التجهيزات مكتملة.. تفاصيل بدء "الوطنية للانتخابات" تلقي أوراق الترشح غدًا    موعد إجازة ثورة 23 يوليو 2025 للموظفين    التضخم في فرنسا يرتفع بنسبة 0.8% خلال يونيو    أول زيارة برلمانية للتجمعات التنموية بسانت كاترين، وفد محلية النواب يستمع لمشكلات بدو سيناء    منها بالبحر المتوسط.. البترول: إغلاق التزايد على عدد من مناطق استكشاف جديدة    تفاصيل نهائي سلسلة كأس العالم وبطولة العالم للتتابعات للخماسي الحديث    ل «زيادة المشاهدات والأرباح».. المصري اليوم ترصد أبرز 3 «تريندات وهمية» في مصر (فيديو)    رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس عبر الموقع الرسمي ل بوابة التعليم الفني    عمر كمال يحيي حفل البيت الفني للفنون الشعبية على مسرح محمد عبد الوهاب بالإسكندرية    صبا مبارك: «220 يوم» معقد وكله تفاصيل.. والدنيا اتقلبت لما بوستر المسلسل نزل    ما هي السنن النبوية والأعمال المستحب فعلها يوم عاشوراء؟    أسوان يعلن تعيين أمير عزمي مدربا للفريق    باحث في الشؤون الإيرانية: طهران منفتحة على التفاوض لكنها تطالب بضمانات دولية    تدهور الحالة، تحقيق عاجل من الصحة في شكوى بسمة وهبة ضد مستشفى بالمهندسين    أعراض التهاب الشعب الهوائية وطرق علاجها بالمنزل    رئيس أساقفة الكنيسة الإنجليكانية يزور محافظ المنيا لبحث أنشطة الحوار والتفاهم المجتمعي    مطالب برلمانية بتغليظ عقوبة عقوق الوالدين    مقتل مُسن على يد شاب بسبب خلافات أسرية في كفر الشيخ    شركة آير آشيا الماليزية تعتزم شراء 70 طائرة من أيرباص    جيش الاحتلال: نسيطر على 65% من مساحة قطاع غزة    متحدث نقابة الموسيقيين يرفض المطالبة بحذف أغاني أحمد عامر بعد وفاته    في ذكرى موقعة حطين| خبراء يحددون أوجه تشابه بين السيسى وصلاح الدين الأيوبى.. وأستاذ تاريخ: الناصر أعاد بناء الجبهة الداخلية قبل مواجهة العدو    الاحتلال الإسرائيلي ينصب حاجزًا عسكريًا يعيق حركة الفلسطينيين غرب بيت لحم    خطيب الجامع الأزهر: علينا أن نتعلم من الهجرة النبوية كيف تكون وحدة الأمة لمواجهة تحديات العصر    عالم أزهري: التربية تحتاج لرعاية وتعلم وليس ضرب    ب 100 مرشح.. تحالف الأحزاب يكشف استعدادته لانتخابات مجلس الشيوخ    خطبة الجمعة اليوم من الجامع الأزهر| عباس شومان: ستبقى مصر حامية للعرب.. وعلى المسلمين أن يوحدوا كلمتهم قبل فوات الأوان    وكيل صحة سوهاج يشهد تسليم نتائج الفحص الطبي لراغبي الترشح لمجلس الشيوخ    رامي جمال يحتل التريند الرابع بأغنية "محسبتهاش" عبر "يوتيوب" (فيديو)    ياسمين رئيس تشارك كواليس أول يوم تصوير فيلم الست لما    إصابة 8 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة سرفيس بصحراوى البحيرة    تعرف على نشاط رئيس مجلس الوزراء فى أسبوع    النصر السعودى يعلن التعاقد مع جيسوس خلال 48 ساعة    ليفربول يقيم مراسم تكريم جوتا وشقيقه في أنفيلد بأكاليل الزهور.. صور    وزارة العمل: 80 فرصة عمل للمعلمين فى مدرسة لغات بالمنوفية    سيد عبد العال: القائمة الوطنية من أجل مصر تعبر عن وحدة الأحزاب حول هدف مشترك    دعاء يوم