يصنع لعب الأطفال من النفايات المعدنية، ويستخرج من الخردة مجسّمات وأشكال تستقطب الصغار في مختلف مراحلهم العمرية.. ذاك هو جوزيف غبيتوكبي، الملقب ب "زمبانو" بنين، نسبة إلى الشخصية الرئيسية في فيلم "الطريق" للمخرج الإيطالي فيديريكو فيليني، والتي كانت تجوب القرى بعربتها لتقدم عروضا استعراضية في الشوارع. بدايته تعود إلى ما يزيد عن ال 40 عاما، وعلاقته بالمعدن الصلب تطوّرت بمرور الزمن لتتعمّق خبرته في تطويعه، وتفرّده يكمن في استخدام الخردة وكلّ ما تقع عليه يداه من بقايا المعدن، ليعيد إلى تلك القطع الحديدية الصدئة توهّجها ولمعانها، ويحوّلها إلى أشكال متنوّعة تؤثّث مملكة الأطفال في بلاده. هو حدّاد وفنان في الآن نفسه، لأنّ ما يقوم به يتجاوز حدود التخصّص المهني الجاف أو المتعارف عليه، ليعانق الإبداع من خلال المادة المستخدمة من جهة، والأشكال الفنية التي تشكّل ثمرة جهده وعمله، وتنضح ابتكارا وإبداعا، من جهة أخرى. توليفة جعلت من "زمبانو" صانع ربيع الأطفال في بنين، وهو الذي اعتاد منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي على ممارسة هذه الحرفة الفريدة من نوعها في سوق دنتوكبا، أكبر أسواق البلاد، إلى أن تمكّن في 2013، من افتتاح ورشة في حي "ينانوا" بمنطقة "أكباكبا" شرق كوتونو، العاصمة الاقتصادية للبلاد. الأناضول زارت الشيخ السبعيني، صاحب الأنامل الذهبية التي تبعث الحياة في العلب الفارغة والأنابيب الحديدية والنقود المعدنية أو حتى في هياكل السيارات التي اعتاد جمعها من تجار الخردة والشركات المتخصصة في بيع المواد المختلفة ومن القمامة. "إثر تجميع النفايات المعدنية"، يقول "زمبانو" وأصابعه تعالج قطعة من الحديد الصلب، "أقوم بفرزها قبل الشروع في إذابتها تحت تأثير الحرارة المتوهّجة"، مضيفا أنّ "كلّ ما أحتاجه هو مجموعة أدوات تتكون من مطرقة وسندان وملقط ومنقاش ومثقب ومقص وملزمة"، ليتحوّل الحديد بين أنامله إلى صلصال يطوّعه لصنع مجسمات لطائرات حربية أودراجة أوحرباء.. "إلى جانب اللعب"، يتابع الحدّاد بنبرة مشحونة فخرا، "من قبيل السيارات الصغيرة والأحصنة والخرفان وغيرها من القطع الأخرى المحببة لدى الصغار، أصنع قطعا للاستعمال اليومي مثل أباجورة من 4 فوانيس ومداخل المنازل الحديدية ومرشات المياه وعلب الكعك". واسترسل يقول، وهو يلتقط لعبة صغيرة من على إحدى الرفوف القريبة: "أنا سعيد بممارستي هذا العمل الذي يزرع البسمة على وجوه الأطفال ويبهر الكبار". أما عن البدايات، فقال "زمبانو" إن مذاقها يظلّ على الدوام فريدا من نوعه.. فإنطلاقته كانت مبكّرة نوعا ما، حيث تعلّم هذه المهنة في ورشة والده مذ كان في السابعة من عمره. "لم أقصد المدرسة أبدا"، يضيف، "لكنني لست نادما، فالحرفة كانت شغفي الأول ولا تزال كذلك، وباختصار شديد، لا يسعني بل لا يمكنني ممارسة أي عمل غير هذا الذي أقوم به". بعد نيله شهرة واسعة في بنين بفضل ابتكاراته الملفتة التي تلقى رواجا داخل البلاد وخارجها، نجح الحداد في تأسيس جمعية "ألو تو ألومي"، والتي تعنى بالحدادة والسباكة في سوق "دانتوكبا"، بمعية ثلة من أصدقائه، واختير رئيسا لها. ورغم تقدّمه في السنّ، لم يفقد "زمبانو" براعته التي اشتهر بها في تشكيل القطع الحديدية، والتي تعد السبب وراء الطلبات التي يتلقاها من الشركات والسياح ممّن يقبلون على ابتياع قطعه لجودتها. "في ورشتي"، يقول، "أعرض أرخص قطعة لي بألف فرنك إفريقي (نحو دولارين)، فيما يبلغ أقصى سعر 10 آلاف فرنك إفريقي (ما يفوق ال 17 دولارا)"، لافتا إلى أن "حرفة الحدادة تقدم الكثير لمن يمتهنها إذا أعطاها من وقته وجهده". ومع أنّ واجهة الحكاية تبدو برّاقة، إلا أنّ شهرة "زمبانو" ونجاحه ومسيرته، لا تخلو من عقبات، "كما هو الحال في المهن المتعلقة بالفنون"، على حدّ تعبيره، إذ "يحدث وأن اتعرّض لإصابات بدنية أثناء قيامي بعملي، وأواجه صعوبات في جمع الخردة، والأهم هو العثور على أسواق لبيع منتجاتي"، مشيرا إلى أنّ "هذه الحرفة تدر، عموما، على صاحبها الأموال، في حال كان محترفا وأعطاها بصدق". مسيرة مهنية استمرت لأكثر من 4 عقود، تمكّن خلالها الحدّاد من بناء منزلينن أحدهما شرق كوتونو، والثاني في بلدة "أتشوكبا"، مسقط رأسه، شرقي بنين. اليوم، يبيع "زمبانو" قطعه للآباء والأمهات الذين يتهافتون على بضائعه من أجل رسم البسمة على وجوه أطفالهم، بالإضافة إلى المحلات التجارية ووكالات الإسفار والمنشآت السياحية، ممن يرسلون له طلباتهم بشكل شبه منتظم. رواج لم يقتصر على السوق الداخلية فحسب، وإنما للرجل زبائن من مختلف أرجاء المعمورة، وخصوصا السياح القادمين من فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية والصين ونيجيريا ومالي وغيرهم، والذين يعتبرون من أبرز مروجي بضائعه في الخارج. وفي ختام حديثه للأناضول، دعا "زمبانو" سلطات بلاده إلى الاهتمام بقطاع الحرف، لتعزيز مساهمته في التنمية المحلية، كما حثّ رجال الأعمال على الاستثمار في هذا المجال الواعد الذي يساهم ب 11 % في الناتج المحلي الإجمالي لبنين.