عندما التحقت بالعمل فى الإذاعة بمسابقة رسمية أختبرنى فيها الرائد الإذاعى الراجل جلال معوض و الأساتذة عمر بطيشة و فاروق خورشيد و هالة الحديدى و محمد إبراهيم أبو سنة ، كنت حاصلة على ليسانس الآثار بتقدير جيد جدا و معى ترخيص العمل فى الإرشاد السياحى و بالفعل تم تعينى فى الإذاعة المصرية فى وظيفة مقدم برامج ، إلا أنى كان لدى قناعة أن لكل مجال ما ينظمه من علم و له أدواته و قواعده التى من المفروض أن يلم بها من يعمل فى مجال ما، و لم أكن ارحب بفكرة العمل بأسلوب الخبرة العملية ، لأنه ببساطة لو الموضوع خبرة عملية ما كان العلماء أسسوا للعلوم المختلفة و لا وضعوا النظريات العلمية . من هذا المنطلق اتلحقت بكلية الإعلام جامعة القاهرة لدراسة الإعلام المسموع و المرئى على أسس علمية ، و حصلت على دبلوم دراسات عليا ، فى قسم الإذاعة و التليفزيون عام 2002 ، و شعرت أنى وجدت ضالتى المنشودة فى فهم مصطلحات خاصة بهذا العلم " علم الإعلام " ، و كذلك التعرف على وظائف الإعلام الأساسية و هى : ( الإعلام "بالميم " و نقل التراث من جيل لأخر و التوعية و الترفيه ) ، هذه هى وظائف الإعلام التى وجدتها قريبة من شخصيتى و من دراستى الأولى للآثار و الحضارة فالوظيفة الثانية للإعلام هى "نقل التراث من جيل لأخر " ، إذاً هذه رسالتى التى أؤمن بها من صغرى و هى "نشر الوعى الحضارى " بين الشباب و صغار السن ، كذلك احترمت باقى الوظائف من إعلام الناس بالحقائق و التوعية و الترفيه عنهم . لكن مع مرور الوقت وجدت الإعلام و قد تحول لسلعة مثل باقى السلع فى زمن العولمة ، و أصبح الإعلام " إعلاناً" بالنون ، و تسارع على جذب المشاهدين لمشاهدة اى مادة إعلانية لجنى الأرباح ، و أصبحت الحرب على إعلام الدولة كبيرة و اليات العمل بقوانين قديمة و سياسيات قديمة تُعيق حدوث التطوير المنشود ، لأنه ببساطة حتى و إن أراد أى مسئول فى الإعلام الرسمى أن يطور من العمل الإعلامى ، ستقف له اللوائح و القوانين كعائق ضخم يطيح بأحلام التطوير و كسر الروتين . لذا يحتاج الإعلام إلى يد قوية لدولة قوية تهتم بالإعلام و تؤمن بإعلام الدولة و تتبنى مشروعاً ضخماً لإعلام يكون نافذة يطل عليها المواطن ليعبر عن أماله و مشاكله و فكره و أطروحاته للحاضر و المستقبل دون قيد أو شرط ، مع البعد عن التلفيق و التضليل ، و فى ذات الوقت البعد عن تكميم الأفواه و تجميل الصورة ، فليس فى مصلحة الدولة و لا النظام و لا الشعب أن يكون هناك ساتر يحجب الحقيقة عن السلطة ، و لكن المفترض أن يكون الإعلام مرآة صادقة للواجب و مصدر من مصارد إيصال الحقائق و ملفات من الواقع ، يستفيد منها صانع القرار فى صنع قراره و المفترض أن يكون فى صالح المواطن و الوطن . هذا هو المفترض و المأمول فى إعلام الدولة أو ما يُعرف بالإعلام الرسمى ، أما ما يحدث فى الإعلام الخاص فكثيرا ما يبتعد عن ملامح الإعلام الحقيقى و يقترب من جلسات النميمة أو ما كان يُستخدم فى جرائد صفراء اُشتهرت بأخبار الفضائح و السباب و التلفيق ، و هذا النوع من الإعلام لا يبنى وطنا بل يزيف الواقع و يُعيب العقول . و لن يحدث أى تغيير إلا بتغيير السياسات و القوانين ، بسياسات جديدة يتدرب عليها مجموعة متحمسة ، تبدأ العمل الجاد فى التغيير بدراسات و خطط جادة للتطوير و الإدارة الرشيدة للإعلام الرسمى الذى يعتبر من دعائم الأمن القومى المصرى ،و الأستثمار الجيد للموارد المالية و البشرية فى الإعلام المسموع و المرئى ، و أن تكون الإدارة فى يد من درسوا إدارة مؤسسات إعلامية بشكل أكاديمى فترة مناسبة كى لا تكون الاجتهادات الفردية هى المقياس ، بل العلم هو المقياس و التغير بناء على خطط موضوعة بعناية ، و تطهير مؤسسة الإعلام من الفساد و مظاهر إهدار المال العام ، و وضع الإنسان المناسب فى المكان المناسب