قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم-: "لقد تحولت ظاهرة التأسلم السياسي من دعوة تدَّعى أنها إسلامية، تدعو إلى إحياء شعائر الإسلام في نفوس الناس، والدعوةِ إلى التمسك بالقيم الإسلامية ومكارم الأخلاق الكريمة، إلى كارثة أو كابوس مزعج للأمة الإسلامية، بل للعالم بأسره". وأضاف مفتي الجمهورية، في تصريحات الليلة، أن التأسلم السياسي هو الاستغلال السياسي والسيئ للإسلام للوصول إلى أغراض معينة في الماضي والحاضر بداية من عصر الخوارج إلى عصر الإخوان الآن.
وأكد مفتي الجمهورية أنه بغض النظر عن الظروف التي نشأت فيها هذه الحركات السياسية والتي استغلت الدين استغلالًا خاطئًا؛ فقد فشلت فشلًا ذريعًا نتيجة سوء مذهبهم ومنهجهم، فقد سقط مشروعهم دينيًّا وقيميًّا وأخلاقيًّا منذ بداية نشأته، والسبب في ذلك أنه قام على أسس واهية، ومفاهيم خاطئة، وتصورات باطلة، وما بني على باطل فهو باطل.
ولفت النظر إلى أن مقاصد الشريعة التي يتوجب الحفاظ عليها لا تتم إلا من خلال الدولة والوطن؛ فإذا سقطت الدول سقط الحفاظ على هذه المقاصد.
وأضاف مفتي الجمهورية قائلًا: "إن المواجهة الفكرية المتمثلة في العلم الرشيد وكذلك المواجهة الأمنية ضد أعداء الوطن يسيران جنبًا إلى جنب، فبينهما تكامل وتوافق، وهذا ما عبَّر عنه قديمًا سيدنا ابن عباس عندما ذهب لمناقشة الخوارج فيما يتبنونه من أفكار، فقال لهم: أتيتكم من عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار (وهو ما يعني العلم الرشيد)، ومن عند ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره (والذي يمثل رأس الدولة والسلطة)، وعليهم نزل القرآن، وهم أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد لأبلغكم ما يقولون وأبلغهم ما تقولون.
أما عن شهادات علماء الأزهر في جماعة الإخوان فقد استكمل فضيلته هذه الشهادات الثمينة قائلًا: لقد استشعر الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي -عضو جماعة كبار العلماء بالأزهر- خطر الإخوان برؤية ثاقبة ومستشرفة للمستقبل عند نقده لكتاب "معالم في الطريق" لسيد قطب عام 1965م وتفنيده لما جاء فيه تفنيدًا علميًّا بعقل أزهري متفتح، بناءً على طلب الإمام الأكبر شيخ الأزهر وقتها الشيخ حسن مأمون الذي أسند إليه مراجعة وكتابة تقرير عن مضمون الكتاب جاء فيه: "لأول نظرة في الكتاب يدرك القارئ أن موضوعه الدعوة إلى الإسلام، ولكن أسلوبه أسلوب استفزازي، يفاجأ القارئ بما يهيِّج مشاعره الدينية، وخاصة إذا كان من الشباب أو البسطاء، الذين يندفعون في غير روية إلى دعوة الداعي باسم الدين، ويتقبَّلون ما يوحى إليهم من أحداث، ويحسبون أنها دعوة الحق الخالصة لوجه الله، وأن الأخذ بها سبيل إلى الجنة".
وأضاف مفتي الجمهورية أن الشيخ الأزهري السبكي لم يُعد سيد قطب من العلماء أو الفقهاء ولا المجتهدين، بل نعته بالمؤلف؛ مما يدلل على رأيه فيه صراحة، وبوضوح.
وأضاف المفتي معلقًا على شهادة الشيخ السبكي: "ولم يختلف سيد قطب عن معاصريه من أمثاله، فقد نفى الإسلام عن الأمة، وكذلك غيَّب حسن البنا الإسلام عن الأمة، وقد طرحا العنف والتدمير كحل للصدام مع المجتمع ومع الدولة، وهو ما تحقق لاحقًا؛ مما يدلل على كذب زعمهم بتبني السلمية، ولم يختلفا عن سابقيهما من الخوارج في الصدام والتكفير والعداء للمسلمين، بل إن جماعة الإخوان أحيت مفاهيم وأفكار جماعات الخوارج الأوائل ولكن بشكل أكثر تعقيدًا وأخطر تركيبًا".
وأردف مفتي الجمهورية مستكملًا شهادة الشيخ السبكي على الإخوان مستنكرًا إنكار سيد قطب ونفيه وجود أمة إسلامية منذ قرون كثيرة، قائلًا ومتعجبًا: "وهذا يعني أن عهود الإسلام الزاهرة، وأئمة الإسلام، وأعلام العلم والمجتهدين كانوا في جاهلية، وليسوا من الإسلام في شيء، على حسب زعم سيد قطب حتى يجيء هو إلى الدنيا!"
