أمرٌ طبيعيٌ أن نسمع عن فوضى وعشوائية فى بعض مؤسسات الدولة أو كلها، ومن الطبيعى أيضا أن نسمع اهداراً وسرقة لأموال الشعب فى هذه القطاعات، ولكن ليس من الطبيعى أن تصل هذه الفوضى إلى أموال الزكاة،التى هى حق أصيل للفقراء والمساكين حسب ماشرعه الله لهم، وليس هناك شيء من المبالغة عندما نقول إنه يوجد اهدار لأموال الزكاة فى مصر بسبب عشوائية تصرف القائمين على جمع أموال الزكاة فى مصر فى هذه الأموال، حيث أثبتت أخر الدراسات التى أعدها مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى والذى يعد من أكبر المراكز المتخصصة فى الاقتصاد الإسلامى فى مصر، أن حجم أموال الزكاة فى مصر تراوحت فى آخر عشر سنين مابين 20 و35 مليار جنيه، ووصلت فى عام 2011 إلى 39 مليار جنيه . وعلى الرغم من ان هناك 28 ألف قناة شرعية مصرح لها بجمع وتوزيع أموال الزكاة فإنه يوجد هناك قصور فى عمل هذه القنوات لعدم وجود تنسيق فيما بينها، بالاضافة إلى احتراف البعض مهنة الشحاذة والنصب، يتصدر هذه القنوات بنك ناصر الاجتماعى الذى يعد المؤسسة الأكبر التى تتلقى الزكاة وتعمل على صرفها على المحتاجين ووصل إجمالى ميزانية بنك ناصر الاجتماعى عن العام المالى 2011 /2012، 6 مليارات و985.2 مليون جنيه بزيادة قدرها مليار 41.5 مليون جنيه على العام المالى السابق، وبلغ إجمالى ما قدمه البنك من تمويلات للمواطنين مبلغ 5 مليارات أي 919.5 مليون جنيه بزيادة قدرها مليار و86 مليون جنيه عن العام الماضى، ويأتى بعد بنك ناصر مستشفى 57357 والذي يتلقى سنويا زكاة تتراوح ما بين 3 و 5 مليارات جنيه، ثم جمعية مصر الخير التى تتلقى مابين 6 و8 مليارات جنيه، وجمعيات رسالة والأورمان وبنك الطعام حيث تتلقي سنويا من أموال الزكاة ما لا يقل عن مليارى جنيه. وفى ظل هذه العشوائية التى تتعامل بها هذه الجمعيات، لوحظ هذا العام موجة من الدعاية الإعلانية لهذه الجمعيات على معظم القنوات الفضائية سواء كانت خاصة بالدولة أو القنوات الفضائية الخاصة، ومما يجدر ذكره أن دقيقة الاعلان على هذه القنوات تقدر بمبالغ باهظة، حيث قدرت المبالغ التى يتم دفعها كقيمة اعلانات لهذه الجمعيات ب 7.8 مليار جنيه، اى ما يساوى 20% من قيمة أموال الزكاة كلها عام 2011 وفقا لما أثبتته الدراسة التى أعدها مركز صالح كامل، كما أثبتت الدراسة انه يتم دفع مبلغ 4.8 مليار جنيه للعاملين على جمع أموال الزكاة، بما يساوى 12.5 % من أموال الزكاة عامة، وأشارت الدراسة إلى أنه يتم تجاهل قرى الصعيد والأقاليم عندما يتم توزيع هذه الأموال، حيث ان هناك 200 ألف أسرة فقيرة بمصر منهم 150 ألف أسرة بالصعيد، والتى تحصل على 25% من أموال الزكاة عامة بما لا يتناسب مع حجمها، وذلك لصعوبة الانتقال بالاضافة إلى عدم وجود فروع لبعض الجمعيات بالاقاليم المتطرفة. وعن هذه الفوضى التى تدار بها أموال الفقراء والمساكين، يقول الأستاذ حسين شحاتة، استاذ المحاسبة والمراجعة والزكاة بجامعة الأزهر، إن الزكاة لها دور كبير فى الإصلاح الاقتصادى وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية للأمة الإسلامية، وأشار شحاتة إلى أن عملية الإصلاح تتم من خلال أخذ الأموال من الأغنياء لترد على الفقراء، فيقضى بها الفقير حاجاته الأساسية مثل