عاشوراء 2025 مكتوب.. الأفضل لطلب الرزق والمغفرة وقضاء الحوائج    السيطرة على حريق محدود بصندوق كهرباء في مدينة قنا الجديدة    حالة الطقس غدا السبت 5 - 7- 2025 في محافظة الفيوم    تموين شمال سيناء تواصل مراقبة محطات الوقود    أندية المنيا تهدد بتجميد نشاطها الرياضي احتجاجا على ضم الجيزة لمجموعة الصعيد    الدفاع المدني السوري: فرق الإطفاء تكثف جهودها للسيطرة على حرائق غابات بريف اللاذقية    يوفنتوس يواجه أزمة مع فلاهوفيتش... اجتماع حاسم قد ينهي العلاقة    مدرب الأهلي يودع فريق كرة السلة    خطيب المسجد الحرام: التأمل والتدبر في حوادث الأيام وتعاقبها مطلب شرعي وأمر إلهي    رئيس الاتحاد الدولي يشيد بدور مصر في نشر الكرة الطائرة البارالمبية بإفريقيا    سعر الخضروات اليوم الجمعة 4-7-2025 فى الإسكندرية.. انخفاض فى الأسعار    بعد غياب 7 سنوات.. أحلام تحيي حفلا في مهرجان جرش بالأردن نهاية يوليو    لماذا تتشابه بعض أعراض اضطرابات الهضم مع أمراض القلب.. ومتى تشكل خطورة    45 يومًا لهذه الفئة.. زيادات كبيرة في الإجازات السنوية بقانون العمل الجديد    وزير الخارجية الروسي: يجب خفض التصعيد وتقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    مصدر أمني: جماعة الإخوان تواصل نشر فيديوهات قديمة    باشاك شهير يقترب من ضم مصطفى محمد.. مفاوضات متقدمة لحسم الصفقة    "الزراعة" إصدار 677 ترخيص لأنشطة ومشروعات الإنتاج الحيواني والداجني    إخلاء سبيل طالبة بالإعدادية تساعد طلاب الثانوية على الغش بالمنوفية    حملات بالمدن الجديدة لضبط وإزالة وصلات المياه الخلسة وتحصيل المتأخرات    وزير الكهرباء: مستمرون في دعم التغذية الكهربائية اللازمة لمشروعات التنمية الزراعية والعمرانية    الهلال يُكرم حمد الله قبل موقعة فلومينينسي في مونديال الأندية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سبع سنوات ولا يزال النجم الأسمر قادراً علي إدهاشنا
نشر في صوت الأمة يوم 30 - 07 - 2012

في تاريخ فن الأداء الدرامي عبر شاشة السينما لا يمكن إلا أن نتوقف بدهشة ممزوجة بالإعجاب أمام النجم الأسمر "أحمد زكي".. "أحمد" لم يكن فقط فناناً مبدعاً بل يشكل علامة فارقة تستطيع أن تدرك ببساطة صدي تأثير "أحمد زكي" علي كل الجيل الذي ظهر بعده بل إنه أيضاً أثر علي من بدأ المشوار قبله.. لو أمعنت النظر ستكتشف أن منهج "أحمد زكي" قابع بداخلهم ليسوا بالضرورة صوراً منه لكنه الأستاذ الذي لم يلقنهم الدرس داخل الفصل الدراسي وإنما عبر الشرائط السينمائية القادرة كلها عند عرضها علي أن تؤكد أن الأستاذ لا يزال يلقي دروسه!!
ما هو سر "أحمد زكي"؟.. نستطيع الآن أن نقرأ مفردات الصورة ونمسك بكل جوانبها من خلال معزوفة إبداع خماسية الأوجه والمقاطع. شاعر المطحونين وترمومتر المبدعينشاعر المطحونين وترمومتر المبدعينشاعر المطحونين وترمومتر المبدعينشاعر المطحونين وترمومتر المبدعينشاعر المطحونين وترمومتر المبدعين "سعاد حسني".. "التمثيل".. "الزمن".. "الجمهور".. "النقاد".. مفردات تبدو لي وكأنها ترسم خطوطاً لملامح هذا الفنان وسيمفونية خماسية التكوين.
