لم يختلف أحد على أن إفراج السلطات التركية عن القس الأمريكي أندرو برانسون، تم جراء صفقة أمريكية تركية، فبالإضافة إلى تلميح الصحف التركية الرسمية إلى أن ما حدث يدخل ضمن اتفاق أمريكي تركي يشمل إخلاء منطقة شرق الفرات السورية المحاذية للحدود التركية من الأكراد السوريين، المختلفين مع النظام التركي، خرجت تسريبات صحفية قبل يومًا واحد من صدور الحكم، تؤكد وجود صفقة مبرمة سيتم بموجبها الإفراج عن القس مقابل رفع الإجراءات العقابية التجارية الأمريكية تجاه تركيا. ولهذا فأن إفراج السلطات التركية عن القس الأمريكي أندرو برانسون، مثلما له الكثير من التداعيات الإيجابية على الولاياتالمتحدةالأمريكية وبالأخص الرئيس دونالد ترامب، حيث تعيد الكثير من المكاسب له على المستوى الداخلي، فأن لهذه الصفقة الكثير من التداعيات السلبية، وبالأحرى الخسائر على النظام التركي وبالأخص الرئيس التركي رجب أردوغان، الذي اهتزت صورته الداخلية وكُشف زيف خطابه الناري.
لحظة الأفراج عن القس الأمريكي أندرو برانسون
فقدان القضاء التركي نزاهته
أكبر خسائر النظام التركي بعد الإفراج عن القس الأمريكي، هو فقدان القضاء مصداقيته على المستوى الدولي، فلن يكون أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المستقبل أي مخرج للتحدث عن نزاهته مرة أخرى، في ظل معاركه الكثيرة حيث يحاكم القضاء الآلاف بينهم أجانب بتهمة المشاركة في محاولة الانقلاب التي شهدتها البلاد قبل عامين.
اقرأ أيضًا: الديكتاتور التركي ينحني لواشنطن.. كيف علق ترامب والخليج على إخلاء سبيل القس الأمريكي؟ وبعد تلميح صحف تركية إلى وجود صفقة أمريكية تركية تم بموجبها الإفراج عن القس الأمريكي، وهو أكده مسئولان أميركيان كبيران لصحيفة «واشنطن بوست»، الخميس، أنهما على علم بقرار الإفراج عن برانسون قبل ساعات من قرار المحكمة، اهتز القضاء التركي أكثر بعد فقدانه الكثير من مصداقيته في وقت سابق بعد تعديل الدستور الذي منح الرئيس صلاحيات واسعة. وواقعة القس التي فضحت للعالم قبضة الرئيس رجب طيب أردوغان على القضاء، ستضع أمام الرئيس التركي الكثير من الضغوط في الفترة المقبلة، لاسيما في القضايا التي تتهم فيها السلطات التركية بعض الأجانب بالمشاركة في محاولة الانقلاب والانتماء لأحزاب معارضة، حيث سيكون أمام دول هؤلاء المتهمين الفرصة للمطالبة بالإفراج عنهم، على غرار ما حدث في صفقة برانسون. صعوبة تحسن العلاقات الأمريكية التركية من جهة أخرى فأن ظنون الرئيس التركي رجب طيب أنه بالإفراج عن القس الأمريكي ستعود العلاقة الأمريكية التركية إلى سابق عهدها، وسترفع العقوبات المفروضة على تركيا خاطئة شكلًا وموضوعًا، لاسيما وأن هناك قضايا أخرى تشهد خلافات كبيرة بين البلدين، وأبرزها رفض الولاياتالمتحدة استرجاع رئيس حركة الخدمة المعارضة فتح الله جولن، وعدم إطلاقها سراح هاكان أتيلا المعتقل في أمريكا بتهمة خرق العقوبات الأمريكية على إيران، الأمر الذي اعتبره المحلل السياسي التركي المعارض محمد عبيد الله قد يؤدي إلى فرض واشنطن عقوبات إضافية على تركيا لخرق بنوكها العقوبات الأمريكية على إيران.