المأكل والمشرب والملبس والمسكن فتزداد بذلك القوة الشرائية للنقود بنقلها إلى الفقراء الذين ينفقونها على الضروريات بدلاً من إنفاقها على كماليات الأغنياء وبهذا يستطيع الفقير أن يشارك فى الحياة الاقتصادية. وأشار إلى أهمية مشاركة الزكاة فى تنمية الأموال وذلك عن طريق الاستثمار وعدم اكتناز الأموال، فالشريعة الإسلامية فرضت الزكاة على المال الذى يبلغ النصاب ويمر عليه الحول، وهذا يحث صاحب المال على استثماره خشية أن تأكله الزكاة. وأكد شحاتة على أهمية الزكاة فى القضاء على البطالة الموجودة بالبلاد والقضاء على مشكلة تكدس الثروات فى يد فئة قليلة من أفراد المجتمع وتضييق الهوة بين الأغنياء والفقراء. ومن جانبه قال الدكتور محمد عبدالحليم عمر الأستاذ بجامعة الأزهر ومدير مركز صالح كامل للاقتصاد الاسلامى السابق ان توزيع أموال الزكاة بشكلها الحالى لا يحقق الهدف المنشود منه وهو القضاء على الفقر. نظراً لوجود عشوائية فى إدارة هذه الأموال، كما طالب عبد الحليم عمر بأن يكون هناك إدارة مركزية لجمع وتوزيع أموال الزكاة إضافة إلى وجود إدارات محلية فى كل حى وقرية تشكل من أهالى كل منطقة ويكون ذلك تحت إشراف حكومى حتى لا تضيع هذه الأموال، على أن يتم صرفها فى نفس المنطقة التى جمعت منها ولا تنقل إلى منطقة أخرى إلا إذا تم الاكتفاء فى المنطقة التى جمعت منها أو كان هناك من هو أشد حاجة. وأضاف عبدالحليم عمر قائلاً : هناك قصور فى توزيع أموال الزكاة وتتمثل فى أن بعض من تجب عليه الزكاة لا يؤديها، وإن أخرجها تكون بطريقة غير سليمة فلا يعرف شروط الزكاة ولا مقدارها، فهناك من يخرجها لغير مستحقيها مثل فئة البوابين الذين يجمعون الزكاة من سكان العمارة على أنهم محتاجون، فى الوقت نفسه قد يكون هناك موظف لا يستطيع أن يعيش براتبه وهو بذلك يعتبر من المساكين المحتاجين للزكاة، وأكد عمر على ضرورة إغناء الفقراء من أموال الزكاة واعتبر أن عملية التوزيع بشكلها الحالى تشبع حاجة الفقير لفترة مؤقتة. فنجد أن معظم الناس يخرجون زكاتهم فى رمضان وذلك للإنفاق على الحاجات الاستهلاكية المؤقتة للفقراء لمدة أيام أو أسابيع ثم يعانى الفقر بعد ذلك . وقال الخبير الاقتصادى الاسلامى والقيادى الاخوانى عبدالحافظ الصاوى، لابد من التنسيق بين الجمعيات الأهلية لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن الفقراء محترفى التسول الذين يحصلون على مساعدات من أكثر من جمعية فى وقت واحد. ويقول الأستاذ محمد نبيل غنايم رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم وعضو مجمع البحوث الاسلامية تتمثل مشكلة الزكاة فى عدم معرفة المسلمين بفقه الزكاة، فلا يعرفون متى تستحق أموالهم الزكاة وما قيمتها وما هى مصارفها، مما يجعل هذه الأموال تخرج فى غير مواضعها التى حددها الله وبذلك لا تحقق الزكاة الأهداف التى شرعت من أجلها، فجهل المسلمين بفقه الزكاة جعلهم يقعون فى جملة من الأخطاء منها اعتقاد البعض بأن دفع الضرائب يغنى عن إخراج الزكاة، فيكتفى الإنسان بدفع ما عليه من ضريبة ويترك الزكاة وهذا خطأ شائع وفادح وكذلك قيام بعض الناس بتأخير زكاة أموالهم إلى شهر رمضان وكأن الفقراء لا يشعرون بالجوع والحاجة إلا فى هذا الشهر فإخراج الزكاة فى رمضان مثل بقية