"سعاد" المقطع الأول.. إنها الحلم الذي تمني أن يقف أمامها بطلاً وضاع عليه اللقاء الأول في "الكرنك" عام 75 وجاء له بعد ثلاث سنوات "متولي"، حيث لعبت هي دور "شفيقة" في ملحمة "شفيقة ومتولي" لمخرج الكرنك "علي بدرخان"، "سعاد" و "أحمد" وجهان لعملة إبداعية واحدة!"التمثيل" المقطع الثاني يريد أحمد زكي أن يقدم كل الأدوار.. موهبته تفيض علي أي قيود من الممكن أن يحاول أحد أن يضعه فيها إنه ليس نهراً ولا بحراً أو محيطاً له شاطئان فهو يتمرد علي أي شاطئ يرسو عليه.. إنه أرض شاسعة بلا نهاية والسماء فوقها مفتوحة بلا نهاية!
"الزمن" المقطع الثالث يكبر أحمد زكي.. لم يعد هو الفتي الأسمر الذي عرفناه منذ السبعينيات وحتي الثمانينيات.. امتلأ الوجه قليلاً وتغير اللون إلي درجة أفتح كثيراً واكتشف "أحمد زكي" فجأة أنه يحمل علي أكتافه سنوات تربو علي الخمسين وبدأ الشعر الأبيض يرفع رايات الانتصار وكان "أحمد" لا يزال يشعر بنهم لتمثيل كل الأدوار.. طفل ، عجوز ، قديس ، عربيد ، رجل ، امرأة كل الشخصيات تشتعل بداخله بينما الأيام تتسرب سريعاً من بين يديه!
"الجمهور" المقطع الرابع.. لو كان ممكناً لفعلها إنه يريد أن يجلس إلي 70 بل 350 مليون ناطق باللغة العربية.. إنه يتمني من كل واحد منهم جلسة صداقة خاصة حتي يتأكد مباشرة أنهم يصدقونه ويصادقونه.. وآه لو اكتشف أن هناك واحداً فقط من بين 350 مليونا لم يصدقه ويصادقه.. إنه يضيع عليه بهجة الجميع.. "أحمد" لا يريد فقط إعجابك الفني، ولكنه يطمع في صداقتك قبل إعجابك!
"النقاد" المقطع الخامس.. شد وجذب فهو قارئ نهم لكل ما يكتب عنه وعن غيره.. علمته الأيام أن يتسامح مع كل الآراء ولم يكن كذلك في بداية المشوار وليس معني التسامح أن تقبل الرأي الآخر ولكن أن تتقبله، وهكذا كنت أراه في السنوات الأخيرة أكثر مرونة وتفهماً لكل الآراء حتي التي تنتقده.
سعاد.. التمثيل.. الزمن.. الجمهور.. النقاد.. خمسة محاور أو مقاطع رسمت ملامح "أحمد زكي" إبداعياً.. وكانت هذه خطوطاً عريضة للصورة واسمحوا لي في السطور التالية أن نضع عليها ظلالاً وألواناً.
عرفت "أحمد زكي" في أول مشواري الصحفي، وأنا مازلت طالباً في كلية الإعلام وأتدرب في مجلة "روزاليوسف" وكان "أحمد" يعيش واحدة من أزمات بداية المشوار، حيث ضاع عليه دور البطولة أمام "سعاد حسني" في "الكرنك" وشاهدته لأول مرة وجهاً لوجه في مكتب المخرج الراحل "د. سيد عيسي" الذي كان يعد مشروع فيلم "شفيقة ومتولي"، ورشح أيضاً "أحمد زكي" للبطولة وصور عدداً من المشاهد ثم اختلف "سيد عيسي" مع "سعاد" أثناء التصوير بإحدي قري محافظات الدقهلية واسمها "بشلا".. التقيت مع المخرج وحصلت علي سبق صحفي ساخن لأن "سيد عيسي" يفتح نيران الغضب ضد أهم نجمة جماهيرية في تلك السنوات "سعاد حسني".
