لكن وللأسف فإن هناك ثلاثة عوامل رئيسية لا تنبئ عن مستقبل آمن ومطمئن ومستقر للمنطقة. وتتلخص هذه العوامل في الشكوك المحيطة باستتباب الأمن والاستقرار في العراق، إلى جانب استمرار خطر الإرهاب ''الإسلامي''، مضافاً إليهما احتمال تطوير إيران لأسلحتها النووية. وهذا هو ما عكسه أكبر مؤتمرين دوليين عن مستقبل الأمن الخليجي، عقدا مؤخراً في كل من العاصمتين القطرية الدوحة، والبحرينية المنامة. \r\n ففي الأول من ديسمبر الجاري، عمدت الحكومة القطرية وبالتعاون مع كل من سكرتارية ''الناتو''، ومؤسسة ''راند'' الأميركية إلى استضافة مؤتمر دارت مادة الحوار فيه حول تقييم الدور المستقبلي المحتمل لحلف شمال الأطلسي في المنطقة. يذكر أن ''غاب دو هوب'' -السكرتير العام لحلف ''الناتو''- كان حاضراً في هذا المؤتمر، في أول زيارة من نوعها للسكرتير العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي إلى قطر. كما عكس اللقاء رغبة الحلف المتنامية في المنطقة، خاصة وأنه كان قد تم التعبير عنها وبلورتها في ''مبادرة اسطنبول للتعاون'' عام ،2004 وهي المبادرة التي منح فيها الحلف، منطقة الشرق الأوسط، فرصة للتعاون مع الأعضاء والدول المنضوية تحت لوائه، في جملة واسعة من القضايا الأمنية. وما أن يتم اتخاذ قرار بهذا الشأن، حتى يبدأ الحوار الفعلي حوله بين مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي. \r\n لكن وعلى رغم الخبرة الكبيرة التي راكمها حلف ''الناتو'' في الأدوار الأمنية، بما يعني إمكان تقديمه مساعدات أمنية كبيرة لمنطقة الخليج- كما هو حادث الآن في أفغانستان- فإن الحقيقة المسكوت عنها، هي أن الوجود العسكري للحلف، إنما يكون مجرد غطاء لاستمرار الوجود العسكري الأميركي فيها، وهو أمر بات أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى، بالنظر إلى استمرار تهديد الإرهاب ''الإسلامي''، إلى جانب التحديات الأمنية التي أضحت تشكلها إيران. أما المؤتمر الثاني فاستضافته الحكومة البحرينية، بينما تولى تنظيمه ''المعهد العالمي للدراسات الاستراتيجية''، وجرى فيه تمثيل دول حلف ''الناتو'' تمثيلاً جيداً وملحوظاً، حيث خاطبه وزيرا دفاع كل من فرنسا وبريطانيا. كما كانت هناك مشاركات رسمية من قبل ممثلي كل من الهند والصين، العملاقين الاقتصاديين الآسيويين اللذين يُرجح أن يكون لهما دور كبير في المنطقة خلال العقد المقبل. ومن بين الدول المشاركة في المؤتمر، سنغافورة التي تحدث ''سي. جاياكومار'' نائب رئيس وزرائها، عن أهمية تفعيل مبادرة ''الحوار الآسيوي-الشرق أوسطي'' التي كانت قد دشنت في يونيو من العام الحالي في سنغافورة. والمقصود من هذه المبادرة أن تغدو منبراً ترتفع من خلاله كافة الأصوات المتزنة المعتدلة، علاوة على دوره في إحياء العلاقات التجارية والتاريخية الآسيوية-الشرق أوسطية. كما أكد المسؤول السنغافوري أن كلاً من آسيا ومنطقة الخليج، تواجهان خطر الإرهاب الدولي والمهدد الأمني ذاته، مما يستدعي أهمية التعاون بينهما على الصعيدين المادي والآيديولوجي، حتى يتسنى لهما الحد من انتشاره ومكافحته. \r\n والذي يمكن قراءته من هذين المؤتمرين، هو محاولة كل من الدول الخليجية والقوى الدولية، التوصل إلى وسائل تمكنهما من التعاون والعمل معاً، على خلفية تنامي الدور الاقتصادي الخليجي من ناحية، وتنامي تعرضه للمخاطر والمهددات الأمنية من الناحية الأخرى. ولا شك أن تعاوناً كهذا، يتطلب التوليف والمزاوجة بين كلا القوتين الناعمة والخشنة، في تعزيز وحفز الأمن الخليجي. والآن فقد حانت لحظة التعاون والعمل الإقليمي والدولي المشترك في تحسين البيئة الأمنية لما بعد حرب العراق، وإيجاد التوازن المناسب بين حقيقة هيمنة الدور الأميركي المستمر، وحساسيات المنطقة وخصوصيتها، بكل ما يعنيه هذا التوازن من أهمية، في ظل تنامي دور القوى الدولية الأخرى فيها. \r\n