لايزال الثوب السوداني الذي يعرف بالعامية "بالتوب السوداني" يحتل مكانة كبيرة لدى المرأة السودانية على الرغم من التقدم والتطور الذي يشهده العالم من حولها، إلا أنها تعتبره عنوانا لأصالتها وجزءا أساسيا من عاداتها وتقاليدها التي لا تتخلي عنها ويعبر عن هويتها وثقافتها خاصة خارج السودان، كما أنه يواكب التطور في أشكاله وألوانه المتعددة، فضلا عن أن له بعدا حضاريا للتمازج العربي والأفريقي في السودان منذ مئات السنين.. وعادة ما يميز المتزوجات عن غيرهن، كما أنه أصبح مؤشرا لدى البعض على المستوى الاجتماعي والمادي للسيدات السودانيات. وترتدى المرأة السودانية ثوبها فوق ملابس بسيطة تحمل ألوانا قريبة من لون الثوب، وعلى الرغم من قدمه الضارب في التاريخ فإنه يحافظ على شكله الأساسي دون أن يؤثر على ذلك الكثير من التغييرات والإضافات التي أدخلت عليه في الوقت الذي يواجه منافسة مع العباءة الخليجية. وتقول إيمان محمد مصممة أزياء بالسودان إن "الثوب السوداني هو الزي الأنسب لإظهار شخصية المرأة السودانية وأنوثتها وجمالها، وتفسر تراجعه في المدن لدخول المرأة مجالات العمل المختلفة وركوبها وسائل المواصلات العامة ما يتسبب في إعاقة حركتها، بالإضافة إلى الانفتاح على العالم الخارجي وتقليد الموضات والثقافات الأخري"، وتؤكد أنها اجتهدت في وضع تصميمات للثوب السوداني تلائم المرأة العاملة، وترى أن الأشكال العديدة مثل "العباءة" لا تقل حشمة، لكنها تحذر السيدات من التخلي عنه وتقليد الموضة. "لكل مقام مقال".. ولكن المرأة السودانية تقول إن "لكل لقاء ثوب"، حيث تقول مي عبد الله إن "الثوب السوداني تلتزم به المؤسسات الحكومية المختلفة ويكون لونه أبيض، كما تريديه المرأة المتوفى زوجها في الحداد عليه ويكون لونها أبيض أيضا، أما الثوب الأحمر هو الثوب الذي ترتديه العروس في عرسها (الجرتق) والألوان الزاهية والمطرزة والسوارية في الأفراح وعلى العكس نرتدي السادة ذات الألوان الباردة في بيوت (العزاء)". وأوضحت أن هناك أشكالا وألوانا كثيرة منه مبهجة ومنها ما يناسب الفترة الصباحية ومنها ما يناسب الفترة المسائية ومنها ما يخص الأفراح والسهرات مثله مثل أي ملابس أخري، وهناك أثواب مخصصة للعروسة السودانية تمتاز بأنها من أجود الأقمشة وأغلاها وألوانها جميلة وجذابة. وتجد أنصاف محمد العناء بحثا عن شيء مميز ترتديه في حفلة زفاف ابنتها بألوان وتصاميم "تبهر" المدعوّين، وتميل مثل معظم السودانيات إلى متابعة "موضة" للتوب السوداني الذي لم يعد مجرد لباس تقليدي بل أصبح مجالا للإبداع والتطوير. وبين الأثواب ذات الألوان المتعددة والمختلطة تعرف "بالمُشجّرة" و"المطرزة" ذات اللون الواحد، وأخرى رسمت عليها تصاميم بمواد خاصة، وتلك المزينة بالخرز والأحجار الصغيرة، يبدو الاختيار صعبا على أنصاف وغيرها، لكن هذا الاختيار خاضع لمقاييس منها السعر ومناسبة لبس الثوب، ولفتت إلى أن ثوب النهار عادة ما يكون عاديا، وخلال المناسبات الرسمية تكون عليه إضافات بسيطة، لكن أثواب السهرة فيها لمسة خاصة لا تخلو من الجمالية والإبهار. وتقول