بينما "أحمد زكي" الذي كان حاضراً اللقاء لا يتكلم ولا يعترض ينصت فقط.. وغادرت مكتب "سيد عيسي" مهرولاً إلي المجلة بهذا السبق ولحقني "أحمد زكي" علي السلم وطلب مني أن ألعب دور حمامة السلام وأخذ يحكي لي عن مأساة جيل من الفنانين يسعون لإثبات وجودهم وتجولنا في شوارع العاصمة وبالكاد وبين الحين والآخر كنت أري مواطناً وقد تعرف علي وجه أحمد (الشاعر) فلم يكن أحد يعرف اسمه، بل دوره أحمد الشاعر في مدرسة المشاغبين كنت أشعر أنا أيضاً بزهو لأنني أتجول مع أحد صعاليك الفن وفي النهاية أقنعني "أحمد زكي" بأن علي أن أحصل علي حديث من "سعاد حسني" حتي تتقارب وجهات النظر بين "سعاد" و"سيد عيسي" وهو ما لم يحدث وضاع علي السبق الصحفي فلم أنشر حديث "عيسي" ولم أتمكن من لقاء "سعاد".
كنت أتابع بعد ذلك قفزات "أحمد زكي" السينمائية في أدوار البطولة وبيننا علاقة حميمة ولكن بالطبع لم يكن "أحمد زكي" في تلك السنوات قادراً علي التجول بحرية في الشوارع ولم يكن أيضاً لدي قدرة علي تدعيم الصداقة مع "أحمد زكي".. "أحمد زكي" الإنسان يحتاج فيمن يقترب منه أن يتحلي بفضيلة الصمت والاستماع وأنا أعشق الاستماع بقدر ما أعشق الحديث!
ظلت مساحة التلاقي الوجداني بيننا قائمة وأنا أري انتصاراته السينمائية وأكتب عنها لا يهم أن نلتقي فأنا في لقاء دائم معه علي الشاشة.
قبل رحلة البطولة كانت هناك طرقات علي الباب لم تستغرق كثيراً من الوقت ولكنها بالتأكيد صنعت "أحمد زكي".. كان من الممكن لو لعب دور البطولة في "الكرنك" وهو الدور الذي أسند بعد ذلك لنور الشريف ربما كان بمقدوره أن يختصر هذا الدور سنوات من 1975 إلي 1978 حتي وقف بطلاً أمام "سعاد حسني" في "شفيقة ومتولي"، وكانت الجرائد أشارت بعد "الكرنك" إلي أن "أحمد زكي" قد أقدم علي الانتحار وأوضح لي أن ما حدث هو أنه كان يشرب كوباً من الماء في مكتب مدير الإنتاج وعندما علم بخبر استبعاده ضغط علي الكوب وحطمه وجرحت يده وتم تضخيم الواقعة باعتبارها انتحاراً!
في أفلام البدايات مثل "بدور" و "أبناء الصمت" و "صانع النجوم" كان اسم "أحمد زكي" يأتي تالياً لممثل مغمور مثل الراحل "أبو الفتوح عمارة" ولكن هذا لم يغضبه بقدر ما أثار حزنه أن أحد زملائه في إحدي المسرحيات لفرقة الفنانين المتحدين صعد علي السلم وأمسك بجردل مياه يمحو اسم "أحمد زكي" لأنه جاء في أفيش المسرح سابقاً علي اسمه هذا الموقف آلمه كثيراً لأنه طعنة من زميل وكان هذا الزميل هو "يونس شلبي"!
جاءت القفزة الجماهيرية لأحمد زكي في "الباطنية" بطولة "نادية الجندي" وإخراج "حسام الدين مصطفي"، كان "أحمد زكي" هو ضابط الشرطة المزروع في العصابة، الذي نراه في البداية صعلوكاً يلتقط رزقه من بقايا أثرياء حي المخدرات الشهير "الباطنية" أتاحت له جماهيرية "نادية الجندي" مساحة عريضة من المشاهدين لأن الفيلم الذي عرض عام 1980 حقق إيرادات غير مسبوقة، كان "أحمد زكي" به كل ملامح البطل التقليدي المنقذ في نهاية الأحداث عندما نكتشف أنه ضابط شرطة.. كل هذه السمات الزاعقة علي الورق لشخصية البطل كانت كفيلة بصعود أحمد زكي واقترابه من الجمهور الذي كان في شوق لبطل يري فيه ملامحه.. بذكاء من "رأفت الميهي" يلتقط "أحمد زكي" بعدها مباشرة في التجربة الوحيدة بينهما وفي أول علاقة له بالإخراج في فيلم "عيون لا تنام" مأخوذة عن مسرحية "يوجين أونيل" "رغبة تحت شجرة الدردار" حقق الفيلم نجاحاً جماهيرياً أقل من الباطنية، لكن "أحمد زكي" وجد مساحة في الأداء أكبر كما أن هناك قناعة مطلقة من "رأفت الميهي" بأحمد زكي انطلقت إلي كل جيل مخرجي الثمانينيات أعني بهم "محمد خان" و"عاطف الطيب" و "خيري بشارة" و"داود عبد السيد" وصولاً إلي "شريف عرفة".. كان "أحمد زكي" بمثابة الممثل الملهم لهذا الجيل.. فهو الحلم الذي يتجسد أمامهم كلما داعبتهم شخصية درامية يجدون المفتاح وفك الشفرة عند "أحمد زكي".
