أكتب هذا المقال من منطقة بالى فى إندونيسيا، حيث سافرت إليها من القاهرة مغرب يوم السبت 3/11/2012، ووصلنا إندونيسيا مغرب يوم الأحد 4/11/2012، مع فارق التوقيت 6 ساعات. الهدف من الرحلة هو حضور دورة حوار من سلسلة حوارات إندونيسية مصرية عن الديمقراطية وكيفية تعميقها فى البلدين. أشرف على هذا الحوار واحتضنه معهد السلام والديمقراطية التابع لجامعة يوداياناUdayana بالتعاون مع وزارة الخارجية الإندونيسية. شارك فى الحوار الذى استمر يومين كاملين فريق مصرى وفريق إندونيسى من المعنيين بالديمقراطية والسلام من أساتذة الجامعات ورجال الأعمال البرلمانيين والسياسيين والوزراء والسفراء. تناولت أجندة الحوار- فضلا عن الأحاديث الافتتاحية المهمة جدا- سبع جلسات لتعميق مفهوم الأسس الدستورية لتحقيق الديمقراطية فى التجربتين المصرية والإندونيسية، بما يشمل الحقوق السياسية وسيادة حكم القانون، والتنمية الاقتصادية، وكذلك بناء المؤسسات الديمقراطية وبناء الدستور والدولة التى تستجيب للاصلاح الدستورى، وتسريع حكم القانون وإصلاح النظام القضائى، وبناء الطاقات القادرة على محاربة الفساد والقضاء عليه. هذا فضلا عن طموحات المواطنين وانغماسهم فى الاصلاح الدستورى. وفضلا عن تلك الجلسات للحوار تم تقسيم المشتركين الى ثلاث مجموعات للإسهام فى ورشات عمل ناقشت كيفية بناء المحكمة الدستورية وتسريع الحالة الدستورية وكيفية تنفيذ القانون بفعالية، وبناء الآلية اللازمة للمحاسبة، والمؤسسات والقوانين والمبادرات الفاعلة فى مواجهة الفساد وهزيمته وحماية الأقليات من خلال الاصلاح الدستورى ومشاركة المرأة فى ذلك الاصلاح، ودور الاعلام فى البناء الدستورى، وبناء ديمقراطية رئاسية فاعلة مع التعدد الحزبى وتحسين الانتخابات ودور الهيئات المشرفة على الانتخابات والتشريعات اللازمة لعملية المحاسبة، والأجهزة التشريعية والتنفيذية اللازمة لذلك. وقبل ختام اليوم الثانى من المناقشات جرى التعرف على الآراء والملاحظات بشأن الندوة والحوار وورش العمل، والتفكير فى مستقبل هذا البرنامج. ذكرت إن الكلمات الافتتاحية كانت مهمة على عكس ما يدور فى معظم اللقاءات من الشكلية والمجاملات، ولقد علمنا من خلال الحديث والحوار مع الدكتور حسن ويراجودة وزير الخارجية الاندونيسية السابق، وسفير إندونيسيا السابق لدى مصر، أنه حضر مبعوثا من قبل إندونيسيا إلى مصر أثناء الثورة فى الفترة من 6-10 فبراير 2011، لإقناع الرئيس المصرى المخلوع مبارك بالتنحى مما يعكس اهتمام الحكومة الإندونيسية والشعب الإندونيسى بإخوانهم فى مصر، كما أبلغنى الرجل نفسه أنه يحتفظ لمصر فى قلبه بمكانة عالية جدا، حيث استطاع من خلال علاقاته مع بعض المصريين – عندما كان سفيرا – ان يحل مشكلة الآلاف من الطلاب الاندونيسيين فى مصر ودفع مصروفاتهم الدراسية بدلا من ترحيلهم وحرمانهم من التعليم فى مصر أثناء الأزمة الاقتصادية التى ضربت إندونيسيا فى أواخر القرن الماضى.الدكتور حسن ويراجودةHassan Wirajuda عضو المجلس الاستشارى للرئيس فى إندونيسيا وقد شارك فى دراسة لتعميق الديمقراطية ووضع استراتيجية لتحسين الآداء الانتخابى والعملية الانتخابية حول العالم، وذلك كعضو فاعل فى اللجنة العالمية للانتخابات والديمقراطية والأمن، هذه اللجنة العالمية جرى تكليفها من الأممالمتحدة لوضع هذه الدراسة المهمة التى ستنشر قريبا، ويرأس اللجنة كوفى عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة ورئيس مؤسسة كوفى عنان الخيرية. هذه اللجنة العالمية برئاسة كوفى عنان تضم 11 عضوا وصديقين اثنين للجنة، ومن ثم كانت اهمية مشاركة صديقنا الدكتور حسن ويرجوادة. أما نائب رئيس اللجنة فهو الدكتور إيرنستو ذى ديللو رئيس المكسيك السابق، وكم تمنيت أن أقول على رئيس عربى الرئيس السابق ونرى مشاركاته العالمية بعد خروجه سالما من الحكم، ومن اعضاء هذه اللجنة العالمية مارتى أهتيسارى رئيس فنلندة السابق والدكتور فيستوس موجاى رئيس بوتسوانا السابق، والدكتورة فيرا فايك فراى بيرجا رئيس لاتفيا السابق أيضا، فضلا عن بعض الشخصيات العالمية ذات الميول الصهيونية مثل الدكتورة مادلين أولبرايت وزير الخارجية الأمريكية الأسبق ورئيس المعهد الديمقراطى القومى، الملاحظ أن تمثيل المرأة فى هذه اللجنة العالمية وهو 5 من 14 يفوق تمثيلها فى اى حكومة بما فى ذلك الحكومة الأمريكية، مما يعكس اهتمام الأممالمتحدة