اتفق خبراء سياسيون ودبلوماسيون على أن حلف "الناتو" هو أحد الوسائل الأمريكية لتحقيق مصالحها في المنطقة والعالم ، ولذلك فإنه يشارك في العمليات العسكرية التي بدأت ضد التنظيمات الإسلامية المتطرفة في العراقوسوريا وفي مقدمتها "داعش". جاء ذلك خلال ندوة نظمها المركز الإقليمي للدراسات بالقاهرة ، حول دور حلف الناتو في الحرب ضد داعش . واستهلت إيمان رجب الباحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية، حديثها بأن مستقبل الناتو لا يمكن مناقشته بعيدًا عن التحالفات في منطقة الشرق الأوسط، وهذا يرجع إلى المناقشات داخل الناتو عن إمكانية أن يصلح أن يكون منظمة عالمية، وكذلك طبيعة الدور وارتباطه بالأدوار العسكرية، أو أدوار من قبيل إعادة بناء القدرات ونشر الديمقراطية، وهي إشكاليات ما زالت مسيطرة على مناقشات الناتو. وطُرح تساؤل رئيسي: هل سيتوقف دور الناتو على أدوار عسكرية ضد تنظيم "داعش"، أو دور آخر له علاقة ببناء القدرات؟. وأضافت أن دور الناتو ما زال "قيد التشكل"، وسيحدد مستقبله في المنطقة مواقف عدد من الدول، وأهمها الموقف العربي بمعناه الواسع، وما إذا كانت الدول العربية ستقبل بدور للناتو، وكذا الدور المصري داخل التحالف، والتصورات الأمريكية لدور الناتو، وهل هو أداة لدورها العسكري في المنطقة من عدمه؟. من جانبه، أشار الدكتور مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية ، إلى أنه مع انهيار الاتحاد السوفيتي، تحول الناتو من كيان (أوروبي أمريكي شمالي) إلى كيان أوسع نطاقًا، وكان لزامًا عليه الخروج من نطاق عمله التقليدي، أو الخروج من العمل، وبالتالي كانت هناك نظرة لمنطقة الشرق الأوسط، لذلك أطلق عدد من المبادرات أساسها أمريكا، وتتعلق بحوار الناتو المتوسطي. وطَرَح تساؤلا رئيسيًّا للنقاش، وهو: هل المواجهة مع داعش تتيح فرصة للتدخل في شئون المنطقة مماثل للدور في أفغانستانوالعراق؟!. ورأى الدكتور أحمد قنديل الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية ، أن قمة ويلز الأخيرة التي عقدت يومي 4 و5 سبتمبر الجاري ، كشفت عن أمرين وهما: حلف الناتو لن يكون له تواجد عسكري مباشر على الأرض للتعامل مع تنظيم داعش أو لمساعدة أوكرانيا. كما أن حلف الناتو يتجه نحو التحول لكي يصبح تحالفًا للراغبين. ويعني ذلك في الواقع العملي، أن عددًا من دول الحلف، وليس كل الأعضاء، سينضم في الغالب إلى عدد من الدول الصديقة للحلف، وفي مقدمتها دول الخليج الست ومصر والأردن والعراق ولبنان، للتعامل مع تنظيم "داعش". واعتبر أنه من غير المتوقع أن يلعب حلف الناتو دورًا متناميًا خلال الفترة المقبلة في منطقة الشرق الأوسط لعدة اعتبارات. فمن ناحية، لا يمتلك الحلف استراتيجية واضحة للعمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومن ناحية ثانية، هناك تباين في الرؤى الاستراتيجية بين الدول الأعضاء في حلف الناتو، فما يزال الإجماع غائبًا حول الدور الذي يجب أن يضطلع به الحلف، والتحديات التي يجب مواجهتها. ومن ناحية ثالثة، يوجد تباين عربي-عربي إزاء الدور الجديد المحتمل للناتو في أمن المنطقة؛ فعلى سبيل المثال لا يزال كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان خارج إطار مبادرة إسطنبول. ومن ناحية رابعة، يوجد تباين ملموس في مواقف قوى إقليمية كبرى تجاه تزايد دور حلف الناتو في منطقة الشرق الأوسط، بين داعم له ك"تركيا"، ومن يرى فيه عملا عدائيًّا، أو على الأقل، عملا غير مرغوب فيه ك"إيران". واعتبر أن التدخل العسكري "الخشن" للناتو في مواجهة التنظيمات الإسلامية المتطرفة، مثل تنظيم داعش، حل ناجع وكافٍ، وهو ما أثبتته التجربة في أفغانستانوالعراق. فإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش يتطلب مواجهات واشتباكات ميدانية على الأرض، ثم العمل على تقويض شعبية ونفوذ وأيديولوجيا "الإرهابيين". فالضربات الجوية ضد مواقع داعش في العراق، وربما سوريا، ربما تؤدي إلى انزلاق منطقة الشرق الأوسط إلى مستنقع جديد. وطرح السفير هاني خلاف، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، تساؤلا حول وجود بديل إقليمي أو عربي خالص ليحل محل المشكلات التي تطرحها فكرة تدخل حلف الناتو في المنطقة. كما أشار إلى تجارب تاريخية، لإيجاد ترتيبات أمنية سواء ثنائية أو متعددة الأطراف، مثل الدفاع العربي المشترك