الأقرب إلي "أحمد زكي" هما "محمد خان"، "عاطف الطيب" وعدد كبير من الأدوار التي أسندها "خان" أو "الطيب" لنجم آخر تجد أن "أحمد" هو الترشيح الأول ولكن ربما حالت مشكلات إنتاجية أو مشاغبات هنا وهناك بين النجم والمخرج دون تحقيق اللقاء! بين "خيري بشارة" و "أحمد زكي" لقاء من نوع آخر.. "خيري" يري نفسه في "أحمد زكي" سواء كان "العوامة 70" " و "الأقدار الدامية" و" "كابوريا".. "أحمد زكي" هو "خيري بشارة" إنسانياً ودرامياً ولهذا يظل "حسن هدهد" بطل "كابوريا" حالة استثنائية واضحة المعالم عالية النبض دالة علي الامتزاج الكامل بين مخرج ونجم!
مع "داود عبد السيد" لقاء واحد في "أرض الخوف" كان هو الفكرة والمادة.. الروح والجسد، ولهذا جاء محملاً بكل هذا الزخم في تلك الشخصية التي نراها علي المستويين الواقعي والميتافيزيقي ولا يمكن أن يصل الفيلم إلي الناس بدون أو تتوازي عبقرية التأليف والإخراج مع الأداء.
يتنازع "أحمد زكي" الإبداع الفني الخالص والذي يصل إلي أقصي حدود الابتعاد عن كل ما هو سائد عند الجمهور فهو علي استعداد أن يرتاح وينام وهو مطمئن علي وسادة الفن النقي الذي لا يضع للجمهور أي حساب ونجد ذلك في أفلام مثل "طائر علي الطريق" و "موعد علي العشاء" محمد خان "الدرجة الثالثة" شريف عرفة "البداية" صلاح أبو سيف.. لكن سرعان ما يستيقظ داخل أحمد زكي النجم المتعطش إلي الإقبال الجماهيري والذي لا يرضي لغيره بديلاً لنجده يصل إلي حده الأقصي في أفلام مثل "درب الهوي" حسام الدين مصطفي "أبو الدهب" كريم ضياء الدين "حسن اللول" نادر جلال "مستر كاراتيه" محمد خان "المخطوفة" و "ولاد الإيه" شريف يحيي!
لكن التجربة تثبت لأحمد زكي أن النجاح الجماهيري ممكن بدون اللهاث وراء مفردات الشباك التقليدية مثل فيلم "زوجة رجل مهم" محمد خان الذي أصاب نجاحاً جماهيرياً ونقدياً ولا يزال حتي الآن يحقق كل هذا الوهج الإبداعي كلما أتيح عرضه في الفضائيات.
القراءة المتأنية لأفلام "أحمد زكي" تؤكد أنه حتي عندما يراهن تجارياً لا يصل إلي الحد الأقصي في شباك التذاكر.. سقف "أحمد زكي" ارتفع إلي الذروة في "أيام السادات" محمد خان قبل أكثر من ست سنوات تجاوز 12 مليون جنيه وهو رقم لم يصل إلي نصفه في أنجح أفلامه تجارياً!
"عاطف الطيب" هو المخرج الذي تستطيع أن تضبط عليه موجة "أحمد زكي" السينمائية.. "محمد خان" هو المخرج الذي بينه وبين "أحمد زكي" - علي حد قول "أحمد زكي"- حبل سري! إنهما توءم من نفس البويضة الفنية، ولهذا مثل الأقطاب المتشابهة تتنافر وتتناحر ويذهب كل منهما إلي طريق ويقسم أن هذا الفيلم هو نهاية الطريق ثم لا يلبث كل منهما أن يري نفسه في الآخر ويلتقيان علي نفس الطريق!