بالمرأة ومشاركتها على المستوى العالمى فى الدراسات الاستراتيجية ودراسات وتقارير تشكيل المستقبل. أثناء كتابة هذا المقال الذى أردته كاملا عن الحوار المصرى الاندونيسى، أُعلنت نتيجة الانتخابات الامريكية التى فاز فيها باراك أوباما، وأحتفظ لنفسه وحزبه بمدة رئاسية ثانية وبالبيت الابيض. المدهش فى هذه النتيجة ليس فوز أوباما، وهزيمة رومنى وهى النتيجة التى سيفرح لها بعض العرب وخصوصا من الحكام وسيحزنون لها أيضا بعض العرب، أقول المدهش هنا أن المهزوم وهو الصهيونى رومنى لن يهرب الى دولة الامارات العربية المتحدة، كما فعل المهزوم فى انتخابات الرئاسة فى مصر أحمد شفيق، ولن يهرب الى المملكة العربية السعودية كما فعل الرئيس التونسى على زين العابدين الهارب بعد الثورة. والمدهش ايضا أن يقول رومنى المهزوم إن الشعب الأمريكى يأتى قبل الانتخابات والنتيجة والاحزاب السياسية، مما يعكس الناحية الايجابية فى الديمقراطية والتعاون الايجابى بين الفائز والمهزوم فى الرئاسة لمصلحة الشعب والتى هى فوق الاحزاب وفوق مؤسسات الدولة، وينادى أوباما بأمريكا الأسرة الواحدة ونحن ننسى أو نهمل الامة الواحدة. أما الذين سيفرحون أو يحزنون من العرب المسئولين أو الشعوب فعليهم أن يدركوا ان أجندة السياسة الخارجية الامريكية نحو العالم وخصوصا قضايا العرب واحدة سواء فاز فيها الديمقراطيون- أوباما، أو فاز فيها الجمهوريون،-ولو كان رومنى، الاستراتيجية الامريكية لا يصنعها الرئيس ولكن ينفذها الرئيس. ولا ندرى ما إذا كانت امريكا عندما تسحب جنودها البائسين فى أفغانستان على غرار الانسحاب من العراق، لا ندرى ما اذا كانت أمريكا عندما ستسحب قواتها من الخليج كذلك، أو ان الناتو سينسحب بالكامل من ليبيا، أو ان امريكا ستظل على موقفها الحالى من الضغوط الاسرائيلية الصهيونية لضرب إيران والسعى لشل برنامجها النووى وتوسيع نطاق القواعد الامريكية. قد تحزن إسرائيل لاعادة انتخاب أوباما وكانت تفضل نجاح رومنى ولكنها فى إطار العلاقات الاستراتيجية الامريكية الاسرائيلية لن تفقد الامل فى تسخير القدرات الامريكية العمياء أحيانا لاستمرار الدعم الامريكى اللامحدود للكيان الصهيونى المحتل للأرض الفلسطينية والمستمر فى عدوانه كل يوم على الفلسطينيين والذى يخطط لاعلان الدولة اليهودية، مما يعنى سلسلة مجازر للعرب الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية أى عرب 48 أو عرب الخط الأخضر داخل حدود الكيان المحتل على غرار بحر البقر أو صابرا و شاتيلا، أو إخراجهم الى أى من المواقع او الاراضى المجاورة المحيطة بفلسطين فى الاردن أو سوريا أو لبنان أو مصر. والعرب يثورون عند قيام المشكلة او الهزيمة ثم يُحكمون الامريكان فى الامر أو الأممالمتحدة، ثم يقبلون بالنتيجة ولو جاءت على غرار كامب ديفيد أو أوسلو أو وادى عربة أو شرم الشيخ، والتى يقبل بها العدو الصهيونى مؤقتا حتى تهدأ المشاعر، وتستمر المؤمرات. وبعيدا عن تعقيدات السياسة الامريكية وخصوصا السياسة الخارجية، التى يدخل العرب فى إطارها، تستضيف إندونيسيا فى نفس البلد الذي نحضر فيه دورة الحوار المصرى الاندونيسى بمنطقة ومدينة بالى، تستضيف إندونيسيا مؤتمر رؤساء آسيا باسيفك وهى مظلة واسعة وتستطيع مع إحسان العمل من خلالها ان تجمع قدرات الدول الأسيوية وفى منطقة الباسيفك للتكامل والتعاون المثمر فى مقابل الهيمنة الامريكية؛ وخصوصا أن الصين الصاعدة وروسيا التى تحاول ان تستعيد شيئا من الاهمية والقوة التى خسرتها فى الحرب الافغانية السوفياتية يمكن ان يضيفا شيئا مهما الى هذا المنتدى آسيا باسيفك الذى تستضيفه حاليا اندونيسيا. أختم هذا المقال بأن الأمة العربية أو الاسلامية وحدها، أو بالتعاون مع دول عدم الانحياز وإندونيسيا من أهم أعضائها، وبالتعاون مع دول آسيا باسيفك وبالسعى للتكامل الاقتصادى والسياسى والأمنى يستطيعون أن يلعبوا دورا مهما لتصحيح مسار الاممالمتحدة وأوضاعها فى المستقبل، ومواجهة الهيمنة الامريكية وتصحيح المسار الديمقراطى والتعاون على البر والتقوى وتحقيق العدل المطلوب لكى تستمر الحياة الصحيحة على المستوى العالمى أو الاقليمى أو الوطنى، وياليت الدول العربية التى خرجت من الديكتاتورية حديثا ومنها مصر تستطيع ان تستفيد من التجربة الإندونيسية فى صياغة الدستور وبناء مؤسسات مواجهة الفساد. والله الموفق نشر بالعدد 622 بتاريخ 12/11/2012