قالت الكاتبة الأندونيسية كارين بروكس التي عملت كعضو في إدارة الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون وساعدت الولاياتالمتحدة بصياغة السياسات في إندونيسيا أثناء السنة الأولى بعد الثورة، أن البيت الأبيض أولى اهتماماً خاصاً لتجربة أندونسيا ومقارنتها بما حدث في مصر منذ الثورة وما بعدها . وذكرت أنه منذ الأيام الأولى للاحتجاجات في مصر، والبيت الابيض يبحث مع عدد من الخبراء في الشأن الأندونيسي، من أجل فهم أفضل لقصة تحول إندونيسيا إلى الديمقراطية. وكان هناك قدراً هائلاً من القواسم المشتركة بين الرئيس المصري حسني مبارك وسوهارتو رئيس إندونيسيا . وتعقد كارين مقارنة بين الواقع الاندونيسي المتشابه بالمصري بعد الثورة , فاندونيسيا تعتبر أكبر موطن لسكان العالم من المسلمين , كما هي مصر الدولة العربية الأكثر إكتظاظاً بالسكان وأغلبهم من المسلمين أيضاً , فكلاهما ذات أغلبية مسلمة وأقليات غير مسلمة وكل من مبارك وسوهارتو له خلفية عسكرية والمفترض أنهما أتى (بدعم من الولاياتالمتحدةالأمريكية ) في وقت وطني عصيب؛ وكلاهما استخدم آليات سياسية علمانية ووطنية بهدف احتكار السلطة؛ وكلاهما احتفظ بتأييد الجيش من خلال رعاية سياسية ومالية مكثفة؛ وكلاهما جعل من القوى السياسية الإسلامية أعداءً شيطانية وحكم عليها بالعمل في السر؛ وكلاهما أحكم سيطرته على الإعلام والمعارضة وكل أشكال المعارضة ؛ وكلاهما جمع ثروات طائلة أثناء وجوده في السلطة؛ وكلاهما قام بتلميع وتجهيز ابناً له ليخلفه في السلطة. وأشارت الكاتبة أن هناك تشابه كبير في مسار الثورة في كلا البلدين بشكل لافت للنظر : في كل من العوامل الخارجية هي التي دفعت الناس للخروج للشوارع ففي مصر كانت الأحداث في تونس مشجعاً وكانت الأزمة المالية الأسيوية في إندونيسيا . قامت الثورة من قبل الشباب، الذين يشعرون بالمرارة من الفجوة بين التنمية السياسية والتنمية الاقتصادية – والدرجة الكبيرة التي إستفاد بها النخبة المقربة حول الرئيس فقط . فشل التحرش بالمتظاهرين وحتى قتل المحتجين لإنهاء المظاهرات، وعمليات النهب والشغب لم تزيد الرأي العام سوى تصلب الرأي ضد النظام الحاكم . ولعبت شبكة الإنترنت أيضاً في غرف الدردشة إندونيسيا؛ وكذلك في مصر، عن طريق تبادل المعلومات طرق جديدة للناس ساعدت في الثورة . تأخرا الرئيسان المصري والأندونيسي في التنازلات التي قدماها للشعب ,ومنها التعهد بعدم الترشح لفترة رئاسية جديدة . عندما أصبح الجيش، في مواجهة حتمية إما استخدام القوة لانهاء المظاهرات أو بالدفع بواحد منهم خارج السلطة فإنهم إختاروا في نهاية المطاف الإختيار الثاني . وربما ما قد يكون الأكثر غرابة في وجه التشابه بين الرئيسان، مبارك، وسوهارتو،أن كلاهما تنحى عن الحكم بعد إسبوعين ونصف تماماً من خروج المتظاهرين إلى الشوارع . وذكرت كارين التحديات التي واجهت مصر والتي تشابهت بدرجة كبيرة مع تحديات إندونيسيا: في كيفية إنتقال الجيش إلى ثكناته العسكرية ؟ وكيفية إصلاح الدستور والنظام الانتخابي للسماح لإجراء اتنخابات حرة ونزيهة في الوقت المناسب؟ وكيفية تسهيل وتطوير نشوء الأحزاب السياسية في وقت زمني ضيق للتأكد من تمثيل كل الأصوات في الانتخابات المقبلة . وقالت كارين أن الخبر المبشر هو أن إندونيسيا قد حققت نجاحا مذهلا مع معظم تحدياتها إن لم يكن في كل ما سبق. وكان ذكاءً أن تدرس إدارة اوباما التجربة الأندونيسية وتدعم التحول الديمقراطي فيها بالرغم من مساندتها الطويلة للنظام السابق . وذكرت الكاتبة بعض الدروس المستفادة المهمة من تلك التجربة : وقالت أن الجداول الزمنية تعتبر حاسمة ولها أهمية كبرى. انتقال الحكم إلى نائب الرئيس بشار الدين يوسف حبيبي بعد استقالة سوهارتو وفي غضون يومين أعلن حبيبي جدولاً زمنياً واضحاً للانتخابات والإصلاح السياسي، وكان من شأن إعلان هذا التاريخ المؤكد للاقتراع أنه أزال التوتر القائم، وفي مصر أصبح بعد الثورة الجيش هو القوة الانتقالية. ولأن الإصلاح الحقيقي يستغرق وقتا. كالإصلاح الدستوري والإصلاح الانتخابي إلخ , لذلك فقد أجريت الانتخابات البرلمانية الأولى في اندونيسيا 7 يونيو 1999 بعد أسبوعين من تنحى سوهارتو . ومع ذلك ، إلا ان الأحزاب السياسية التي كانت قائمة وقت النظام القديم أعتبرت أفضل بكثير من الداخلين الجدد. وبالتالي فإن المقارنة هنا كانت في استعجال العملية في مصر فالمنافسة ستصبح محصورة بين الحزب الوطني الديمقراطي والإخوان المسلمين . وذكرت كارين أن دخول الاسلاميين عالم السياسة جلب الكثير من القلق بجدول اعمالهم الإسلامي المحافظ وكراهيتهم لإسرائيل والولاياتالمتحدة . وفي إندونيسيا نشأ سريعاً حزب سياسي يقتدي بمثال وتعاليم الإخوان المسلمين في مصر وأثبت أنه أحد أقدر الأحزاب على الانضباط والتنظيم من بعد سقوط سوهارتو . بالطبع ليس التشابه متطابقاً بين مصر وإندونيسيا لأن الإخوان في مصر أكبر حجماً وأكثر تنظيماً والأحزاب الوطنية العلمانية مقصورة الآن على الحزب الوطني الديمقراطي (في حين أن إندونيسيا فيها حزبان سياسيان آخران منذ عقود ولهما قواعد قومية بالرغم من أن النظام ظل منغلقاً في الواقع).