إنها عشرة فنية ذروتها "أحلام هند وكاميليا" وإن كان البعض يري الذروة مع "زوجة رجل مهم" لكن في "أحلام هند وكاميليا" دور أصغر في الحجم، حيث إن البطولة لنجلاء فتحي و"عايدة رياض" ولكن تفاصيل الدور أعمق وأبدع.
أما "عاطف الطيب" فأحمد هو الممثل الأول والاختيار الأول عند "عاطف" و "البريء" هو الذروة و "الهروب" ذروة موازية، حالة من النشوة تستطيع أن تلمحها في أدائه للدورين.
يحلم "عاطف الطيب" بالدور ويلتقي "أحمد زكي" أثناء التحضير ويفكران معاً في الشخصية الدرامية ويتوقع "عاطف الطيب" الحد الأقصي الذي من الممكن أن يقدمه "أحمد"، ويفاجأ بأن الممثل داخل "أحمد زكي" تجاوز الحد الأقصي.
إن "أحمد زكي" قادر علي إثارة الدهشة حتي لمخرج يفهم كل أصول التعبير وكل أسلحة الممثل وهذا هو ما أكده لي أكثر من مرة "عاطف الطيب" في حواراته معي.
مع "إيناس الدغيدي" هناك ملمح وزاوية أخري.. إنه "أحمد زكي" الممثل خفيف الظل في فيلمي "امرأة واحدة لا تكفي" و "استاكوزا" إن فيلمي "امرأة واحدة لا تكفي" و "استاكوزا" أعتبرهما في مشوار "أحمد زكي" مثل أغنيتي "فيك عشرة كوتشينة" و "حبيبي لعبته الهجر والجفا" لمحمد عبد الوهاب.. فهما أغنيتان خفيفتان لا بأس بهما في مشوار ملحن ومطرب رصين.. وهكذا "امرأة واحدة لا تكفي" و "استاكوزا" في مشوار "أحمد زكي" ومن الممكن أن نضيف إليهما "البيه البواب" و "سواق الهانم" لنفس المخرج "حسن إبراهيم".
مع جيل الكبار كان "عاطف سالم" له علامة فارقة مع "أحمد زكي" في "النمر الأسود" وقال لي "عاطف سالم": "إنه واجه حرباً شرسة في التوزيع الخارجي للفيلم بسبب إصراره علي "أحمد زكي" بطلاً، فهو كان اسم الشباك الوحيد ولا يوجد معه سوي الوجه الجديد "وفاء سالم".
جاء الفيلم بمثابة إنقاذ لأحمد زكي، فلقد كان يستعد لبطولة فيلم "الحريف" إنتاج مشترك لمحمد خان، عاطف الطيب وبشير الديك، وحدثت مشكلات مع "أحمد زكي" لأنه يرفض أن يلتزم بتسريحة الشعر التي طلبها منه "محمد خان" ووجد الثلاثة أن اسم "عادل إمام" أكبر في توزيع الفيلم، وقبل بدء التصوير بأيام قليلة أخبر خان "أحمد زكي" أن الدور ضاع عليه وذهب إلي منافسه الأول في تلك السنوات "عادل إمام".. كان الدور للاعب كرة في أحد الأحياء الشعبية وكان "أحمد زكي" يحلم بالدور ويعيش مفرداته وفجأة ضاع منه الحلم.. في نفس اللحظة جاءه "عاطف سالم" بدور البطولة في "النمر الأسود" حيث يؤدي دور مخترع ولاعب ملاكمة عالمي، ويعرض الفيلمان في نفس التوقيت عام 84 ويحقق "النمر" إيرادات أعلي تحدث توازناً نفسياً لأحمد زكي.
عندما أراد المخرج الكبير "صلاح أبو سيف" أن يحقق نوعاً من التمرد خارج دائرة الواقعية التي كان هو رائدها واتجه إلي الفانتازيا في فيلم "البداية" كان سلاحه هو "أحمد زكي" الذي انطلق به إلي شاطئ بعيد في أدائه، وكان "أحمد زكي" هو أمضي سلاح.