ويواصل مفتي الجمهورية عرض شهادات علماء الأزهر الأجلاء فيعرض شهادة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق في كتابه "بيان للناس من الأزهر الشريف" فيقول:"ثم ظهرت في العشرينيات من القرن العشرين حركة تنادي بوجوب الاستغناء عن القوانين الوضعية والعودة إلى القوانين الإسلامية بحكم أننا دولة إسلامية، وأن تاريخنا الطويل منذ عهد الفراعنة ورسالة إدريس عليه السلام يقوم على الدين، وأن حضارتنا في جميع عصورها مصبوغة بصبغة دينية، إلى جانب أننا كبشر لا يصح أن نستغني عن هداية الله بهداية غير الله تمسكًا بالمادة الأولى في دستور الحياة البشرية يوم أن أهبط الله آدم إلى الأرض... وكان من أثر هذا الفكر انحراف في السلوك أدى إلى قتل واغتيال وتخريب وفتنة راح ضحيتها أبرياء، نسجل للتاريخ بعض هذه الأحداث، أهمها: اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي في 1948م، ومحاولة اغتيال جمال عبد الناصر سنة 1954م وغيرهما".
ويستكمل المفتي عرضه لشهادات العلماء فيعرض شهادة الشيخ د. عبد الله دراز قائلًا: "فقد أعلن شهادته في كلمة للإذاعة في سنة 1954م عنوانها "الإسلام دين توحيد ووحدة وسلام وأمان" يؤيد تمامًا ما جاء في قرار هيئة كبار العلماء في رفض انحرافاتها".
ومن المثير للعجب والدهشة أن بعض شيوخ حسن البنا نصحوه بعدم تأسيس جماعة الإخوان وهو الشيخ الأزهري الجليل السيد عبد الوهاب الحصافي شيخ الطريقة الحصافية - التي كان البنا واحد منها - فيقول مفتي الجمهورية: "وهو أول من نصح البنا بعدم المضي فيما مضى فيه من إنشاء جماعة الإخوان، وأن البنا مع ثقته بعلم الرجل وعقله وإخلاصه وورعه وتقواه إلا أنه رفض النصيحة، واستمر في تأسيس الجماعة حتى اعترف البنا بذلك قائلًا: "واستمرت صلتنا على أحسن حال بشيخنا السيد عبد الوهاب حتى أنشئت جمعيات الإخوان المسلمين وانتشرت، وكان له فيها رأي، ولنا فيها رأي، وانحاز كل إلى رأيه، ولا زلنا نحفظ للسيد الشيخ الحصافي –جزاه الله عنا خيرًا- أجمل ما يحفظ مريد محب مخلص لشيخ عالم عامل تقي، نصح فأخلص النصيحة، وأرشد فأحسن الإرشاد".
ويضيف المفتي أن هناك أكثر من عالم ومجتهد وفقيه وصفوا الإخوان بالخوارج فلم نكن أول من وصفهم بذلك، بل جاز لنا أن نطلقها عليهم بارتياح، فيقول الشيخ أحمد شاكر في شهادته عن الإخوان واصفًا إياهم بالخوارج: "روعوا العالم الإسلامي والعالم العربي، بل كثيرًا من الأقطار غيرهما باغتيال الرجل.. الرجل بمعنى الكلمة النقراشي الشهيد -غفر الله له، وألحقه بالصديقين والشهداء والصالحين- وقد سبقت ذلك أحداث قدم بعضها للقضاء، وقال فيه كلمته، وما أنا الآن بصدد نقد الأحكام، ولكني كنت أقرأ كما يقرأ غيري الكلام في الجرائم السياسية، وأتساءل: أنحن في بلد فيه مسلمون؟ وقد رأيت أن واجبًا عليَّ أن أبيِّن هذا الأمر من الوجهة الإسلامية الصحيحة، حتى لا يكون هناك عذر لمعتذر، ولعل الله يهدي بعض هؤلاء الخوارج المجرمين فيرجعوا إلى دينهم قبل أن لا يكون سبيل إلى الرجوع، وما ندري من ذا بعد النقراشي في قائمة هؤلاء الناس".
وأكد مفتي الجمهورية أن تجديد الخطاب الديني الرشيد يصب في مصلحة حماية الأوطان من الإخوان ويشمل الفتوى الرشيدة والعلم الرشيد وتصحيح المسار وتصحيح المفاهيم المغلوطة عند هؤلاء الإخوان.
وأضاف مفتي الجمهورية قائلا: "إننا نرى الدلائل والبراهين القوية على قرب نهاية الإخوان، ويعزز هذا ما يوجد لدينا من رصيد علمي كبير في الرد عليهم، حتى إن شعبيتهم تقترب من التلاشي برغم دعواتهم المتكررة؛ مما يدل على وعي المجتمعات بخطرهم وعدم الالتفات لأوهامهم. ونحن في دار الإفتاء لا نلتفت لهجومهم علينا جراء نطقنا بالحق فقد تربينا على قول الحق وعدم الخوف من الباطل".