الأشهر وليس هناك فضل لإخراجها فى الشهر الكريم. فالزكاة فريضة دينية مالية منضبطة والفرائض مرتبطة بتوقيت، فالصلاة لها توقيت محدد فلا يجوز الصلاة قبل وقتها، وكذلك الزكاة لا تؤخر ولا تقدم إلا لضرورة. فالمال إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول أصبح مال الله والإنسان مستخلف فيه وسوف يسأل عنه ويجب عليه إخراجه عندما يمر عليه الحول حتى تكون مساعدة الفقراء مستمرة طوال العام ولا تقتصر على رمضان فقط. وأشار إلى أن الزكاة لها مخارج ثمانية فقط والتى حددها الله فى كتابه العزيز بقوله: «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم»، مؤكداً أن قيام بعض الناس بإخراج الزكاة فى بناء المساجد أو بناء المدارس أو طباعة الكتب فهذا غير جائز، وهذا ما قد يسبب عدم وصول هذه الأموال إلى مستحقيها واختتم حديثه قائلاً: يجب على الإنسان أن يبذل الجهد حتى تصل زكاته إلى مستحقيها. وعن الفكرة التى تناقشها اللجنة التأسيسية للدستور والخاصة بإنشاء هيئة تعمل على جمع الزكاة قال القيادى السلفى يونس مخيون وعضو لجنة المقومات باللجنة التأسيسية للدستور الزكاة لها دور كبير فى حل مشكلات المجتمع، ومن الطبيعى ان المسلمين يخرجون زكاتهم بصورة مستمرة، ولكن هذه الزكاة لا تذهب إلى مكانها الصحيح، ولهذا اقترحنا انشاء هذه الهيئة، على ان تكون هيئة أهلية وليست حكومية، بالاضافة إلى انها لن تكون الزامية، ودورها توجيهى فقط تقوم بتوعية الناس وارشادهم ومساعدتهم فى ايصال أموالهم إلى مستحقيها، وكان من المقترح أن تقوم الدولة بمجرد توجيهها ومساعدتها، وعن سبب هذا الاقتراح قال مخيون إن العشوائية التى يشهدها مجال الزكاوات هو سبب اقتراحنا لانشاء هذه الهيئة، واختتم مخيون حديثه قائلاً : إنه هذا الامر مازال فى مجال الاقتراح وسيعرض على اللجنة العامة للموافقة عليه أو رفضه . وفى هذا يقول د.ابراهيم عبد الرحيم أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر إن فكرة بيت المال أو ما شابهها من وجود سلطة إسلامية تتولى توفير مصادر لتمويل التنمية البشرية وتنمية الدولة الاسلامية هو موجود منذ فجر الاسلام ومع بداية حكم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضى الله عنه، ولكن زكاة المال تقتطع بنسب معينة وضوابط حتى تصل لمستحقيها فعلى سبيل المثال لا يصبح توجيه اموال الزكاة لتقديم خدمة، حيث لابد وان يقدم فى شكل أموال للمستحق له الزكاة والمتمثل فى مصارفها الشرعية الثمانية الا اذا كان يرتبط ذلك بمصرف فى «سبيل الله» مثلا فعلى ولى الأمر المسلم الواعى بشروط الزكاة ومصارفها ان يتم توجيهها فى كل ما يرتقى بالانسان والمواطن المصري. ومن جهته قال د.عبد البديع أبوهاشم أستاذ الفقه بجامعة الازهر أهمية انشاء مثل هذه المؤسسة يتمثل فى كونها وسيلة لتحقيق افضل استفادة من هذه الفريضة مادام لا يوجد هناك قانون ينظم عملية جمع الزكاة خاصة انه يرى ان هذه الأموال فى الأصل من حق الدولة والتى يجب ان تقوم بجمعها وانفاقها فى مصارفها الشرعية المحددة من خلال قانون معلن ورقابة مشددة ويؤكد أبو هاشم ان ما أدى إلى إهدار أموال الزكاة فى مصر هو أنها أصبحت قضية شخصية متروكة للفرد وليست قضية مجتمع . تم نشره بعدد 609 بتاريخ 13/8/2012