك الأعداء لتقسيم الأمة، ألا وهى المعركة بين السنة والشيعة والتى يرفع لواؤها غلاة المذهبين وبعض المؤسسات الدينية التى تسير فى الركاب. وأتمنى أن تقف الأمة كلها موقفاً واضحا موحداً من هذا العدوان الصهيونى الإسرائيلى على غزة، فيوقف العالم الإسلامى الاتصالات مهما كان نوعها مع إسرائيل وإغلاق السفارات، وياليتهم يفعلون كما فعل الامام الخمينى الذى طرد طاقم السفارة الإسرائيلية فى طهران منذ الثورة الاسلامية فى إيران، وإعطاء مبنى السفارة لأهل فلسطين. هذا ما فعله الامام الخمينى فهل يفعل ذلك الملوك والحكام العرب وخصوصاً فى دول الربيع العربى؟. قامت إسرائيل من قبل بما قامت به بالأمس القريب، وآمل ألا تقوم به مستقبلاً، أقول قامت بقتل يحيى عياش والمبحوح والرنتيسى وشيخ الانتفاضة والصمود الشيخ أحمد ياسين، وهى اليوم وفى وسط الشحناء والبغضاء وخصوصاً بين العرب، تقوم بالقضاء على قائد كتائب عز الدين القسام، الأخ الجعبرى صاحب العقل المفكر المتدبر فى فنون المقاومة والجهاد. ماذا لو كنا قد وفرنا ما يريد من امكانات وما نستطيع من مقومات ومقتضيات الجهاد والمقاومة؟ أيها العرب حكاماً وشعوباً، لا تغتروا باتفاقيات أو صلات أو لقاءات مع الصهاينة المجرمين، ولا بعلاقات ولو كانت جنسية مع تسيبى ليفنى، ولا تغرنكم تلك الصلات والوعود ولو كانت سرية فستظهر يوماً ما فى الدنيا أو حتما فى الآخرة. أيها العرب حكاماً وشعوباً، لابد أن تطرحوا وراءكم الخلافات والشحناء مهما كانت لأن الصهاينة الاسرائيليين قد هددوا باجتياح برى لغزة، ونتائج هذا الاجتياح كارثية على الجميع حتى وإن أطراف بلاد الخليج لا تغيب عن خططهم، ولا ينبغى أن ننسى أنهم سيطالبون بأرضهم فى المدينةالمنورة وغيرها، وقد يطالبون بتعويضات نتيجة هزيمتهم فى الغزوات أيام النبى صلى الله عليه وسلم، إنهم يخططون ونحن مازلنا نتخبط. وللأسف مرة أخرى وألف مرة، تتواصل المظاهرات الفئوية فى مصر فى قضايا محلية، رأيت يوم كتابة هذا المقال -وفى ضوء العدوان الصهيونى الغاشم وقتل الجعبرى- علماء الأزهر فى وقفة احتجاج أمام مجلس الشورى فى القاهرة وهذا حقهم- ولكنهم يقفون لأسباب محلية موضعية ليس من بينها غزة ولا العدوان الصهيونى، ولكن من بينها الدستور وضرورة تعديل بعض مواده. ماذا يفيد الدستور- مهما كانت بنوده ومحتواه- وبلادنا تحت الهيمنة الأمريكية والاحتلال الصهيونى لبعض أرضنا، وفى ضوء تقسيم الأمة. نعم لجأ السفراء العرب إلى الأممالمتحدة، وتقدموا بطلب إلى مجلس الأمن، ولكن أعتقد أن هذا للتوثيق فقط، ولكنه لن يجدى فائدة كما لم تكن له فائدة من قبل فى رد العدوان الصهيونى أو حتى فى تنفيذ قرارات الأممالمتحدة العديدة التى ضربت بها إسرائيل عرض الحائط. وهنا مرة أخرى أتذكر ما قاله لى الشيخ الهمام رائد صلاح، رئيس الحركة الاسلامية فى الأرض التى نطلق عليها أرض 48 أو الخط الأخضر. قال لى الشيخ رائد صلاح: الاسرائيليون يسعون إلى تحقيق الدولة اليهودية التى لن تسمح بغير اليهود للحياة فيها. طبعاً يهودية الدولة تقتضى طرد كل غير اليهود من الأراضى التى يحتلونها، على الأقل طرد مليون ومائتى ألف عربى يعيشون اليوم وراء الخط الأخضر ويحملون الجنسية الاسرائيلية، وماذا يحدث لو حدث الاجتياح البرى لغزة ولم نسرع لدعمهم وتثبيتهم فى أرضهم؟ تصوروا ماذا يمكن أن يحدث؟ نحن نحمل أهل فلسطين فى قلوبنا وليس فقط فى أرضنا فهى أرض الأمة، ولكن لمن تترك أرض فلسطين؟ هذا سؤال يحتاج إلى تفكير وإجابة. والله الموفق تم نشره بالعدد رقم 623 بتاريخ 19/11/2012