عام 1951، وقرار تشكيل قوة عربية عام 1961، وقيادة عربية عسكرية مشتركة عام 1964، وقيادة عربية عسكرية مشتركة بين مصر وسوريا والأردن عام 1970، ومجلس الدفاع العربي المشترك عام 1973، ومؤسسة عربية للصناعة الحربية المتطورة عام 1974، وقوة ردع عربية في يونيو 1976، وقوة درع الجزيرة عام 1981، ومشاركة قوات خليجية وعربية لتحرير الكويت، وغيرها من الاتفاقيات. لكنه يُلاحظ أن هناك تباينًا للنظم والإدارات السياسية أدى إلى تعثر مثل هذه المحاولات لتجميع العرب في منظومات أمنية ودفاعية مشتركة، أو خطوات رمزية ومؤقتة تنتهي بمجرد انتهاء الخطر، كما أن الأمن بمفهومه الاجتماعي والاقتصادي غير العسكري لم يدخل ضمن مفاهيم الجامعة العربية سوى مؤخرًا. علاوةً على ذلك، تفضل الدول العربية التعاون العسكري على أسس ثنائية أو محدودة العضوية، كما أن الصناعات المحلية العسكرية لم تظهر سوى في مصر والعراق والجزائر، ولم تصل إلى الحد المتطور. ويرجح إمكانية تعاظم دور الناتو ليس في المجال العسكري، وإنما في مجالات أخرى منها توفير وتبادل المعلومات الاستخبارية، والتدريبات العسكرية، ودعم القدرات المحلية، والطب العسكري، ورصد الزلازل، وإجراءات منع الدمار الشامل. واعتبر الدكتور عزمي خليفة، مستشار المركز الإقليمي ،أن مكانة الخليج في أولويات الناتو تتمثل في الطاقة وأسلحة الدمار الشامل ووسائل نقلها والإرهاب. وبالتالي، لا يعنيهم تعاون عسكري أو تدريب، كما أن سياسات الناتو تحددت في مبادرة إسطنبول، في ظل غياب السعودية وعمان، وهما تمثلان 70% من مجمل الإنفاق العسكري الخليجي، وبالتالي لا يتصور أن يكون هناك تعاون "بناء". وأشار إلى أن سياسات الدول غير موحدة في التعامل مع التهديدات، وبالتالي وجود حاجة إلى إعادة النظر في أساليب تحليلنا للسياسة الخارجية، والنظر إلى جميع التفاعلات بالموقف والأزمة الحالية. التفاعلات داخل الموقف العربي متناقضة، خاصة حيال داعش، مع تراجع استطلاع الرأي للحرب على داعش. ورأى أن سيناريوهات المستقبل في المنطقة بشكل عام للناتو تتمثل في تقسيم سوريا، وهو الثقب الأسود للسلفية الجهادية والجماعة الدينية المتشددة، وهو ما سيشكل خطرًا مباشرًا على دول الخليج، خاصة الكويت. وكذلك رغبة بعض الأقطاب داخل المعارضة السورية في إقناع إسرائيل بإقامة دولة محاذية لإسرائيل تمثل سوريا المستقبل، ولإسرائيل دور فيها في الإدارة والتأمين. وقال حسام إبراهيم ، رئيس برنامج الدراسات الأمريكية بالمركز الإقليمي ، إن تركيز الولاياتالمتحدة في علاقاتها مع دول المنطقة على العلاقات الثنائية أكثر من أطر التعاون الجماعي المرتبطة بحلف الناتو، رغم وجود آليات داخل الحلف تتعلق بالشراكة والتعاون مع دول الشرق الأوسط، مثل مبادرة الحوار المتوسطي، وكذلك مبادرة إسطنبول للتعاون. ويلعب الكونجرس دورًا محوريًّا في دعم وتأييد سياسات الإدارة الأمريكية تجاه الحلف، فبرغم الضغوط على الميزانية العسكرية الأمريكية، وافق الكونجرس على طلب الإدارة بعد زيارة الرئيس أوباما لبولندا في يونيو 2014 لتقديم تمويل بمقدار مليار دولار لمبادرة European Reassurance Initiative المعروفة اختصارًا بERI لإعادة طمأنة الحلفاء الأوروبيين لتعزيز أمنهم، ودعم قدراتهم الدفاعية. كما لعبت الإدارة دورًا بارزًا في وضع وصياغة أجندة قمة ويلز عبر التركيز على ثلاث قضايا استراتيجية كانت محور الأجندة، وشملت أولا: تعزيز الجاهزية العسكرية للحلفاء، وتعزيز قدرات الدفاع العسكرية المشتركة كاستجابة للعدوان الروسي. وثانيًا التعامل مع الانسحاب المقرر للقوة الدولية الأمنية لحلف الناتو في أفغانستان "إيساف" بنهاية عام 2014، وإطلاق مهمة خاصة لتدريب قوات الأمن في أفغانستان. وثالثًا تعزيز دعم الناتو للدول الشركاء خارج الحلف، وذلك عبر مبادرة بناء القدرات الدفاعية ، وهي استمرار لنفس الجهد الذي بُذل في قمة الحلف في شيكاغو مايو عام 2012. وأشار إلى أن الحلف هو أحد الأدوات الدبلوماسية والعسكرية للولايات المتحدة لحماية مصالحها، وخدمة أغراض الأمن القومي. وبالتالي، فالولاياتالمتحدة بوصفها القوة الأكبر في العالم لديها آليات وأدوات أوسع من دور الحلف لتعزيز دورها ونفوذها في المنطقة، وتشمل هذه الأدوات علاقات التعاون العسكري بينها وبين دول المنطقة، ووجودها العسكري أيضًا في المنطقة، والعلاقات الاقتصادية والثقافية.