لو أن "حسني مبارك" قال في كلمته التي قدمها لهيئة المحكمة وعلي طريقة حسين الجسمي "لو أنتي مطلعة عيني بحبك موت" كنت قد صدقت أنه من الممكن أن يكون هو صاحبها فلا أستبعد أنه قد استمع يوماً ولو عن طريق الخطأ إلي أغنية "بحبك وحشتيني بحبك وأنت نور عيني" لكن أن يقول بيتاً من الشعر القديم مستعينا بذاكرته مثل "بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام" أهو ده اللي مش ممكن أبداً.. فهو كما يبدو من خلال أحاديثه لم يقرأ شعراً في حياته ولم يعرف عنه حبه للموسيقي فهذا وحده كفيل بأن يؤكد لنا أن "فريد الديب" محاميه وحاميه هو الذي استعان ببيت الشعر من أجل أن يقدم رسالة ليست لهيئة المحكمة ولكن لاستعطاف الشعب. كم تمنيت أن تحظي مصر برئيس يحب الموسيقي والغناء والشعر والدراما إنها تفاصيل قد تبدو بعيدة عن مواصفات رئيس الجمهورية توافقي أو غير توافقي إلا أن الحقيقة هي أن مصر بحاجة إلي رئيس مثقف له أيضاً ميول فنية.. في مسرحية هاملت ل "وليم شكسبير" أتذكر هذه العبارة "احذر منه إنه لا يحب الموسيقي"؟! نعم احذر من الأشخاص الذين لا يتعايشون مع الفن والموسيقي تحديداً لأنها تقف - كما قال الفيلسوف "شوبنهور" - علي قمة الفنون!! نعرف مدي عشق "جمال عبد الناصر" لصوت "أم كلثوم" التي غنت لمصر في انتصارها وانكسارها وكانت صادقة في حبها لعبد الناصر والدليل أنها غنت له بعد أن تنحي في أعقاب هزيمة 67 من كلمات "أحمد شفيق كامل" وتلحين "رياض السنباطي" وغنت له قصيدة أخري بعد رحيله شعر "نزار قباني" و تلحين "السنباطي" ولكن هذه القصيدة طلب "السادات" رسمياً من "أم كلثوم" ألا تذاع.. "السادات" كان عاشقاً لصوت "أم كلثوم" وكان يحمل في أعماقه روح الفنان وحكي لي الملحن والممثل القدير الراحل "عبد العظيم عبد الحق" جار "السادات" عندما كان يقطن في عمارة بحي المنيل قبل قيام الثورة أنه كان يلتقي معه في منزله ومعه العود وكان "السادات" يجيد الاستماع والدندنة وكان يحضر هذه الجلسات الشاعران "مأمون الشناوي" و "عبد الفتاح مصطفي" وقال لي "مأمون الشناوي" إن "السادات" كان عاشقاً لفريد الأطرش وأثني علي أغنية "الربيع" التي صاغها "مأمون الشناوي" قائلاً له: هذه الأغنية تجعلني أشعر أنني في "عليين" أي أنه يسمو بروحه إلي السماء وقال لي "مرسي سعد الدين" الشقيق الأكبر لبليغ حمدي إن السادات كثيراً ما كان يطلب من "بليغ" أن يأتي إليه ومعه العود ويحلو له أن يستمع إلي ألحان أغنيات "بليغ" بصوته وكان "السادات" لديه موهبة الكتابة يتمتع بالقدرة علي صياغة العبارة الرشيقة سبق لجريدة الدستور الأصلي أن أعادت نشر مذكراته التي كتبها خلال الأربعينيات في السجن.. أما "حسني مبارك" فلم نعرف عنه أي ميول في هذا المجال سوي أنه كتب قبل عامين أو ثلاثة مقدمة لكتاب عن "أم كلثوم".. الكتاب تأليف فرنسية جزائرية الأصل "إيزابيل صباح" وبالطبع هناك من كتبها له لأن لا أحد من قبل عرف أن مبارك يحب صوت "أم كلثوم" صحيح أن مبارك طلب من الإذاعة أن تتبني "آمال ماهر" وهو أيضاً الذي أشار إلي صوت "ريهام عبد الحكيم" لست متأكداً إذا كان هو الذي أشار أم أن هناك من أوعز له بذلك.. انحياز مبارك لهما لعب دوراً سلبياً في تقبلهما الجماهيري والدليل أن "ريهام" مثلاً غنت قبل تنحي مبارك بعامين " فيها حاجة حلوة" إلا أن الناس لم تشعر بجمال وتفرد الأغنية إلا بعد تنحي مبارك؟! لم يكن "مبارك" شغوفاً بالفن ربما أحب الفرفشة ولهذا كان معجباً بطباخ الرئيس "طلعت زكريا" وطلب لقاءه منفرداً علي مدي أكثر من ساعتين وبعدها خرج "طلعت" مؤكداً أن "مبارك" خفيف الظل وفي أعقاب ذلك التقي بعدد من الفنانين ثم المثقفين وأجمع الفريقين علي شيء واحد أنه خفيف الظل وإن كنت أعتقد أنه ليس علي هذا النحو ربما كان فقط يحب الفرفشة ويصاحب من يفرفشوه ومن الواضح أن "فريد الديب" رجل "فرفوش"!!