تستطيع أن تري بين الفنانين من هم دائمو التواجد في البث الإعلامي بشقيه أرضي وفضائي حيث يحقق لهم الإعلام قوة أدبية ومكانة خاصة ربما لا يكون لها بالضرورة في الحقيقة سند إبداعي ولكن البعض يحدد مكانة الناس أحياناً بهذا "الترمومتر".. مثلاً الدكتور الذي يراه الجمهور كثيراً في التليفزيون يذهبون إلي عيادته ويرتفع سعره وقارئ القرآن الذي تستمع إليه في محطة القرآن الكريم يزداد الطلب عليه بعدها في السرادقات.. البعض صار يكتفي بالحضور الإعلامي حتي يصبح حضور الاسم الدائم بديلاً عن حضور الإبداع.. وهكذا مر بهدوء يوم ميلاد الموسيقار "هاني شنودة" قبل بضعة أيام. "هاني" يكتفي بأن يحتضن ومضاته ويحاول أن يصل لجمهوره ولو من ثقب إبرة فهو محارب بالنغمة، ثوري بالفكر، موهوب بالسليقة.."هاني" هو مؤسس فرقة "المصريين" التي أحدثت انقلاباً موسيقياً منذ نهاية السبعينيات عندما انطلقت بروح ورؤية مغايرة للسائد وقدمت أغنيات خارج القاموس الشعري والموسيقي التقليدي مثل "ما تحسبوش يا بنات" أو "بنات كتير كده من سني"، ماشية السنيورة" وغيرها.. ضرب "هاني شنودة" في كل الاتجاهات العاطفية والسياسية والاجتماعية مستعيناً بعقول مخضرمة وأخري شابة كانت أيضاً تؤمن بنفس المنهج وهكذا تجد معه من البداية "صلاح جاهين" ، "شوقي حجاب" ، "عبد الرحيم منصور" ، "بهاء الدين محمد" ، "عصام عبد الله" ومن الأسماء التي بدأت رحلتها معه المطربان اللذان يحتلان القمة حالياَ "محمد منير" و"عمرو دياب".. كان تأثير "هاني شنودة" هو الأعمق علي الساحة الفنية ليس بسبب نجاح فرقته ولكن لأنها أحدثت تياراً موسيقياً وولدت من رحمها فرق أخري وصل عددها إلي 128 وكانت هذه هي الدلالة الكبري علي أنه جاء في الوقت المناسب وردد نغمة كانت علي ألسنة شباب ذلك الزمان.. صحيح لم يواصل الطريق سوي عدد محدود منها مثل "فور إم" عزت أبوعوف ، "الأصدقاء" عمار الشريعي و"طيبة" للأخوين الإمام "حسين" و"مودي".. حالة غنائية امتلكت كل ربوع مصر كل الفرق الأخري انقسمت علي نفسها أو اتجه أصحابها إلي مجالات أخري.. "الأصدقاء" كان من بين نجومها مثلاً "علاء عبد الخالق" و"حنان" و"مني عبد الغني" كل منهم ذهب إلي طريق.. "أبو عوف" ترك الفرقة واتجه للتمثيل.. الأخوان "إمام" حسين صار واحدا من نجوم التمثيل و"مودي" اتجه بطاقته للموسيقي التصويرية وكان في الفرقة عازف الدرامز "أحمد عز" الذي أصبح مليارديراً في عهد المخلوع ولم يكن أحد يذكر أنه كان عازفاً في الفرقة إلا بعد التحاقه بطرة.. الفرق كلها تعرضت لعوامل الزمن التي أحالتها إلي فعل ماضي.. حاول "هاني شنودة" في لحظة زمنية أن يشكل فريقاً آخر بل واتجه إلي تغيير عنوان الفرقة.. ولم أفهم السر وهو من المؤكد لم يكن لديه أسبابه سوي أنه قال وأن هذه التجربة ليست امتدادا للمصريين وماتت وعاد مرة أخري اسم "المصريين" وواصل "هاني" العطاء برغم الأجواء القاسية. "هاني" بدأ مع "إيمان يونس" تزوجت وسافرت ثم استعان ب"مني عزيز" تزوجت وابتعدت قبل 15 عاماً ومنذ ذلك الحين لم يعثر علي بديل لها.. لم يكتف "هاني" بالأغاني الجماعية لكنه قدم أغنيات فردية مثل "أنا بعشق البحر" لنجاة كلمات الشاعر "عبد الرحيم منصور" وهي تشكل حالة مغايرة لما تعودت عليه الأغاني حيث اللحن متمرد تماماً علي الشكل التقليدي و"نجاة" أيضاً قدمت في أدائها إحساساً مختلفاً ولا يعلم كثيرون أن "محمد منير" هو الذي قام بتحفيظ "نجاة" هذه الأغنيات لأن "هاني شنودة" مثل أستاذه الموسيقار "محمد القصبجي" لا يتمتع بصوت جميل.. ولا ننسي له واحدة من أروع أغانينا "زحمة يا دنيا زحمة" بصوت "عدوية".. "هاني" واحد من الظرفاء لديه الكثير من التعبيرات فهو القائل "الشباب شباب الركب" فهو يري أن الإنسان طالما لم يشعر بالألم في ركبتيه فهو لا يزال شاباً.. وقد يكون هذا صحيحاً بنسبة كبيرة ولكن أيضاً أضيف الشباب شباب الإبداع و"شنودة" بإصراره علي أن يكمل رحلةفرقة "المصريين" يعيش ولا يزال شباب الإبداع، أما الركب فهو أدري بحالتها!! نشر بالعدد رقم 595 بتاريخ 5/5/2012