الحاجة أم أحمد ربة منزل إنها "ترتدي الثوب أثناء الصلاة لأنه ساتر، أو عند فتحها الباب، ولزيارة الجيران أو عند مقابلتها لرجال غرباء من باب الحشمة ، وثوبها يكون بسيطا وغير مشغول"، لافتة إلى أنها تفضل الثياب من أنواع التوتال السادة أو المشجر عكس الشابات اللاتي يفضلن الثياب الشيفون واللامعة والمشغولة والمشجرة والألوان الزاهية. وتقول سويداء موظفة إن "الثوب السوداني تأثر بعصر العولمة والانفتاح الثقافي فأصبح يتنافس مع غيره من الملابس، خاصة العباءة الخليجية التي تمنح المرأة سهولة الحركة، وهو ما دعا بعض النساء إلي ابتكار طريقة جديدة لارتدائه، من خلال ربطه حول الوسط على طريقة الساري الهندي، ووضع جزء آخر كغطاء للرأس تسدله على كتفها الأيسر، ويطلق على هذا النوع من الأثواب "الربط" وتكون خاماته في العادة من الحرير والشيفون. ويقول عم محمد بائع لأقمشة التوب السوداني إن "السيدات المتزوجات هن أكثر إقبالا على الشراء، بالإضافة إلي العرائس"، موضحا أن هناك أشكالا كثيرة من الثوب مناسبة لجميع الأوقات وتتصدر الأقمشة السويسرية الاهتمام عند الشراء لجودتها وتنوعها ومواكبتها للموضة، كما أن أسعاره متفاوتة لتناسب جميع الفئات ما بين 150 جنيها إلى 650 جنيها وأكثر. وفى خضم تمسك معظم سيدات السودان بالثوب السوداني إلا أن هناك عددا آخر منهن يري أن الثوب السوداني غير ملائم لها في العمل ولا يعطيها الحرية الكافية في التحرك، وتقول أسماء متولي طالبة بالجامعة إن "الثوب السوداني غير مناسب لها ولحركتها في الجامعة وتفضل لبس الملابس العادية لتسهل حركتها، فضلا عن أنها تشير إلي أن المتزوجات هن أكثر إقبالا على ارتدائه، ولكنها ترتديه في المناسبات وفى المنزل أحيانا".. أما حسنية أحمد موظفة تقول إن "الثوب السوداني له أوقاته وغير مناسب في العمل والتحرك في المواصلات العامة". ويعود تاريخ الثوب السوداني منذ الحضارة البجراوية القديمة، حيث كان زيا قوميا للملكات آنذاك، وأوضحت بعض الدراسات أن الملكة "الكنداكة" أول من ارتدت التوب السوداني، وأول ما ظهر من ثياب سودانية في السابق ثياب (القَنجَة والزَرَاق) أو ما يعرف ب (النِيلَة) ذات اللون النيلي وهي مصنعة من خيوط مغزولة من القطن السوداني ثم ظهر بما عرف ب (الطرقة) وبعدها ثياب (الكِرِب) السادة التي جلبها تجار من صعيد مصر يعرفون في السودان ب (النَقَادة) ويمتاز هذا النوع من الثياب بلونه الأسود الناعم نسبيا. ومع مرور الزمن بدأت الثياب المستوردة تكتسح السوق حتى طغت على الثياب القديمة، وتتعدد الأنواع المختلفة للأقمشة وأماكن استيرادها، ولكن تأتى في الصدارة الأقمشة السويسرية، فلم تمنع دولة مثل سويسرا أن تضم بين حدودها أكبر مصانع الثياب السودانية، حيث تمد السوق السودانية بأكثر من 82% من احتياجاته من هذا الزي، كما أن مصممي الأزياء السويسريين يتابعون السوق السودانية ويرصدون اتجاهات الذوق السوداني ليبتكروا أرقى وأجمل أنواعه. وأخيرا تتمازج الألوان وتتنوع التصاميم والأقمشة، لترسم أشكالا مختلفة للتوب السوداني مستوحاه من طبيعة السودان وتراثه الحضاري.