اقرأ أيضًا: التداعيات الداخلية للإفراج عن القس برانسون.. هل تزيد من فرص فوز ترامب بالكونجرس؟ وبخلاف ذلك فأن القس الأمريكي المفرج عنه ليس إلا أحدًا من الأمريكيين الذين تعتقلهم السلطات التركية، بتهمة المشاركة في الانقلاب، حيث تعتقل السلطات التركية اثنين من مسئولي القنصلية الأمريكية، كما قضى القضاء بالحكم على أمريكي من أصل تركي بالسجن، الأمر الذي يؤكد أن الإفراج عن برانسون لم يعد نهاية الخلافات الأمريكية التركية، خاصة المتعلقة باعتقال تركيا أصحاب الجنسية الأمريكية بتهمة الانضمام لحركة معارضة. في الوقت ذاته فأن علاقات تركيا المتوطدة مؤخرًا مع روسيا، لم تروق لقطاع عريض من صناع القرار في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو ما قد يضعف من احتمالات تخفيف الضغط الأمريكي على الاقتصاد التركي، حيث يطالب أعضاء بالكونجرس إلى فرض المزيد من العقوبات على تركيا بسبب تخطيطها لشراء نظام دفاع صاروخي من روسيا. لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقس الأمريكي أندرو برانسون
وبدت تركيا أو بالأحرى النظام التركي يظهر أنه الحلقة الأضعف في علاقاته مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، فعلى الرغم من الصراخ الأردوغاني، بأنه لن يرضخ للضغوط الأمريكية وأن بلاده تواجه مؤامرة من الخارج، أثبت الإفراج عن القس الأمريكي عبيد الله عدم امتلاك أردوغان أوراق ضغط على أمريكا، فرغم أن أي صفقة سرية كانت أو علانية تعتمد على مفهوم المنفعة المتبادلة للطرفين، إلا أن تركيا لم تكن أمامها أي فرصة للاستفادة منها، أو أوراق تتم عملية المقايضة بها. صعوبة تطبيق اتفاق منبج تلميح بعض الصحف التركية الرسمية إلى أن الإفراج عن القس الأمريكي، سيكون مقابله تفعيل اتفاق منبج، الموقع في يونيو الماضي بين الولاياتالمتحدةوتركيا، والذي لم يتم تنفيذه حتى الآن، والذي تسعى أنقرة بموجبه إلى انسحاب قوات «سوريا الديمقراطية» من مدينة منبج إلى شرق نهر الفرات ويتم نزع سلاحها، لا يزال أمرًا صعب المنال لعدة اعتبارات، أولها الرفض الروسي للاتفاق الذي يعتبر أحد الأسباب الرئيسية المؤدية إلى عدم تنفيذه حتى الآن ، فبعد ساعات من الإعلان عن الاتفاق عبرت القناة المركزية لقاعدة «حميميم» الروسية على لسان فلاديمير نيتريبوف، عن امتعاضها منه، معتبراه اتفاقاً باطلاً بكافّة المقاييس والمعايير الدولية.
اقرأ أيضًا: "قفا ترامب الساخن على أردوغان".. كيف سخر المغردون من الرئيس التركي بعد إفراجه عن القس؟ عدم تعاون أمريكا مع تركيا في الملف السوري هو أمر ليس بالجديد، وهو ما أرجعه محللون إلى عدم ثقة واشنطن في النظام التركي، ففى وقت وقع فيه الجانبان اتفاق منبج لطمأنة أنقرة، راحت الأخيرة توقع اتفاق آخر مع روسيا في إدلب لإقامة منطقة منزوعة السلاح ، الأمر الذي تسبب في تجاهل الولاياتالمتحدة الأميركية للاتفاق الموقع مع حكومة أنقرة، وهو ما أدى إلى تعزيز فكرة استمرار التعاون مع الأكراد في الملف السوري، خاصة وأن مراكز أبحاث الرأي في الولاياتالمتحدةالأمريكية تدعم هذا التوجه. اهتزاز صورة أردوغان أمام مناصريه
الصورة لم تعد أيضًا وردية لرجب طيب أردوغان في الداخل التركي بعد الإفراج عن القس الأمريكي، حيث اهتز شكله كثيرًا أمام مناصريه قبل معارضيه، الذين أبدوا غضبهم من هذا القرار، فأكبر المتحالفين مع حزب العدالة والتنمية التابع للرئيس التركي، حزب الحركة القومية أكد على لسان رئيسه دولت بهشتلي إيذاء الشعور الوطني الخاص بالمواطنين بعد قرار الإفراج عن برانسون، مضيفًا أن هذه القرارات جاءت نتيجة ضغوط واستفزازات سياسية. رجب طيب اردوغان وبالإضافة إلى امتعاض المؤيدين لهذا القرار، فأن المعارضة التركية بدت أكثر استفادة منه، حيث يشير القرار الأخير بالإفراج عن شخص اتهمه الرئيس التركي نفسه مرات المرات بالمشاركة في محاولة الانقلاب، سقوط مزاعم أردوغان الكاملة حول الانقلاب، حيث طالبت المعارضة بضرورة الإفراج عن كافة المعتقلين بذات التهمة كما حدث مع برانسون.