أقسي ناقد علي "أحمد زكي"، هو "أحمد زكي"، فهو دائماً غاضب ولا يرضي أبداً.. لقد بلغ به حد الغضب أن أمسك بكرسي وحطم به جهاز التليفزيون وهو يري فيلم "الراقصة والطبال" لأشرف فهمي لا أعتقد أن أداء "أحمد زكي" لدور "الطبال" كان يستحق كل هذا الغضب!
"أحمد زكي" أيضاً يستشعر أن أداء دوره في فيلم "البطل" لمجدي أحمد علي لا يرتبط بالمرحلة العمرية التي تلائمه، حيث يؤدي دور ملاكم عالمي وصديق أيضاً لمصطفي قمر و "محمد هنيدي" ولم يكن "أحمد زكي" يرتاح إلي فيلم "البطل" لأنه لا يجد فيه ملامحه الشكلية والأدائية.. عندما عرض فيلم "صعيدي في الجامعة الأمريكية" إخراج "سعيد حامد" وبطولة "محمد هنيدي" و "مني زكي" في نفس توقيت عرض "اضحك الصورة تطلع حلوة" إخراج "شريف عرفة" بطولة "أحمد زكي" و"مني زكي" وحقق "صعيدي" 28 مليون جنيه بينما لم يتجاوز إيراد "اضحك" 3 ملايين جنيه تقبل "أحمد زكي" الأمر ولم يعتبرها هزيمة بل هو منطق جماهيري فهو مدرك تماماً أنه أحسن الاختيار لكن الجمهور من حقه أن يقبل علي فيلم "محمد هنيدي" الذي أضحكه وأنعشه لكن "اضحك الصورة تطلع حلوة" فيلم يعيش للزمن القادم.
أشهر شخصيتين لعبهما "أحمد زكي" في مشواره هما "جمال عبدالناصر" في "ناصر 56" و"أنور السادات" في "أيام السادات".. إنهما الأشهر ولا شك لكنهما ليسا هما الأكثر إبداعاً لأن "أحمد زكي" عندما يصبح التقييم فنياً نتوقف أمام شخصياته في "البريء" و"الحب فوق هضبة الهرم" و "أحلام هند وكاميليا" و "الهروب" و "زوجة رجل مهم" و "كابوريا" و "أرض الخوف" و "اضحك الصورة تطلع حلوة" بعد ذلك تحمس الي أداء دور "عبد الحليم" في فيلم "حليم" لشريف عرفة كان يشعر بأن الفيلم سوف يحقق أعلي الإيرادات في تاريخ السينما وفي نفس الوقت يحقق من خلاله رغبته الحميمة في تقديم السير الذاتية للكبار وتقمص ملامحهم ومشاعرهم إلا أن "أحمد" أصيب بالمرض أثناء التنفيذ ورحل قبل استكمال الفيلم وبالطبع لم يكن قادراً علي تقمص روح "حليم" بسبب الظرف المرضي القاسي الذي عاشه وسوف يسقط هذا الفيلم من تاريخ نجمنا الأسمر.
المسلسل الاستثنائي في تاريخ الدراما التليفزيونية المصرية "هو وهي" قصة "سناء البيسي" سيناريو وحوار "صلاح جاهين" والإخراج ليحيي العلمي شكل فيه "أحمد زكي" مع سعاد حسني "دويتو" لا يمكن لأحد أن ينساه.. بين "أحمد زكي" مع "سعاد حسني" كيمياء في التفاعل الإبداعي إنهما من نفس المدرسة حيث نري بسهولة ما هو تحت جلد الشخصية من نبضات ومشاعر.
احمد ذكي كان هو شاعر المطحونين وترمومتر الموهوبين فهو الوجه الذي يتوحد مع البسطاء والمهمشين وهو ايضا النجم الذي تقاس من خلاله كل المواهب الاخري في فن الاداء بمدي اقترابها وابتعادها عن مؤشر احمد ذكي الابداعي وحتي الان,انه الفنان الذي راي فيه الناس ملامحهم علي الشاشة,الانسان الذي استمع من خلالة الفنانون الي نبضاتهم في الحياة!
ولانزال نري فيه مشاعرنا ونبضاتنا كلما شاهدنا افلامه التي تعيش ولا تزال تعيش فينا!!
نشر بالعدد 591 بتاريخ 9 ابريل 2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.